مرّ أكثر من عام على إطلاق عمل المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولم تصدر مضبطة الاتهام رسمياً، لكن يبدو أن مضبطة اتهام إعلامية «سُرّبت» لترفع نسبة التوتر في البلد من خلال الإشارة إلى «حزب الله»
عمر نشّابة
أُثيرت ضجّة أحدثها تسريب معلومات صحافية خلال اليومين الفائتين عن إبلاغ النيابة العامة التمييزية 18 شخصاً، تردّد أن من بينهم أفراداً من «حزب الله» أو مقرّبين منه، بوجوب الحضور إلى مكتب المدعي العام الدولي من أجل الإدلاء بإفاداتهم بصفتهم شهوداً. الخبر لم تؤكده المحكمة رسمياً، ولم تنفه. لكن لا شكّ أن «المسرّب الإعلامي» لأخبار المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين، حقّق المطلوب منه، إذ عادت المحكمة لتحتل واجهة الاهتمام السياسي والقضائي في لبنان.
وقد رأى البعض أن طلب استماع المحكمة إلى إفادات أشخاص مقربين من «حزب الله» يمهّد لاتهامه بارتكاب الجريمة «بمساعدة سوريا».
لكن لا يمكن أن يتّهم المدعي العام الدولي دنيال بلمار وقاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين «حزب الله» أو سوريا مباشرةً باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إذ إنّ نظام المحكمة الأساسي كما قواعد الإجراءات والأدلّة الخاصة بها تسمح بمقاضاة أفراد لا دول أو تنظيمات. لكن يبدو أنّ بإمكان المكتب الإعلامي في المحكمة من خلال العاملين فيه، وبطريقة غير رسمية، أي من خلال «تسريبات إعلامية» تنسب إلى «مصادر مواكبة لمهمة فريق المحقّقين الدوليين التابع للقاضي بلمار»، أن يتولّى تلك المهمّة التي تبدو «سياسية بامتياز». وقد جرى، على ما يبدو، اختيار الأشخاص الذين «يسرّبون» مضبطة «اتّهام حزب الله و\أو سوريا» لوسائل إعلام لبنانية وعربية جميعها مقرّبة من محور سياسي محدّد، ووسائل إعلام أجنبية تتمتّع بسمعة جيدة دولياً لناحية صدقيّتها.
وكانت قد سبقت «تسريب مضبطة اتهام حزب الله» في مجلّة «دير شبيغل» الألمانية في أيار 2009، تسريبات وإطلالات إعلامية عديدة اتهم من خلالها رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس مسؤولين رسميين سوريين باغتيال الحريري، بعدما كان ميليس قد عُيّن في هذا المنصب لهذه الغاية بالتحديد. فميليس كان قد اتهم سوريا وإيران بالضلوع في الإرهاب في تشرين الأول 2001 أثناء مرافعته في قضية تفجير ملهى لابيل في برلين عام 1986. وفي 2005 استدعت الحسابات السياسية رفع نسبة التوتر مع سوريا محلياً وإقليمياً ودولياً. استُبدل ميليس بعد إتمام هذه المهمّة. أمّا سيرج براميرتس، ودنيال بلمار، اللذان خلفا ميليس، فرفضا الضلوع في لعبة التسريبات، ما استدعى التركيز على مصادر «تسريب» من خلف ظهريهما. وبعد انطلاق عمل المحكمة في آذار 2009 ارتفعت نسبة «التسريبات» إلى أن تُوّجت بمقال «دير شبيغل» الألمانية التي تتمتع بصدقية دولية. لكنّ بلمار فضّل إهمال الأمر والتأكيد من خلال المتحدثة باسمه راضية عاشوري أن التصريحات والتحليلات الإعلامية لا تعنيه. كذلك فضّل بلمار عدم مطالبة القاضي بأن يأذن له بالاستماع إلى عشرات الاتصالات الهاتفية، وبالاطّلاع على الرسائل الإلكترونية التي بعث بها موظفون في لاهاي. وفضّل كذلك عدم مصادرة الأقراص الإلكترونية الصلبة للحواسيب ليتمكن من التدقيق في الرسائل التي جرت، على الأرجح، إزالتها لإخفاء الأثر. فبلمار يعلم أن ذلك قد يؤثّر سلباً في معنويات المحققين وفي العلاقات بينهم، كما يعلم أن للقوى الدولية أذرعاً استخبارية لن يقوى على بترها.

سؤال عن الحياد


فضّل المدعي العام الدولي عدم التحقيق في تسريبات المحكمة الإعلامية
قال «مرجع قضائي» لصحيفة عربية «إنّ شطب أسماء مسؤولين سوريين من التقرير الذي كان الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس قد رفعه إلى مجلس الأمن يعود إلى مبدأ حماية هذه الأسماء المشطوبة من التقرير لا من التحقيق، وذلك للمحافظة على سلامتهم في الدرجة الأولى. وبالتالي ستظهر هذه الأسماء في المحكمة، وهي لم تتغير منذ بدء التحقيق. فالمحققون المتعاقبون على الملف تصرّفوا على أن التحقيق كلٌّ لا يتجزأ. وبالتالي كل محقّق أكمل ما بدأه سلفه». كان ذلك في عدد 15 شباط 2009 في إحدى الصحف العربية البارزة، وبقلم زميلتين اختارت المحكمة الدولية الخاصة إحداهما لتكون المتحدّثة الرسمية باسمها. ونقلت الزميلتان عن مصدرهما «القضائي» قوله إن «نقل الضباط الأربعة الموقوفين، اللواء جميل السيد واللواء علي الحاج والعميد مصطفى حمدان والعميد ريمون عازار، سيجري قبل صدور القرار الظني، أي لدى مراجعة قاضي ما قبل المحاكمة الملفات وتحديده من يجب جلبهم إلى المحكمة، ومن ستطلب شهادتهم».
لم يُفهم سبب اختيار قلم الحكمة الدولية شخصاً كان قد نقل معلومات تستبق التحقيق والمحاكمة، وتتهم جهة محدّدة، لتتولى منصب المتحدثة باسمها. لكن ما يبدو شبه أكيد أن للزميلة توجهاً سياسياً واضحاً. ما يجعل السؤال عن مدى حياديتها في عملها كمتحدثة باسم المحكمة مقبولاً لا بل ملحّاً.


اللمسات الأخيرة

فريق المدعي العام الدولي دنيال بلمار يضع حالياً اللمسات الأخيرة على مشروع إعادة تركيب مسرح الجريمة. فالطريقة الأحدث والأدقّ تعتمد التصوير الثلاثي الأبعاد لمكان حصول الجريمة، أي الساحة المواجهة لمسبح السان جورج والمنطقة الدائرية المحيطة بها، التي يحدَّد قطرها من خلال قياس قوة الانفجار، ودراسة تسلسل الخطوات الجنائية لمنفذي الجريمة بحسب الشهود والأدلة الحسّية. وسيُجري فريق المحققين تصويراً ثلاثي الأبعاد للمكان لاستكمال ما كان قد بدأه رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس عام 2006. ففريق براميرتس كان قد بدأ إدخال المعلومات التي توافرت لديه عن موجودات المكان وتنظيمها قبل الانفجار وبعده، وقارنها بالتوقيت، وبإفادات الشهود وبما التقطته كاميرات خاصّة.


شطارات فريق بلمار البوليسية

«إن توسيع دائرة الطلبات من جانب فريق المحققين يقطع الطريق على من يحاول القيام بهجوم مضاد يستهدف مهمتها»، هذه الكلمات المنقولة عن لسان «مصدر مسؤول» في المحكمة تدلّ على نقص في المهنية وتوظيف لـ«شطارات» بوليسية غير مجدية، لا بل مسيئة إلى مبدأ العدالة الذي تدّعي المحكمة اعتماده. فبهدف الحصول على معلومات في شأن عدد محدود من الطلاب الجامعيين، طلب مكتب بلمار تزويده لوائح بأسماء جميع الطلاب المسجلين في الجامعات والمعاهد التربوية العليا في لبنان. ويمثّل ذلك تجاوزاً لمبدأ الخصوصية الفردية الذي هو جزء أساسي من حقوق الإنسان. ويُسأل هنا: ما هو مصير المعلومات التي جمعها فريق بلمار دون حاجته إليها؟