أحمد محسنكان الرجل الخفيف في التلفاز يرتدي قميصاً أسود، مكتوب عليه «محشّش محشّش محشّش». العبارة مكتوبة ثلاث مرات. محاولة لتأكيد الأمر. ظهر مرتديها سعيداً وضحك طوال فترة الحلقة التلفزيونية. لم يشعر بالحرج أبداً من أنه «محشّش». و«المحشّش»، في العرف اللبناني، تقال للغبي. رغم ذلك، بدا صاحب العبارة مزهوّاً بها. هو حرٌ في النهاية، ضمن هذه الحدود. لكن الرجل لم يكتفِ بالتشجيع على التحشيش. أقفل فمه وبدأ يحرّك يديه بطريقة غير مفهومة. وعندما انتهى، ضحك له (أو عليه) الجميع. على الأرجح، قال نكتة ما. لم يستحِ بالاعتراف بأن نكته تدور حول شخص أبكم. أعاد الكرّة ثانية وثالثة، فهو على معرفة بأن المجتمع اللبناني عموماً لا يحترم شيئاً. هذه النكات دارجة أصلاً. لكن، أعرف شخصاً أبكم، كان يشاهد البرنامج. ابتسم طويلاً في المرتين الأولى والثانية. انقلبت ملامحه في الثالثة، وشعر أنه مقصود شخصياً.
إذاً، القصة ليست قصة حريّات دائماً، كما يبالغ بعض المهووسين بالديموقراطية والسخافات المشابهة. هناك حقيقة ثابتة: الأنظمة البشرية تتغير، لكن المشاعر ملتصقة بالكيان الإنساني سرمدياً. وإن كانت البرامج المصدّرة للهو ممتعة في ظاهرها، فالشيطان ـــــ غالباً ـــــ يكمن في التفاصيل. صحيح أن هذه البرامج، تتعرض لحملات المتزمتين، لكن المتزمتين يهاجمون كل ما هو على غير شاكلتهم. الأمر ليس جديداً. وحتى استعمال الألفاظ النابية بحدود معقولة، لا يضرّ بالمشاهدين، ما داموا مدمنين على نشرات الأخبار، وما فيها من خلاعة وتحريض يومي.
الحكاية مختلفة هنا. نحن لا نتحدث عن صراع بين متعصبين دينياً، يعادون كل شيء إلا المرايا، وبين مبالغين ـــــ قصداً ـــــ في الخطابة عن الحريات. نتحدث هنا عن رجل أبكم، أُهين ثلاث مرات في نصف ساعة، أمام جمهور غفير من المشاهدين، وسط تصفيق حاد، وتهليل للعنصرية ضد «الأجنبي» وضد «القروي» وضد «الأسوَد». سبب الضحك غير مفهوم والنكات كلها سمجة. والجمهور؟ محشش. إنه فعلاً كذلك.
في هذه الفوضى، يبدو أنه لا بد من الاستعانة بشارلز داروين. والإنسان، مع كل صفاته النبيلة، يحمل في إطاره الجسدي طابعاً لا يمحى، لأصله المتواضع.