أربكت البذلة وربطة العنق جواد، وأرهقه اليوم الطويل الذي تنقّل فيه بين الإدارة وغرفة المعلمين والصفوف، كمدير ليوم واحد في ثانوية «الإيمان»
كامل جابر
بدأ التلميذ جواد وليد المصري (8 سنوات) نهاره في مكتب المدير لا في الصف. راجع ورقة فيها مشروعه لتطوير مدرسته، ثانوية الإيمان في صيدا، قبل أن ينتقل، مع مساعدَيه اللذين اختارهما، زهير رضوان وسارة عبيد، إلى غرفة المعلمين، حيث ناقش مع الأساتذة قضيتين: التلوث الصوتي، واللوح الذكي.
خطاب جواد، الذي كوفئ بسبب تفوّقه فيه فنُصّب مديراً ليوم واحد، كان مدروساً. أعدّه مسبّقاً مع ذويه وأساتذته، وتطرق فيه إلى حق التلميذ في أن يعبّر عن رأيه بحرية، وفي أن يُنظَر إليه باعتباره شريكاً في نجاح هذه المؤسسة وتطورها، قائلاً: «يجب أن يُنظر إلى كل تلميذ باعتباره مميزاً، ولكي يتميز فعلاً علينا أن نطوّر له مجالات المشاركة الفعلية في عدة أنشطة، مثل المشاركة في مجلة الحائط، سواء بالكتابة أو بالرسم، وإدراج حصة للموسيقى ضمن المنهج الذي يتلقّاه، وذلك لتخفيف الضرر الناتج من التلوث الصوتي، وتنظيم رحلات دورية استكشافية لمناطق من لبنان».
كذلك، اقترح جواد إجراء إحصاءات لمعرفة هوايات التلامذة، بهدف إنشاء أندية كنادي المطالعة، نادي الشطرنج، نادي التمثيل وغيرها، و«إجراء مناظرات دورية لكي يتعوّد التلميذ التعبير عن رأيه، وتقبّل الرأي الآخر»، واعتماد تقنية «اللوح الذكي، وخصوصاً أن بعض التلامذة يعانون صعوبة في فهم خط الأستاذ، فبدلاً من أن يكتب بالطبشورة، يظهر شرحه مطبوعاً على شاشة عملاقة».
أصعب ما في مهمة «المدير الصغير» كان التجوال بين الصفوف والاستماع إلى مطالب الزملاء. في لقائه معهم، اعتلى جواد منصة المسرح وتوسّط مساعدَيه، متقمّصاً الدور، إذ تحدّث كثيراً عن «صعوبة عمل المدير»، واعداً رفاقه بـ «توسيع ملاعب الرياضة».
سأله رفيقه أحمد: «هل أنت سعيد بهذا المنصب ولماذا؟»، فرد بالعربية الفصحى: «أنا سعيد لأنني أحب أن أصبح مديراً حين أكبر. لا أحب الأوساخ والفوضى، وأشجع الحفاظ على البيئة، وأكره كثرة الكلام (الثرثرة) وأن يضرب الأولاد بعضهم بعضاً. ومن يخالف النظام، في رأيي، يجب أن يعاقب بحرمانه النشاطات اللاصفيّة كالرحلات وغيرها».
وسط التصفيق الحاد، كان جواد يطلق العنان لضحكات طفولية تعبّر عن مدى اعتزازه بالدور الذي يؤدّيه. قال لرفاقه: «إن أمّي ومعلمتي، هما وراء نجاحي، هما اللتان تسهران على تلقيني وتعليمي، وهذا ما يجعلني أتفوق». وفي حديث لـ«الأخبار»، روى أنه «لطالما كنت مجتهداً ومتفوقاً، لكنني لم أكن أعرف أن هذا سيصل بي لأن أكون مديراً. مهمة المدير صعبة. قدماي تؤلمانني من المشي الكثير في أرجاء المدرسة. لكننا ننوي، أنا ومساعداي، أن نتسلّم فعلياً زمام الإدارة هنا في الثانوية عندما نكبر».
ومع تمنياته بنجاح فكرة اللوح الذكي ونشر الملاعب الرياضية المختلفة، رغب جواد في تشجيع الرحلات المدرسية.

إشراك التلامذة أساسي لتطوير مدارسهم ومناهجهم

ويشير مدير الثانوية، كامل كزبر، إلى أن فكرة المدير الصغير «جاءت من خلال حكمة تفيد أن أفضل شيء حتى نقف على ما يحتاج إليه أبناؤنا وتلامذتنا، هو الأخذ برأيهم في مسألة كيف يحبون أن تكون مدرستهم وأساتذتهم ورفاقهم».
وأكد كزبر أنه «كانت لمديرنا هذه السنة، جواد المصري، أفكار رائعة في مواضيع التلوث الصوتي والـ«سمارت بورد»، أي اللوح الذكي، الذي استغربت، شخصياً، طرحه له، باعتباره أسلوباً حديثاً في تكنولوجيا التعليم. لكنني سألته عن مقصده فشرح لي التفاصيل الدقيقة، كيف يستخدم بواسطة اللمس ويعمل بقلم شبيه بالليزر ويساعد على التفاعل بين التلميذ ومعلمه. سألته من أين أتى بالفكرة فردّ أنه شاهده على برنامج ديسكفري، وفعلاً هنا تكتشف أن أولادنا أبناء جيلهم، وقرنهم الواحد والعشرين. أفكار الأولاد تسد لنا ثُغراً لا نتنبّه لها بينما يكون تلامذتنا بأمسّ الحاجة إليها».