يأتي انعقاد مؤتمر حركة أمل عن النهوض بالتعليم الرسمي في وقت يشهد فيه الشارع غلياناً مطلبياً هدفه إعادة الزخم إلى هذا القطاع الوطني بامتياز. فهل ينفع الحوار مع سلطة تربوية تستبدل الحلول بالتسويات؟
فاتن الحاج
لماذا لا تهتم الدولة اللبنانية بالمدرسة الرسمية وتتركها وسط ظروف مروّعة؟ يسأل د. حسان قبيسي، الأستاذ في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، ثم يفترض «أنّ صاحبة المدرسة الرسمية، أي الدولة، لا تريد لمشروعها النجاح، أو بالأصح لم تعد تريد النجاح لمشروع بدأته في ظروف معينة وتغيّرت الظروف وأصبح المشروع عبئاً».
إذا كانت هذه الصورة القاتمة التي قدمها قبيسي، أمس، في مؤتمر حركة أمل التربوي، حقيقيّة، فماذا إذاً عن الدراسات ومشاريع القوانين والمراسيم وورش العمل التي تحدّث عنها، في المؤتمر، د. حسن منيمنة، وزير التربية، والتي تعكف عليها الوزارة لتمهين التعليم وتطوير المناهج واعتماد سياسة التحفيز والمساءلة وخفض نسب التسرب في المدارس الرسمية؟
هكذا، فتح المؤتمر باب النقاش محاولاً رسم رؤية للتعليم الرسمي، على خلفية أنّه المشروع الأساس في الانصهار الوطني.
في كلمته، جدّد منيمنة التأكيد «أننا نتعامل مع المطالب المالية للأساتذة بما يتناسب مع التوفيق بين مصالح الناس ومصلحة الدولة، فيما لم نقفل باب الحوار للوصول إلى تسوية معقولة». ثم ذكّر الروابط التعليمية بأنّ لديها مهمتين: حماية مصالح الأساتذة والنهوض بالمؤسسات الرسمية.
الكلام عن الحوار استدعى رداً من حنا غريب، رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، فأوضح «أننا كنا وما زلنا أول المبادرين إلى الحوار»، مجدّداً رفض التسوية من خارج الحقوق المكتسبة. غريب رأى أنّ «التعليم الرسمي ضرورة وطنية واقتصادية، وأحد أهم المكاسب الاجتماعية التي حققتها الحركة النقابية».
كذلك، عقّب على فرضية قبيسي بالقول: «بين الأمس واليوم تغيّر مفهوم الدولة بين سلطة سياسية اعتمدت الرعاية الاجتماعية، فأسهمت في إنشاء التعليم الرسمي وسلطة سياسية اعتمدت نظام السوق وأخضعت قطاعات الصحة والتعليم والتقاعد لمصلحة هذا النظام». وسأل غريب عن الفيتو الذي يمارَس بحق رابطة الثانوي لجهة استبعادها عن المشاركة في كل المشاريع النهضوية.
لكنّ د. ليلى مليحة فياض، رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، بدت أكثر تفاؤلاً حين قالت: «صحيح أنّ نسبة التحاق التلامذة بالتعليم الرسمي العام تصل إلى 36%، لكن الصحيح أيضاً أنّ النسبة تبلغ 52% في التعليم الثانوي الرسمي مقابل 48% في التعليم الثانوي الخاص».
ومع ذلك، لم تستطع فياض أن تخفي قائمة طويلة من المشكلات التي سبّبتها السياسات التربوية المتعاقبة، ومنها بدعة التعاقد لتأمين حاجات التعليم الرسمي، الخلل الذي سبّبه توزيع المعلمين العشوائي في نوعية التعليم. ومن الأرقام التي ذكرتها فياض: 59% من الأبنية المدرسية كناية عن شقق سكنية مستأجرة، 25% فقط من المدارس تضم مختبر علوم طبيعية، و16% توجد فيها مشاغل للتكنولوجيا.
وفي الحلول، اقترح قبيسي تحويل المدرسة الرسمية إلى مصلحة مشتركة يشارك المجلس البلدي والأهالي في تسييرها، فيما تعود إلى الدولة صياغة التوجهات التربوية والمناهج وتأمين الهيئة التعليمية.
أما غريب، فأكد أنّ الحل يكون بسلة متكاملة من الإجراءات الإصلاحية والتشريعات مثل إقرار قوانين إلزامية التعليم الرسمي ومجّانيته وتعزيز مرحلة الروضة والخريطة المدرسية لزيادة الطاقة الاستيعابية للمدارس الرسمية وإعادة موقع الأستاذ الوظيفي. وشددت فياض على ضرورة الأخذ بمبدأ عدم وصول معلم إلى الصف ما لم يكن معدّاً إعداداً أساسياً للمهنة.
وفي حفل الافتتاح، دعا د. حسن زين الدين، مسؤول المكتب التربوي المركزي في حركة أمل، إلى البحث عن آليات متحركة تواكب المدرسة الرسمية والمعلم، فتلبّي حاجاتهما دون الحاجة إلى رفع الصوت في الشارع.
أما محمد نصر الله، رئيس الهيئة التنفيذية في الحركة، فأعلن باسم رئيس مجلس النواب نبيه بري تأييد المطالب المرفوعة للأساتذة، مبدياً الموافقة في الوقت عينه على شعار وزير التربية: «بالحوار نصل إلى نتائج ضمن ضوابط الحفاظ على كرامة الأساتذة».
المؤتمر خصص محوراً كاملاً عن الجامعة اللبنانية، التي قالت عنها عميدة معهد الدكتوراه للعلوم والتكنولوجيا زينب سعد ممثلة رئيس الجامعة د. زهير شكر: «إذا كانت الجامعة قد مرّت عبر تاريخها في عهود مختلفة وُصف بعضها بالمميز وبعضها الآخر كان يعكس الواقع السياسي القائم، فإنّها ستبقى أمينة على دورها الوطني والقومي وستبقى صرحاً علمياً عنوانه الديموقراطية والانفتاح على الآخر».