في هذه الفترة من كل عام، كان البيض ينقطع تقريباً من السوق لأغراض لا تتعلق فقط بمائدة الطعام. ففي موسم أعياد الفصح المجيد تنشط «المفاقسة»، وهي مباراة بالبيض الملون الذي تتبارى العائلات في تلوينه وتزيينه للمناسبة، وما إن ينتهي العيد حتى تعود الأزمة
طرابلس ــ فريد بو فرنسيس
بدأت الاستعدادات لاستقبال عيد الفصح المجيد إحياءً لتقاليد قديمة، ربما كان أهمها سلق بيض الدجاج وتلوينه، وتزيين المنازل برموز العيد. ويستعد الصغار، كما الكبار، للمفاقسة بالبيض بعد نهاية قداس منتصف الليل، في عادة درجت عليها الطوائف المسيحية منذ القدم. ويقول رئيس لجنة العائلة في أبرشية طرابلس المارونية الخوري أنطون بيوس البعيني: «قديماً، بسبب الانقطاع عن أكل البيض أثناء الصوم، كان يُحفَظ البيض بسلقه كي لا يفسد، ويؤكَل بعد قداس عيد الفصح، وكذلك كان الناس يتسلون بالمفاقسة». ويضيف الخوري البعيني: «يُعَدّ البيض رمزاً للحياة، لأن معظم الكائنات الحية على وجه الأرض تتوالد من طريق وضع البيض».
أما التزاحم على شراء البيض في هذه الفترة من العام استعداداً لاستقبال عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية، فلا يحل أزمة تصريف الإنتاج المتراكم خلال الصوم. فعندما كان فيكتور نجيم (76 عاماً) يدير مزرعته في رشعين (قضاء زغرتا)، كان يعول عائلة مؤلفة من خمسة أفراد. أما اليوم، فقد تغير الوضع كثيراً. ويقول الرجل: «بالكاد يستطيع المرء تغطية المصاريف بعدما بات سعر طن العلف 800 ألف ليرة لبنانية، والخير لقدام». لكن فيكتور تقاعد من العمل بسبب تقدمه في السن وسلّم مزرعة الدجاج لابنه سايد. حينها، لم يكن سايد قد دخل أجواء السوق، إلّا أنه اليوم، بعد مضي أكثر من سنة على عمله في هذا الحقل، بدأ يدرك جيداً «أن القصة كلها ما بتحرز»، كما يقول لـ«الأخبار». ويلفت إلى «أنّ الكلفة مرتفعة والأسعار متدنية. أما الخسارة فتقع علينا وحدنا، فصاحب المحل لا يبيع بخسارة». هكذا، يعاند سايد بقوة للاستمرار في هذا العمل. يشرح كيف عمد إلى استخدام أساليب جديدة، منها أنّه اشترى «فان» ليجول به داخل القرى والبلدات المجاورة لبيع الإنتاج.
في عيد الفصح يتحرك السوق تحركاً لافتاً، لكن ليس كما يشتهيه أصحاب المزارع. هكذا، يجلس حسون محمد في محله في منطقة الزاهرية في طرابلس، يدخّن سيجارة وينتظر ساعات طويلة من دون أن يدخل أحد إلى المحل.
بعد انقضاء العيد بنحو أسبوع سيُفلس الكثير من المزارعين
«نحن لا نتوقع أي ارتفاع في السعر قبل الأعياد، لكن نتوقع حركة لبيع البيض من النوع الأبيض فقط، لأنه المحبب للاستعمال المنزلي والتلوين خلال فترة العيد. وقد لجأنا إلى طرق تسهّل عملية البيع من طريق توصيل البضاعة إلى المحال التجارية في مناطق طرابلس، وحتى إلى الأقضية المجاورة». حسون يقول إن «هذا القطاع متروك من الدولة ولا أحد يهتم به. نحن لا نخسر أبداً لأن أرباحنا مضمونة. لكن الخسارة ستقع على المزارع، وكلما ارتفع السعر علينا نرفع السعر على المستهلك». ويشرح حسون قائلاً إنّ «البيض في الأسواق نوعان: أحمر وأبيض. كرتونة البيض الأحمر بزنة 1700 غرام سعرها اليوم 3500 ليرة، وزنة 2200 غرام سعرها 4000 ليرة. الطلب يزداد على الأبيض خلال فترة عيد الفصح عند الطوائف المسيحية، وأعتقد أنه بعد انقضاء فترة العيد بنحو أسبوع سيُفلس الكثير من المزارعين، لأن الحركة ستُشَل بالكامل، لأن السوق يكون قد أُغرق بالبيض والناس لا يستطيعون أن يأكلوا كل ما اشتروه. إذ لن يكون هناك منزل في لبنان قد اشترى أقل من خمسين بيضة للأكل أو الزينة أو الضيافة، وحركة السوق بعد عشرة أيام ستتوقف بالكامل».
يتحسر حسون على الأيام الماضية حين «كان المبيع في أوجه». أما اليوم، فيعيش سوق البيض ـــــ كما يقول ـــــ مرحلة صعبة «لأن الحركة معدومة، سواء بالجملة أو بالمفرق». ينظر حسون إلى كراتين البيض المكدسة ويسأل: «قديش بدك تبيع بهالبلد حتى تصرّف البضاعة؟». ويستدرك بأنّ التصدير إلى الخارج بات شبه معدوم، فيما لا يبشّر الاستهلاك المحلي بالخير. ويذكر حسون كيف كان السوق منذ نحو شهرين أفضل مما هو اليوم. ويضيف: «مقارنةً بالأمس القريب، كان سعر كرتونة البيض خمسة آلاف وخمسمئة ليرة وزن 1200 غرام، أما اليوم فقد تراجع السعر تراجعاً كبيراً، بحيث تراجع سعر الكرتونة نفسها إلى ثلاثة آلاف وخمسمئة ليرة».