عملية توقيف مروج مخدرات لفتت إلى ظاهرة آخذة بالانتشار في قرى قضاء زحلة. إذ ترتفع نسبة المدمنين ارتفاعاً ملحوظاً، ومعظمهم راشدون. التقارير تؤكد انتشار هذه الآفة، والقوى الأمنية تضاعف جهودها لمحاربتها وتوقف العشرات
زحلة ــ نقولا أبو رجيلي
ارتفاع نسبة مدمني تعاطي المخدرات بين أبناء بعض قرى البقاع الأوسط من فئات عمرية مختلفة تتراوح بين 20 و45 عاماً ليس مجرد استنتاجات، بل هو حقيقة تثبتها يومياً التقارير الأمنية والعسكرية، وكذلك نتائج التحقيقات التي تجريها قطعات قوى الأمن الداخلي المعنيّة بمكافحة هذه الآفة التي بدأت تستفحل وتمتد على نحو ملحوظ إلى مجتمع الأرياف.
أُوقف جميل (اسم مستعار) قبل نحو 6 أسابيع على إحدى الطرق الفرعية في البقاع الأوسط، وضبطت بحوزته بضعة غرامات من مادة الكوكايين. عملية إيقاف جميل من عناصر مكتب مكافحة المخدرات في البقاع لم تكن وليد الصدفة، بل هي نتيجة لمراقبة مستمرة امتدت لعدة أسابيع.
قد يبدو هذا الخبر «عادياً» أو «مألوفاً» نظراً إلى ارتفاع نسبة الموقوفين من تجار المخدرات أو مروجيها أو مدمنيها. لكن اللافت في الأمر، أن الرجل ـــــ وقد تبين في التحقيقات الأولية أنه من المروجين ـــــ متقدم في العمر ويبلغ 60 عاماً.
يملك جميل سيارة يعمل عليها بالأجرة. فبالإضافة إلى مهنته الأساسية، وهي نقل الركاب من مدينة زحلة التي تبعد عن بلدته حوالى 20 كلم وإليها، كلفه عدد غير قليل من شباب قريته مهمة توفير «حاجتهم» من المخدرات لقاء مبالغ مالية تحدد قيمتها في كل مرة وفقاً لصنف المواد المخدرة ووزنها.
قال الرجل الستيني أمام المحققين إن الكمية التي ضُبطت بحوزته هي للاستعمال الشخصي، وإنه اشتراها من شخص يجهل هويته، لكنه يسكن في إحدى بلدات البقاع الشمالي. كذلك أنكر جميل تهمة ترويج المخدرات، نافياً معرفته بأي شخص يتاجر بها أو يتعاطاها. إفادات جميل كذبتها التحاليل المخبرية التي أجريت على عيّنة من بوله، فتبيّن خلوها من أية مواد مخدّرة.
بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، أحيل الموقوف أصولاً على قاضي التحقيق في المحافظة، ليعود ويكرر أمامه ما جاء في اعترافاته السابقة أمام رجال التحري. بناءً على ذلك، أصدر القاضي مذكرة توقيف وجاهية في حق جميل بجرم نقل مخدرات، وأودع السجن لمدة تجاوزت شهراً، خرج بعدها بموجب إخلاء سبيل.
خروج جميل من السجن في مدة قصيرة من توقيفه أثار استغراب بعض أهالي بلدته والقرى المجاورة، حيث سرت شائعات تفيد بأن إخلاء سبيله بهذه السرعة، جاء نتيجة تردّي وضعه الصحي وإدخاله المستشفى خلال فترة توقيفه، كذلك أتى مراعاةً لتقدمه في السن.
البعض يروّج رواية مفادها أنه فور شيوع خبر توقيف جميل، وخوفاً من فضح أمرهم، سارع عدد من شبان البلدة، إلى منزل الموقوف، وتوسلوا أفراد أسرته، طالبين منهم إبلاغه بأية وسيلة، بعدم ذكر أسمائهم في التحقيق. وإذا وفى جميل ولبى مطلبهم، تُدفع له «مكافآت» مالية. وثمة معلومات تفيد بأن العروض وصلت إلى حدود 20 ألف دولار.
قوى الأمن توقف يومياً عشرات الأشخاص، وتضبط عشرات الغرامات من المواد المخدرة
لم تنته القضية عند هذا الحدّ، إذ تابع مكتب مكافحة المخدرات في البقاع إجراء التحريات والاستقصاءات في بلدة جميل والقرى المحيطة بها، توصلاً إلى معرفة هوية الأشخاص المشتبه في تورطهم بتعاطي المخدرات. وعلمت «الأخبار» نقلاً عن مسؤول أمني أن المكتب المذكور أبلغ نحو 15 شاباً من أبناء البلدة نفسها، بواسطة ذويهم، بوجوب حضورهم إلى مركزه الكائن قرب مبنى قصر العدل في زحلة، وذلك بتاريخ 26 الجاري.
في الموعد المحدد، حضر فقط ثلاثة من الذين استُدعوا، بمن فيهم جميل المذكور، وبعد استجواب هؤلاء وإجراء الفحوص المخبريّة على عيّنات من بولهم، جاءت النتيجة سلبية، وأُخلي سبيلهم بناءً على إشارة القضاء المختص الذي أمر أيضاً بتسطير بلاغات بحث وتحرٍّ في حق باقي الأشخاص الذين تخلفوا عن الحضور، على أن يمتد مفعولها، أي البلاغات، لمدة شهر، اعتباراً من تاريخ إصدارها، يصار خلالها وبعدها إلى متابعة الإجراءات اللازمة، وفقاً للقوانين المرعية الإجراء.
من جهته، رأى مسؤول أمني أن طبيعة الحياة الاجتماعية داخل القرى تساعد إلى حدّ كبير على كشف هوية المدمنين من أبنائها و«الأوكار» التي يلجأون إليها، مقارنةً بصعوبة هذه المهمة إلى حد ما في العاصمة بيروت والمدن اللبنانية الكبيرة، موضحاً أن هذه القضية ليست الأولى من نوعها في هذا الإطار، وهي تفتح باب التساؤل عن مصير هذه البلدة الصغيرة من حيث المساحة وعدد السكان، وغيرها من القرى اللبنانية، التي كانت أعداد المدمنين من أبنائها في ما مضى شبه معدومة أو لا تتجاوز في الحدّ الأقصى أصابع اليد الواحدة. لفت المسؤول إلى أن الحيّز الأكبر من عنصر الشباب قد ابتُلي بتعاطي المخدرات، «ولا رغبة عنده في إنشاء عائلة أو تشييد مسكن، أو بناء حياة اجتماعية، فكل ما يبتغيه هو الكدّ والعمل لتوفير ثمن حاجته اليومية من المخدرات، الذي قد يصل أحياناً إلى مئة دولار أميركي». بلدة جميل ليست الوحيدة في هذا المضمار، يتابع المسؤول، إذ «إن التقارير التي تردنا تفيد بأن نسبة المدمنين في هذه القرية والقرى المجاورة تزداد يوماً بعد يوم». وعن الإجراءات التي يمكن أتخاذها للحد من تفاقم المشكلة يختم المسؤول بالقول: «إن قوى الأمن تضاعف من جهودها لناحية مراقبة الأماكن المشبوهة ورصدها. وهي من أجل ذلك، توقف يومياً عشرات الأشخاص، وتضبط عشرات الغرامات من المواد المخدرة، وبالأخص على حاجز ضهر البيدر».
ما قاله المسؤول الأمني يؤكده لـ«الأخبار» عدد من أهالي بلدة جميل والقرى المجاورة. هؤلاء حذروا من استفحال انتشار آفة إدمان المخدرات، وما يمكن أن تتركه من آثار سلبية على فئة الشباب في الأرياف على نحو خاص.
أخيراً، إن عملية توقيف جميل والاشتباه بأنه يعمل مروّجاً للمخدرات بين الشباب، يلفتان إلى ظاهرة جديدة لم تكن معروفة، ألا وهي اللجوء إلى مروجين متقدمين في السن، يصعب عادة أن يشك المرء في سلوكهم، فيما يُعرف في الآونة الأخيرة استعانة تجار المخدرات بمروجين غير راشدين بعضهم لم يصل إلى سن المراهقة.


لدراسة علمية وتحديد المخاطر

تلفت متابعة الأخبار والتقارير الأمنية في الآونة الأخيرة إلى أن كل أسبوع يشهد عدداً من التوقيفات التي تطال حاملي المخدرات أو مروجيها في البقاع. فقبل فترة وجيزة، أُوقف عدد من حاملي المخدرات عند حاجز ضهر البيدر، وعُثر هذا الشهر على سيارة تعرضت لإطلاق رصاص قرب بعلبك، تبين أن في داخلها مخدرات. من جهة ثانية، يؤكد مسؤول أمني أن القوى المختصة تعثر على عدد من السيارات المسروقة التي يتبين لاحقاً أن سارقيها استخدموها في تنقلاتهم لشراء مخدرات من مروجين أو من تجار معروفين لدى المدمنين. وفي بعض الأحيان يترك السارقون السيارة مركونة عند إحدى الطرقات الفرعية ويفرون إلى جهة مجهولة، بعد أن يكونوا قد استخدموها لمرة واحدة وأفرغوها من الوقود.
من جهة ثانية، يدعو متابعون لهذا الملف إلى بحث الأسباب التي أدت إلى تزايد نسبة إدمان المخدرات، تحديداً في بعض القرى التي لم تكن تعرفها. ويدعو المتابعون إلى وضع دراسات تفصيلية وعلمية تحدد أماكن انتشار هذه الآفة، والتأكد من أنها غير منتشرة على نطاق واسع بين المراهقين.