سفربرلك، شهداء 6 أيار، رواية الرغيف لتوفيق يوسف عوّاد. تشير كل كتب التاريخ المدرسيّة، وكل أدبياتنا إلى المرحلة العثمانية بوصفها أحدى مراحل «الظلم والظلام». كيف يقرأ شبابنا اليوم عودة تركيا إلى الساحة؟
رنا حايك
المنتصر هو من يكتب التاريخ. بالتأكيد لم يكتب ورثة «الرجل المريض» الذي أصبحته الإمبراطورية العثمانية في آخر أيامها تاريخ إمبراطوريتهم التوسعية في المشرق العربي. كتبه من هللوا لتفتّت السلطنة العثمانية ولو أن الانتداب هو ما حلّ محلها.
اليوم، تعود «تركيا كمال أتاتورك» بحثاً عن مجد الأجداد الضائع في الشرق، يدافع رئيس وزرائها عن حقوق الفلسطينيين، ويقترب أكثر فأكثر من لبنان سياسياً، رغم علاقات بلاده مع إسرائيل، وقمعها الأكراد القاطنين فيها، وعدم اعترافها حتى اليوم بالمجزرة التي ارتكبها الأسلاف في حق الأرمن. كيف يقرأ الشباب هذا الواقع في ظل ما درسوه في كتاب التاريخ؟ وهل يتحفّظ الأرمن منهم على علاقات الود التي يبنيها بلد ولدوا وعاشوا فيه مع ورثة من أبادوا أجدادهم ذات يوم؟
«صورة جمال باشا لا تزال حية في الذاكرة الجماعية للبنانيين. والتقارب بين لبنان وتركيا فيه تجاوز أيضاً لمشاعر اللبنانيين من أصل أرمني، لكن من يعتنق خيار المقاومة لا يسعه سوى تشجيع موقف الحكومة التركية المدافعة عنه»، يقول طالب السنة الثانية في كلية الطب في الجامعة اللبنانية، حسن إسماعيل. فرغم أن تركيا دولة علمانية، إلا أن خطاب رئيس وزرائها (رجب طيب أردوغان) المستمد من خلفيته الإسلامية يستدعي تعاطف الشباب المنتمين إلى العقيدة الإسلامية التي يقع استرجاع الأماكن المقدسة في فلسطين ضمن أولوياتها، قبل غيرهم. إلا أنها تطال غيرهم أيضاً. فمعظم العلمانيين المؤمنين بقضايا التحرر الوطني، يتفقون مع توجهات الحكومة التركية في ما يتعلق بتلك القضايا. ينطلق هؤلاء من قراءة سياسية فيها بعض التحفظ لكنها تنتهي إلى الخلاصة ذاتها. «صحيح أن لدينا مشكلات تاريخية مع تركيا، وصحيح أن تدخلها على الساحة المحلية يبرز فشلنا في قضايانا المحورية، كقضيتي فلسطين والعراق، لكن الأولوية هي مواجهة إسرائيل. من هنا، يقتضي علينا التعاون معها، والتمثّل بها مع السعي لبناء هويتنا لا الانضواء تحت عباءتها فحسب. نهضتنا هي الأمر الوحيد الذي من الممكن أن يحمينا من الاستلاب مجدداً إن كان مع تركيا أو مع غيرها»، يقول بلال أبو درغام، الطالب في الجامعة اليسوعية، والناشط في الحزب القومي السوري الاجتماعي. رغم أنهم لم يبتعدوا كثيراً عن سنوات الدراسة، ورغم أن صفحات مادة التاريخ التي تتحدث عن أحمد باشا الجزار لم يذب حبرها تماماً بعد من ذاكرتهم، إلا أن الشباب لا يشعرون بتهديد فعلي من «عودة تركيا»، وباستثناء تحفظهم على مشاعر الأقليات من أصول أرمنية وكردية في النسيج اللبناني، إلا أنهم يعون أن «الموقف يختلف تماماً اليوم عما درسناه في المدرسة، فتركيا العلمانية ليست الإمبراطورية العثمانية التوسعية»، تقول جوسي جعلوك، و«تدخّل تركيا اليوم في محله، لأنها تملأ فراغاً حلّ بعدما سقط الوسطاء، مثل مصر والسعودية، فهي قوية كوسيطة لأنها تحافظ على علاقة ندّية بإسرائيل، بالإضافة إلى أنها لا تهددنا لأنها لا تستطيع المسّ ثقافياً بالمعادلة اللبنانية»، يقول نجيب، طالب الماجستير في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت. هكذا، نجحت تركيا، بفضل ممارسة سياسية أتقنت الإمساك بخيوط اللعبة الإقليمية، في إعادة التموضع في ساحة غاب عنها «نواطير نامت عن ثعالبها». عودة تبدو سلسة رغم ما ذكر في مناهجنا التعليمية.


الأرمن والأكراد: لن ننسى

«يحلوا مشاكلن وبعدين يبقوا يجوا يتوسطولنا! أنا ضد العلاقات مع تركيا»، يقول ميغو مضيفاً: «أصلاً اللبنانيين لازم يستحوا يتصادقوا معن. نسيوا شهدا 6 أيار؟». يعترف الشاب الأرمني بأن «رأيي بيفيد أو لأ هيدا موضوع تاني»، لكنه يصرّ على موقفه، الذي يشاركه فيه معظم الأرمن، ما عدا بعض الاستثناءات، كهراغ الذي يفضّل تقرّب تركيا بدل «بلد تاني متطرّف»، فصحيح أنها ارتكبت مجزرة لكن «عنا جيران ظلمونا أكتر». أما نيفين، الصبية الكردية، فترى أن العودة التركية «مانا لسواد عيوننا»، فهي تمانعها ولا تصدّق دوافع الأتراك النبيلة التي تغيب في تعاملهم المحلي مع أعضاء حزب العمال الكردستاني مثلاً إذ «السياسة الداخلية غير عادلة ولو كانت الدولة علمانية».