وصل رئيس المحكمة الخاصة بلبنان أنطونيو كاسيزي إلى بيروت أول من أمس. التقى عدداً من المسؤولين، في ظلّ تفاوت أهداف الزيارة المعلنة، بين التعارف وعقد اتفاقيات قضائية جديدة. رغم الترحيب الذي لقيه رسمياً، برزت مواقف تتشكّك في حيادية المحكمة ونزاهتها
محمد نزال
إنها زيارة تعارف مع الشعب اللبناني والمسؤولين، وليس لها علاقة بذكرى «14 شباط»، هكذا حددت الناطقة باسم المحكمة الخاصة بلبنان، فاطمة العيساوي، أهداف زيارة رئيس المحكمة المذكورة القاضي أنطونيو كاسيزي إلى لبنان.
لفتت الناطقة الجديدة باسم المحكمة المذكورة، إلى أن كاسيزي أراد المجيء إلى لبنان قبل هذا الوقت، لكنه انتظر تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة. جال القاضي الدولي خلال زيارته الأولى إلى البلد الذي خصّصت له المحكمة، على عدد من المسؤولين أمس، برفقة وفد ضم نائبه القاضي اللبناني رالف رياشي. المحطة الأولى كانت في وزارة العدل. اجتمع كاسيزي مع الوزير إبراهيم نجار، ثم أدلى بتصريح مقتضب أشار فيه إلى أهمية التعاون الذي أبداه الوزير نجّار حتى الآن، وفي المستقبل بـ«التأكيد»، واصفاً هذا التعاون بالـ«ممتاز». وقبل أن يبادر الصحافيون إلى طرح الأسئلة عليه، قال مستعجلاً، إن مهمة المحكمة هي «تحقيق العدالة على نحو مستقلّ وفعّال». لم يكن مستغرباً تحدث كاسيزي باللغة الفرنسية، لكن المستغرب خلوّ الوفد المرافق له من أي مترجم، وكذلك الأمر في وزارة العدل.
من جهته، قدّم نجّار درعاً تقديرية لكاسيزي، وذلك لـ«الجهود الشفافة والمتّسمة بالاستقلالية من قبل المحكمة الدولية، بغية التوصل إلى كشف حقيقة الاغتيالات» التي حصلت في لبنان، بحسب ما أعلنت وزارة العدل. وفي السياق نفسه، كشف الوزير نجّار لـ«الأخبار» أن قاعة المحكمة الخاصة بلبنان، قد «أصبحت جاهزة تماماً، وهي مجهّزة بأحدث الوسائل التقنية، وسوف تفتح في أواخر الشهر الجاري».
وكشف نجّار أيضاً بعض ما دار بينه وبين كاسيزي في الاجتماع، فالقاضي الدولي تحدث عن «حاجة مكتب الدفاع في المحكمة إلى العمل في لبنان، ليصبح بإمكان وكلاء الدفاع الاستفادة من القواعد التي وضعتها المحكمة على الأراضي اللبنانية، فيما هذه القواعد لا مثيل لها في لبنان».
ما الآلية التي اقترحها كاسيزي حيال ما ذُكر؟ أجاب نجار إنه «لا بد من وضع نظام واتفاق قضائي بين لبنان والمحكمة، يتيح لوكلاء الدفاع ممارسة مهامهم بالحرية والفاعلية نفسها، بما يتّصف به الادّعاء».
المحطة الثانية في زيارة كاسيزي، كانت في القصر الجمهوري، حيث اجتمع والوفد المرافق له مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. وإثر اللقاء، أكّد سليمان «وجوب أن لا تتأثر المحكمة بأي ضغوط أو معطيات خارجية، أو خارجة عن إطار عملها، وأن يتميز أداؤها بقدر عال من الشفافية، إحقاقاً للحق ومنعاً للظلم». بعدها، اجتمع الوفد مع وزير الخارجية علي الشامي، فأبدى الأخير دعم وزارته للمحكمة الخاصة بلبنان، واستعدادها للتعاون.

نجار: لا بد من وضع نظام واتفاق قضائي بين لبنان والمحكمة
الترحيب الذي لقيه كاسيزي من المسؤولين اللبنانيين، خرقه بيان صادر عن اللواء الركن جميل السيد، الذي رأى أن إثبات حيادية المحكمة وصدقيّتها «لا يكون فقط عن طريق احترام الشكليات في هذه الزيارة»، داعياً كاسيزي إلى استرجاع «نزاهة المحكمة وصدقيّتها تجاه الرأي العام اللبناني والعربي»، من خلال تراجع المحكمة عن قرارها السياسي بعدم ملاحقة «شهود الزور وشركائهم، الذين ضلّلوا التحقيق الدولي على مدى 4 سنوات بهدف الاعتقال التعسّفي للضبّاط الأربعة». وأردف السيد في بيانه «عبثاً تسعى المحكمة الدولية الى إثبات حيادها، ما لم تكفّ عن حماية السلطات اللبنانية التي تورطت في مؤامرة التزوير». لم يكتف اللواء بذلك، فوجّه سهام الاتهام إلى القاضي رالف رياشي، الذي لا يمكن المحكمة «أن تكون حيادية، ما دامت تضمّه في صفوفها»، متهماً إياه بـ«التورط في اعتقال الضبّاط الأربعة، عندما نحّى المحقق العدلي إلياس عيد لمنعه من الإفراج عنهم في حينه، لأسباب سياسية». لم يسلم المدّعي العام للتمييز القاضي سعيد ميرزا من سهام السيد، فطالب كاسيزي بالامتناع عن لقاء ميرزا خلال زيارته، لكون الأخير «مدّعى عليه من اللواء السيد بجريمة الاعتقال السياسي، وتسويق شهود الزور ورعايتهم».


مصيبة 2011

ينصّ الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية بشأن إنشاء محكمة خاصّة بلبنان على أنه «يعيّن القضاة لفترة ثلاث سنوات، ويجوز إعادة تعيينهم لفترة أخرى يحددها الأمين العام بالتشاور مع الحكومة» (الفقرة السابعة من المادة الثانية). عُيّن القضاة الحاليون في المحكمة، بمن فيهم كاسيزي ورياشي عام 2009، وستنتهي ولايتهم العام المقبل (2011). ويُتوقّع ألّا تنتهي المحكمة من عملها في 2011، إذ إنه لا إشارة واضحة حتى اليوم إلى قرب صدور مضبطة الاتهام. يعني ذلك أن الأمين العام للأمم المتحدة قد يعيد تعيين القضاة بالتشاور مع الحكومة اللبنانية. لكن في ذلك مصيبة. إذ إن نجل ضحية الجريمة لا يجوز عدلياً أن يُشاور في عملية تعيين (أو إعادة تعيين) القاضي. فإذا حافظ سعد الحريري على موقعه رئيساً للحكومة حتى 2011، وشارك بالتالي في عملية تعيين قضاة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فقد تفقد ما تبقى لها من توازن لتحقيق العدالة.