اكتُشفت مغارة تحوي خمس جماجم بشرية (أو سبعاً) في بلدة تول. مرّ الخبر بالهدوء، ولم يلق اهتماماً كبيراً. الاكتشاف ليس الأول
رضوان مرتضى
«خمس جماجم بشرية داخل مغارة في قرية جنوبية». تكفي هذه الكلمات ليتخيل المرء المشهد، ويطرح الأسئلة عن هوية أصحابها، وسبب وجودها في المغارة. لكن هذا الخبر لم يُثر انتباه الكثيرين، والمؤكّد أن وقعه سيكون شديداً على من لا يزال يبحث عن المفقودين في الحرب الأهلية اللبنانية، فهذا الملف لم يُقفل رغم مرور 20 عاماً على نهاية تلك الحرب.
بين فترة وأخرى، في وقت لا يتعدى شهرين، يتكرر خبر اكتشاف عظام بشرية في أمكنة ومغارات مختلفة. آخر الاكتشافات سُجلت أول من أمس. كان سائق جرافة يعمل في حقل يملكه نزيه ف. في محلة تول، غربي النبطية، قد وقع على فتحة باب غرفة حجرية، تبين أن في داخلها خمس جماجم بشرية، لكنّ شهوداً عياناً نقلوا أن عددها سبع.
الخبر ليس جديداً في قرية تول أيضاً، فقد سبق أن اكتُشفت عظام بشرية مرّتين أو ثلاثاً في البلدة نفسها. اللافت في الأمر هو الاستخفاف في التعاطي مع هذه المسألة رغم حساسيتها. فعند كل إعلان لاكتشاف مقبرة تحوي رفات بشرية، يتبادر إلى الذهن فوراً قضية المفقودين اللبنانيين. وفي هذا الإطار، ذكرت رئيسة اللجنة اللبنانية للمفقودين اللبنانيين، وداد حلواني، أن العدد التقديري للمفقودين والمخطوفين يبلغ نحو سبعة عشر ألفاً. استغربت حلواني الاستخفاف المستمر في التعاطي مع هذا الموضوع، وذكّرت بحادثة العثور على جثمان الصحافي البريطاني في البقاع الغربي، مشيرة إلى أنه عُثر حينها على رفات بالقرب من جثمانه، لكن القوى الأمنية أعادت طمر الرفات من دون إخضاعها لأي فحص.
نفت حلواني حصول أي تطور في «طريقة التعاطي مع مسألة بهذا الحجم». كذلك ذكرت رئيسة اللجنة اللبنانية للمفقودين لـ«الأخبار» أنّ المسألة تُتابَع على المستوى القضائي، مؤكّدة الإصرار على تأليف لجنة وطنية لمتابعة الموضوع، لأن هذا الأمر من أولويات المسائل المتعلّقة بحقوق الإنسان.
كان رئيس جمعية «سوليد» غازي عاد قد طالب بتأليف لجنة خاصة تتمتع بالمواصفات الدولية، وبإنشاء بنك معلومات للحمض النووي لتسهيل عملية تحديد هوية العظام البشرية التي تُكتشَف بعد إجراء فحوص الحمض النووي عليها، مشيراً إلى أن استمرار غياب هذه العناصر، يُبقي العمل ناقصاً، وكل الاكتشافات التي تُعلَن لن يجري التوصل فيها إلى أي نتيجة.

سائق جرافة وقع على غرفة حجرية فيها خمس جماجم
بالعودة إلى الاكتشاف الأخير، تجدر الإشارة إلى أن بلدة تول تقع على مقربة من أحد المخيّمات الفلسطينية، المعروف باسم مخيّم النبطية، الأمر الذي أسهم في أن تتناقل فرضيتين، مع ترجيح أنّ المغارة قديمة العهد. الفرضية الأولى تشير إلى أن الجماجم تعود لمقاتلين فلسطينيين سقطوا خلال غارات إسرائيلية كانت تستهدف مواقعهم قبل أكثر من ثلاثين عاماً. أما الفرضية الثانية، فتتحدّث عن أن الجماجم والرفات تعود لأشخاص جرت تصفيتهم على أيدي عناصر تابعة لتنظيمات مسلّحة كانت تسيطر على تلك المنطقة خلال فترة سابقة.
فور شيوع خبر اكتشاف المغارة، حضرت دورية من قوى الأمن الداخلي والأدلة الجنائية والطبيب الشرعي علي ديب. وبناءً على إشارة النيابة العامة، أُغلقت المغارة بانتظار حضور خبراء من المديرية العامة للآثار، باعتبار أن بإمكان المديرية المذكورة أن تحدد الحقبة التاريخية التي تعود إليها المقبرة. مرّ يومان على ذلك، لكن لا أحد أتى. لا تزال المقبرة على حالها، مهجورة بلا حارس يحمي موجوداتها. زارها أمس عدد من الأشخاص، قالوا إن الجماجم قد اختفت. الاختفاء يطرح احتمالين: فقد نقل بعض من زار المكان أن الجماجم قد تكسّرت نتيجة العبث بها، فيما قال آخرون إنها نُقلت من مكانها لحمايتها، علماً بأنّ بقايا العظام لا تزال في المكان.