تعرّض رجال قوى الأمن مطلع تشرين الثاني الفائت لنقيب محامي الشمال وأحد المحامين. تكرّر المشهد أمس بطريقة أكثر إساءةً، إذ تعرّض 3 محامين للضرب في قصر عدل طرابلس، كما تعرّض رجال قوى الأمن لمفوّض القصر وأمين سر نقابة المحامين في الشمال، فيما يشبه ممارسات الأنظمة الاستبداديّة
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر أمس، وفيما كان قلم محكمة السير في قصر العدل في طرابلس يزدحم بالمحامين في مكتب تخليص المعاملات، تدخّل عدد من رجال قوى الأمن الداخلي المكلّفين حماية القصر، وطلبوا من المحامين تخفيف «العجقة» داخل القلم، وعندما لم يستجب المحامون لهم انهال عليهم العسكر بالشتائم والضرب، واقتادوا بعض المحامين إلى نظارة قصر العدل.
وروى شهود عيان لـ«الأخبار» أن العناصر الأمنيّين تعرضوا بالضرب للمحامي بسام نشابة، الذي أصيب بجرحين في خده الأيمن وصدره، نتيجة ضربه بآلة حادّة، ومُزّق ثوب محاماة وهيب جواد، ورداء نبهان حداد، على وقع الصراخ والهرج والمرج، الذي ساد أروقة قصر العدل وملأ قاعاته.
وفيما أوضح نشابة أننا «كنا في طريقنا للخروج من المكتب عندما انهالوا علينا بالشتائم والضرب»، أشار جواد إلى أنه «قلت للعناصر سنخرج ولا داعي إلى التحدث معنا بهذه الطريقة فنحن محامون، إلّا أنهم تعرّضوا لي، ومزّقوا رداء المحاماة، الذي كنت ألبسه ثم دفعوني أرضاً».
النقيب: اعترضونا ووعدونا نُفّذ الوعد عبر ضرب المحامين
وعندما وصلت أصداء ما يحصل إلى نقابة المحامين، اندفع مفوض القصر في النقابة سمير حسن لاستطلاع الأمر، بعد اتصالات أجراها مع النقيب أنطوان عيروت، الذي كان خارج النقابة. أوضح حسن لـ«الأخبار» أنه تدخّل لحل الإشكال، لكن رجال قوى الأمن «تعرضوا لي وللمحامين لسبب تافه لا يستحقّ كل ما حدث». ورأى الحسن أنّ تصرّف قوى الأمن «تعدٍّ صارخ على النقابة وعلى السلطة القضائية، التي لا يحق لعناصر الدرك التدخّل في شؤون عملها داخل قصور العدل». وأشار إلى جمع «إفادات المحامين الذين جرى التعرّض لهم لدى النيابة العامة، تمهيداً لرفع دعوى قضائية ضد العناصر، وسوف نتّخذ كل الإجراءات في موقف موحّد».
بدوره، نفى أمين سر النقابة فهد المقدم الشائعات في أروقة النقابة عن أن القضاء العسكري وفرع المعلومات استدعياه للتحقيق بعد تدخّله لحل المشكلة، وأوضح لـ«الأخبار» أنه «لم يبلغني أحد بذلك بعد، لكن أؤكّد أن لي شرفاً كبيراً في الدفاع عن المحامين، وفي استدعائي إلى القضاء العسكري أو فرع المعلومات، إذا صحّ ذلك»، لافتاً إلى أنه «نزلت إلى نظارة قصر العدل فور علمي بالخبر، وتلاسنت مع الدرك، الذين قلت لهم هناك قانون ونظام، فبأيّ حق توقفون المحامين، وتحقّقون معهم؟ سوف نوصل الموضوع إلى أعلى المراجع المختصّة».

إضراب وتوقيف الامتحانات

وكان النقيب عيروت قد عقد فور وصوله مؤتمراً صحافياً في قاعة المحاضرات الكبرى في النقابة، بحضور حشد من المحامين، حيث أعلن في مستهله «الإضراب لمدة ثلاثة أيام قابلة للتجديد»، فيما شهدت أروقة النقابة اعتصاماً للمحامين، الذين عبّروا عن غضبهم حيال تصرفات القوى الأمنية معهم، ما أدى إلى توقيف امتحانات التدرج، التي كانت تجري في النقابة.
وطالب عيروت الرؤساء الثلاثة «بالتدخل السريع، ووزير العدل ووزير الداخلية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع المعتدين»، مؤكداً أن النقابة «لن ترضى بتوقيف المعتدين، بل تطالب بطردهم من سلك قوى الأمن الداخلي، وذلك حفاظاً عليها، وعلى الأمن في البلد».
وتابع النقيب «اعترضونا في السابق فتساهلنا لمصلحة البلد ولمصلحة المهنة، ولمصلحة النقابة. اعترضونا ووعدونا، واليوم (أمس) نُفّذ الوعد، فاذا بالعناصر يعتدون على المحامين، والأسوأ من كل ذلك أنهم اعتدوا على مفوض قصر العدل المحامي سمير حسن! فأيّ عدالة هذه التي نقدّمها إلى الناس؟ كما هدّدوا أمين سر النقابة المحامي فهد المقدّم».
وتابع عيروت «لم نعد قادرين على السكوت، فإذا كنا ضعافاً، فهذا يعني أن العدالة ضعيفة، وإذا كانت العدالة ضعيفة فيعني أن البلد ضعيف، وهذا الاعتداء أضاع الفرصة على 252 طلب انتساب للدخول إلى نقابة المحامين، وهو اعتداء على مهنة المحاماة، واعتداء على الحق والعدالة والإنسان، وهذه المرّة لن تصدر القوى الأمنية بياناً تقول فيه إننا اعتدينا على أفرادها ومزّقنا ثيابهم (في الحادثة السابقة أشار بيان قوى الأمن إلى أن المحامين اعتدوا على عنصر الأمن ومزّقوا له ثيابه)، بل اليوم هم الذين مزقوا «روب» المحاماة. نضع هذا الأمر برسم وزير العدل الصديق الدكتور إبراهيم نجار، ووزير الداخلية الصادق المحامي زياد بارود، ونحن على يقين من أن المحاميَين نجّار وبارود لن يقبلا ذلك، ونحن أيضا لن نقبل ذلك».
ووجّه النقيب عيروت نداءً إلى الرئيس العماد ميشال سليمان، داعياً إيّاه إلى «الضرب بيد من حديد كل من اعتدى على المحامين»، وطالباً من الرئيس المحامي نبيه بري أن يرى أين أصبحت مهنة المحامين.


قصّة كرسي موظّف القلم

التحقيق ما زال مستمراً، والمحاميان، وزيرا الداخلية والعدل، زياد بارود وإبراهيم نجار، فضّلا أمس عدم التعليق حتى صدور النتائج. «الأخبار» علمت من مسؤول قضائي رفيع أن المعلومات الأوّلية التي جُمعت حتى الآن عن أسباب المشكلة التي وقعت في قصر عدل طرابلس أمس، تشير إلى تلاسن وقع بين موظف في قلم دائرة السير وأحد المحامين. شرح المسؤول أن المحامي كان قد جلس على كرسيّ الموظف، ورفض إعادته عندما طلب منه ذلك، ما استدعى تدخّل رئيس القلم، الذي طلب من قوى الأمن التدخّل. وبدل أن تعمل قوى الأمن على حلّ المشكلة بهدوء، وبسبب تجمهر عدد من المحامين للدفاع عن زميلهم، ارتفعت نسبة التوتر، وتعرّض بعض المحامين والعسكريين للتدافع والخشونة.


الرواية الرسمية

صدر مساء أمس بيان عن قوى الأمن الداخلي جاء فيه: «على خلفيّة إشكال بين أحد المدنيين، تبيّن لاحقاً أنه محامٍ، وبين أحد موظفي قلم محكمة السير في طرابلس، طلب رئيس قلم المحكمة من عناصر مجموعة قصر العدل، في وحدة جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات العامة، التدخّل لوقف الإشكال، وإخراجه من المكتب، وقد تطوّر الأمر إلى التدافع بين أطراف الفريقين». وتابع البيان إنه «أمام هذا الواقع تؤكّد المديرية العامة لقوى الأمن أنها حريصة كل الحرص على علاقتها الوثيقة بجميع المحامين، ويهمّها في هذا الإطار أن توضح أن الإشكال حصل بين أحد المحامين وأحد موظفي قلم محكمة السير في طرابلس، وأن عناصر قوى الأمن الداخلي قد تدخّلوا بناءً على طلب رئيس القلم».