جاد نصر اللههويته كمعمار يحدّدها بفكرة بسيطة: إنّه ليس أذكى من أسلافه، ولا يبتكر جديداً، ولا يأتي بمقترحات غابت عن بال من سبقه... جلّ اهتمامه ينصبّ على «محاولة التحسين». يصيبك غلام بالإرباك، إذ تضطرّك أفكاره المتفجرة والغنيّة التي بدأ حديثه بها، إلى إعادة صياغة أسئلتك ومحاولة الإمساك بزمام الحوار مع المعمار الأكثر «سطوة» في لبنان.
حتّى اليوم، لم يعرف السبب الذي دفع به إلى امتهان العِمارة. يحكي عن عوامل عديدة أسهمت في تكوين وعيه، إذ جمعَ بين حبّه للرسم والتصوير وما ورثه من أبيه المصرفي من حسن إدارة الأمور وتنظيمها. حادثة راديكالية بقيت الأكثر إلهاماً له حتى اليوم، وإن لم يدرك كنهها إلا بعد وقت طويل. كان في السابعة من عمره، حين وقف على تلة تعلو آثار مدينة بومباي التاريخيّة (نابولي ـــــ إيطاليا). من هناك، رأى المدينة الرومانية التي أحرقها البركان تنبسط تحته وتمتد بكامل جبروتها الهندسي.
بعد نيله شهادة البكالوريا، انتقل ابن السابعة عشرة إلى فرنسا ليبدأ رحلة تعلّمه العمارة في «كليّة الفنون الجميلة» عام 1979. في أوقات الفراغ، عمل مصوّراً لدى دور الأزياء الباريسية، واحترف المهنة إلى أن امتلك مشغله الخاص في فرنسا. لم يترك لنجاحاته في عالم التصوير أن تأخذه بعيداً، فانتقل إلى «جامعة كولومبيا» في نيويورك ليتابع ما بدأه، ودرس سنتين إضافيتين ونال درجة الماجستير في التنظيم المدني.
هذا التخصص الذي لا يتصل بفن العمارة مباشرة، بل يتعلق بقوانين عمرانية جامدة، وبأنظمة البناء، فتح بصيرته على ما يؤثر حقيقة في إنضاج شخصية المعمار. من خلال التنظيم المدني، أمكنه أن يصقل منطقه في التفكير والممارسة. بعد الماجستير، عرضت عليه بلدية نيويورك العمل لديها، وخصوصاً أنّ رسالته لنيل الشهادة تمحورت حول ناطحات السحاب.
لكنّ المصادفة كانت لمصلحته، وجعلت ريكاردو بوفيل يضمّه إلى فريقه. في أثناء زيارته صديقاً مشتركاً في لبنان، اطّلع المعمار العالمي على دراسة غلام، وأراد التعرّف إليه، ثمّ عرض عليه عملاً فورياً عام 1988. هكذا، صار المعمار اللبناني أصغر مهندس يعمل لدى بوفيل، ولم يمضِ وقت حتى أصبح أصغر شريك في مؤسسته. خلال سبعة أعوام، تعاون غلام وبوفيل على إدارة مكاتب نيويورك وباريس وبرشلونة والتنقل كالبدو بين أكثر من 25 بلداً.
في الثلاثين من عمره، صمّم مبنى «أكسا» في باريس، كبرى شركات التأمين في العالم، ورأى في الوقت عينه أول تصميم له يرتفع من الورق إلى ما فوق الأرض بعلوّ خمسين طبقةً. وبعدما علم المعمار الراحل بيار الخوري بعزم غلام على إنشاء محترفه الخاص في بلده الأمّ، نصحه بعدم العودة إلى لبنان فيما أموره تسير على أحسن ما يرام في الخارج. لكنّ الأوّل لم يسمع النصيحة. في عام 1994، استأجر مسكناً ومكتباً في منطقة الجميزة مع زوجته الفنانة الإسبانية آنا كوربيرو، قائلين في نفسيهما «لنجرّب». نجحت التجربة. وخلال 16 عاماً، راحت أبنية نبيل غلام تنتشر كالفطر في وسط بيروت وكل لبنان، تمرّ بالعالم العربي، ولا تتوقف في طوكيو.
في عمارة نبيل غلام سعيٌ حثيث إلى إنتاج نمط يعمِّر كثيراً من جهة، ومرن من جهة ثانية، يقدر على التكيّف وظائفياً مع احتياجات شاغليه المختلفة عبر العصور. هو لا ينتمي إلى مدرسة فكرية محددة. يؤمن بالطبقة الوسطى كضرورة لحفظ التوازن في المجتمع، ويرتكز في بحثه المتواصل على عمارة أفضل، متّكئاً على الإنسان كمتلقٍّ لعمله على اعتبار أن «فن العمارة هو جهد بَشَري». يعرف أبناء الكار جيداً هوس هذا المعمار بالتفاصيل المعمارية، كأنّه «شيطان يسكن بينها».
حين استقر في لبنان، استطاع فهم طبيعة العلاقات غير الصحية التي تحكم المهندس بالزبون والمتعهدين والعمال، فلعب على تناقضاتها. قدّم وصفة بديلة تقوم على ملاحقة تنفيذ جميع مشاريعه على اختلاف مقاييسها بدءاً من خربشة الأفكار الأولى مع المهندسين، وانتهاءً بتركيب آخر قطعة إكساء مع العمال على واجهات الأبنية.
الجوائز التي حصل عليها نبيل غلام، أكثر من أن تعدّ وتحصى... وكذلك مشاريعه الفائزة ضمن المباريات، ومشاركته في لجان تحكيم عالمية. كل واحد منها يحكي قصة مختلفة يطول شرحها. لكنّ ثقته الزائدة بالنّفس تجعله فخوراً بفوزه في المباراة المغلقة لتطوير مخطط عام لقسم الهندسة والعمارة في الجامعة الأميركية في بيروت. تلك المباراة تسابق فيها غلام في عام 2006 مع أكبر أربع شركات استشارية عالمية. فخره يكمن في نيل المشروع لشهادة LEED العالمية لتصنيف المشاريع الصديقة للبيئة، لجهة توفير الطاقة وحفظ موارد المياه.
نبيل غلام. معمار شاب، اختمرت تجربته وهو لا يزال في عقده الرابع. يستتر وراء أبنيته ويحتمي بها، آملاً أن يعيش ستين أو سبعين عاماً، فيتعلم «شيئاً أو شيئين في فنّ العمارة»...


5 تواريخ

1962
الولادة في بيروت

1988
بدأ العمل مع المعمار العالمي ريكاردو بوفيل وأدار مكاتب شركته بين نيويورك وإسبانيا وباريس

1994
افتتح مكتبه الخاص في بيروت وبدأ العمل على أكثر من مشروع في لبنان والعالم

2006
أطلق العمل في مكتبه
في إسبانيا، إضافة إلى لبنان

2010
تسليم «البلاتينيوم تاور»
الذي يضيء على الواجهة البحرية لبيروت