تأخّر لبنان في إنشاء الهيئة الوطنية لحماية حقوق الإنسان ومراقبة آليات الاحتجار، فهل تتمكّن جمعيات المجتمع المدني من حثّ المسؤولين على تسريع خطواتها؟
محمد نزال
تشهد أماكن الاحتجاز في لبنان حالات مختلفة من التعذيب. لم يعد الخبر جديداً، فمعظم الأحكام القضائية يرد في نصها عن لسان المحكوم، أنه تعرّض للتعذيب على أيدي رجال الشرطة أثناء التحقيق، وأن الاعترافات التي أدلى بها ليست صحيحة، لكونها قد انتُزعت منه بالإكراه. إزاء هذا الواقع، لا تبذل الجهات الرسمية الجهد اللازم للحد من اعتماد التعذيب، كأحد أساليب التحقيق، بحسب ما يؤكّد عدد كبير من الحقوقيّين، بل وبعض المسؤولين الرسميّين.
في أيلول 2008، وقّع لبنان «البروتوكول الاختياري» لاتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمناهضة التعذيب، فوجب عليه إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحماية حقوق الإنسان، ومراقبة آليات الاحتجاز، وذلك خلال مهلة سنة. لكن، هذه المهلة انتهت، دون أن تُكتمل الإجراءات الإدارية لانطلاق الهيئة المذكورة في عملها.
الموقوفون من غير المحكومين 70% من الموجودين في الحجز
في إطار العمل لاستكمال الاستعدادات اللازمة، نظّم مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط، أمس، حلقة دراسية في بيت الأمم المتحدة ـــــ وسط بيروت، بحضور حقوقيين من لبنان والخارج وممثلي جميعات المجتمع المدني الناشطة في مجال حقوق الإنسان. «يُعدّ التعذيب واحداً من أكثر الانتهاكات جسامةً للحقوق الأساسية التي يتمتع بها الفرد. فهو يعرّضه للهلاك ذهنياً وبدنياً، ويقضي على كرامته، فضلاً عمّا يخلّفه من آثار بعيدة المدى على أسرته ومجتمعه. هكذا يُعرَّف التعذيب من جانب جمعية الوقاية من التعذيب «APT» التي تتخذ من جنيف مقراً لها، والتي كانت ممثلة أمس بالسيدة إيستر شوفلبوغر.
من جهته، رأى ممثل منظمة «هيومن رايتس ووتش» نديم حوري، أن التعذيب «لا يزال يمارس في لبنان، وأحياناً بطريقة منهجية للأسف، وخاصةً تجاه الموقوفين والمشتبه فيهم أمنياً». حوري الذي كان مشاركاً في جلسة أمس، قال لـ «الأخبار» إن القضية تتلخّص في «كيفية تعامل الدولة من قضاء وأجهزة رقابية مع ادّعاءات التعذيب». وذكّر الناشط الحقوقي بالادّعاءات التي أحالها وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، أواخر عام 2008 في قضايا تعذيب، سائلاً «أين أصبحت هذه التحقيقات؟ وأين رد القضاء؟».
تأخّر لبنان في إنشاء الهيئة الوطنية لمراقبة آليات الاحتجاز، والأسباب التي أدّت إلى ذلك كثيرة، بحسب مسؤولين. الاقتراح حالياً موجود لدى وزارة العدل، بعدما اختيرت أسماء أعضاء الهيئة، ولكن التأخّر في تأليف الحكومة، وعدم الإجماع على الهيكلية اللازمة، حيث الاختلاف قائم على تقدير الأولويّات، كل ذلك أدّى إلى عدم خروج الهيئة إلى النور.
يُذكر أنه بموجب «البروتوكول الاختياري»، يستطيع نشطاء الهيئات الدولية والوطنية القيام بزيارات منتظمة لجميع أماكن الاحتجاز، وإجراء مقابلات مع الأشخاص الذين يختارونهم. تُُعرَّف أماكن الاحتجاز، بأنها كل من مراكز التوقيف رهن المحاكمة، سجون الحبس الاحتياطي، سجون المحكوم عليهم، مراكز الأحداث، مراكز الهجرة، مناطق التجمع الخاصة بالموانئ الدولية، مراكز الاحتجاز الخاصة بطالبي اللجوء، المصحّات النفسية، أماكن الحجز الإداري.
حضر جلسة أمس المدير العام لوزارة العدل عمر الناطور، ممثّلاً وزير العدل إبراهيم نجار، كما حضرها رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان النائب ميشال موسى، ومقرّرها النائب غسان مخيبر. أشار الناطور في مداخلة له إلى قضية التأخير في المحاكمات، عازياً السبب إلى نقص عدد القضاة في لبنان. بيد أن النائب مخيبر رد عليه موضحاً أن الأسباب «الحقيقيّة» هي في «مخالفة بعض القضاة للقانون، وتعسّفهم في استعمال التوقيف، فضلاً عن المشاكل في آليات أصول سوق الموقوفين، وضيق أماكن احتجازهم». وقد وصلت نسبة الموقوفين في لبنان من غير المحكومين إلى 70% من الموجودين في أماكن الاحتجاز، «وهي نسبة هائلة يجب التوقّف عندها»، ختم مخيبر مستهجناً.