علّقت نقابتا المحامين في الشمال وبيروت إضرابهما الذي استمر 3 أيام، احتجاجاً على «إهانة» القوى الأمنية زملاء لهم. في المقابل، يجري تنسيق وزاري وقضائي وأمني لتنظيم وجود أفراد الحماية داخل قصور العدل وخارجها
محمد نزال
الحادث الذي شهده قصر العدل في طرابلس، قبل 4 أيام، لم تنته «ذيوله» بعد، وذلك على أكثر من صعيد. بعد الاقتراح الذي تقدّم به وزير العدل إبراهيم نجّار بتثبيت «قصور العدل حرماً»، لا تتدخل فيه القوى المسلحة إلا بإذن، أعلن وزير الداخلية والبلديات زياد بارود «التجاوب الكامل» مع طرح نجار، من خلال «سحب كل عناصر الحماية من داخل قصور العدل».
عُقد اجتماع أمس في بيت المحامي، ضمّ مجلسي نقابتي محامي طرابلس وبيروت، ثم انضمّ إليه الوزير نجار، حيث جرى البحث في الخطوات التي ستلي الإضراب الذي التزم به المحامون لثلاثة أيام، وذلك بعد تعرّض عناصر من قوى الأمن لثلاثة محامين، وتفوّههم بكلام نابٍ في وجه كلّ من مفوض القصر في النقابة وأمين سرّها، بحسب ما أعلن المسؤولون في النقابة. وبالفعل، فقد خلت أروقة قصر العدل وقاعات المحاكم من النشاط في الأيام الثلاثة الماضية.
دخل نجار إلى قاعة الاجتماع، حيث كان نقيب المحامين في الشمال أنطوان عيروت، ونقيبة المحامين في بيروت أمل حداد، وعدد من النقباء السابقين والأعضاء. بدت القاعة كمكان يلفّه الضباب، من كثرة ما نفث الحاضرون من دخان السجائر. توجّه الوزير إلى حداد سائلاً «منيح هيك؟»، في إشارة إلى القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية والبلديات، بسحب جميع عناصر الحماية من داخل قصور العدل. رحّبت حداد بنجّار، وأشادت بتحركه وبالمبادرة التي وافق الوزير بارود على السير بها، فهما محاميان أصلاً «وأبناء لهذه المهنة».
العدل أساس الملك، عبارة انطلقت منها حداد في كلمتها، لتشير إلى أن «الأذى قد نزل بكرامة مهنة المحاماة، جراء حادثة الاعتداء التي حصلت». وذكّرت حداد بالمادة الثانية من قانون تنظيم مهنة المحاماة، التي تنص على أن المحاماة هي خدمة عامة، ولذلك لها ضمانة وحصانة من قبل السلطات».
من جهته، قال نجّار مطمئناً الحاضرين «أنا وزميلي وصديقي معالي الوزير زياد بارود، على تنسيق كامل في هذا الموضوع المؤلم». وأعلن وزير العدل ما تم الاتفاق عليه، بتأكيد خصوصية قصور العدل، لجهة الحرية والحصانة لكل من فيها، من قضاة ومحامين ومتقاضين وموظفين. وتم الاتفاق مع الوزير بارود، على تنظيم الحماية الأمنية داخل قصور العدل «بشكل واع وحكيم».
في توضيح لما كان قد أعلنه، لجهة سحب أفراد الحماية، فقد أشار نجّار إلى أن الحماية الأمنية لازمة، ولا يمكن إلغاؤها في الداخل والخارج، ولكن ما سيحصل هو تنظيم للعمل وفقاً للقواعد المتفق عليها. ولفت نجّار إلى أن الوزير بارود، بالتنسيق مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، اتخذ الإجراءات المسلكية اللازمة بحقّ من ثبت أنهم ضالعون في الاعتداء على المحامين.
ورداً على سؤال وجّهته «الأخبار» عن طبيعة آلية الترتيبات الجديدة لرجال الأمن في قصور العدل، أشار نجار إلى أنها ما زالت تتابع، ولكن سيتم الاتفاق عليها بين النيابة العامة ووزارة الداخلية.
بدوره، لفت النقيب عيروت إلى «السقف المرفوع» الذي بدا من أفراد قوى الأمن في اليوم الثاني للحادثة، سائلاً، بعيداً عن الحادث الذي وقع، عن «نظرة السلطات الأمنية إلى مهنة المحاماة. فهل هي بنظرهم كأي مهنة أخرى، أم أن أصحابها جديرون بالمعاملة المناسبة». أكّد عيروت لـ«الأخبار» تقدير دور القوى الأمنية «بحيث نتكامل بعضنا مع بعض لتحقيق العدالة». لكن على ما يبدو، فإن المشكلة هي في المجنّدين، غير الخبيرين في أساليب

الوزير بارود اتّخذ الإجراءات المسلكية اللازمة بحق من ثبت أنهم ضالعون في الاعتداء على المحامين

التعاطي الجيد، ففي مقابل 15 ألف محام هناك 15 ألف مجند.
من جهته، أكّد أمين سر نقابة المحامين في الشمال فهد المقدم، أن المضايقات لم تنته بعد داخل قصر العدل، فحتى يوم أمس «كانت المضايقات في أثناء تفتيش المحامين مستمرة، فضلاً عن أسلوب بعض العناصر الأمنيين السيئ في التعامل». قال المقدم لـ«الأخبار» إن الإضراب سيُعلّق لمدة 15 يوماً، «لنرى إلى أين ستتجه الأمور والإجراءات التي سوف تتخذ»، وأضاف أمين سر النقابة إن هناك موعداً قريباً مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، للتباحث في أحوال المحامين. ومن المطالب التي ترفعها نقابة المحامين، بحسب المقدم، نقل «مكان خدمة العسكريين الذين ثبت اعتداؤهم على المحامين».
أحد الحاضرين في اجتماع أمس، تحدث بانفعال عن ضرورة أن يرتدي المحامون «الروب» الخاص بهم في قصر العدل، وذلك لمنع الالتباس وعدم تمييزهم «عن بقية المواطنين». في إشارة منه إلى أن بعض المحامين الذين تعرّضوا لـ«الاعتداء» كانوا بلباس مدني. هذا التعليق الأخير أثار بعض الحاضرين، فسألوا «ماذا لو كان المعتدى عليه مواطناً عادياً، فهل كانت القضية ستلقى متابعة؟ أم تبقى طيّ الكتمان، وحرقة في قلب المواطن؟».


لقطة

علمت «الأخبار» أنه بنتيجة الإجراءات المسلكية التي اتخذها وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، أُوقف اثنان من أفراد القوى الأمنية، وأحيلا على التحقيق. وأُوقف رئيس مخفر، هو برتبة معاون، ثم أُطلق سراحه مقابل سند إقامة. أدّعت المحكمة العسكرية على المجندَين الموقوفَين للاشتباه فيهما بتهمة ضرب محامين وشتمهم، إضافة إلى مخالفة التعليمات العسكرية في قصر العدل.
أوضح مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أن المجندَين ليسا دركيين، بمعنى أنهما ليسا ضمن وحدة الدرك في قوى الأمن الداخلي، بل يتبعان إلى جهاز أمن السفارات، وذلك «تصويباً لما ورد على لسان بعض المسؤولين». بيان قوى الأمن الداخلي كان قد أشار إلى أن العناصر الموقوفين تدخلوا في قصر العدل بناءً على طلب رئيس قلم محكمة السير، وذلك على خلفيّة مشكلة مدني، تبيّن لاحقاً أنه محامٍ، وبين أحد موظفي قلم المحكمة.


استمرار التضييق على المحامين في «العدل»؟

بدأت المشكلة عندما كان المحامي بسّام نشّابة يجري بعض المعاملات داخل قصر العدل ـــــ طرابلس. حاول رجال الأمن توقيفه، بحسب ما أكّد لـ«الأخبار» رغم أنه أعلمهم بأنه محام. ويقول، لقد «عمدوا إلى السخرية مني كمحام وتعرضوا لي بالضرب ولبعض الزملاء الذين حاولوا الدفاع عني». ما زال الجرح بادياً في وجهه، وعندما يتحدث يلقي باللوم على بعض «الزعران من المجندين في قوى الأمن الداخلي، لا جميعهم». ويشير نشّابة إلى أنه حتى يوم أمس كانت معاملة رجال الأمن «سيئة»، فقد «مزقوا حقيبة أحد الزملاء ورموا أوراقها على الأرض، ومن جديد كادت تحصل مشكلة كبيرة». يرى المحامي أن رجال الأمن في قصر العدل ـــــ طرابلس «ينوون التحدي، وذلك بتحريض من مسؤولهم وهو برتبة رائد، الذي بات يضيّق علينا كثيراً».