في استطاعة الصندوق البرتقالي أن ينتظر زميله الثاني الذي ما زال في البحر، كي ينطلقا معاً في رحلة إلى فرنسا. لكن ما لا يستطيع الانتظار هو جثث الضحايا التي من المقرر أن يستكمل انتشالها اليوم
بسام القنطار
بعد أسبوعين على سقوط الطائرة الإثيوبية، التي كانت متجهة من بيروت إلى أديس ابابا، انتُشل أمس أحد الصندوقين الأسودين، وعثر، حتى المساء، على 8 جثث جديدة في المنطقة التي وجد فيها الصندوق والجناحان الخلفيان وأجزاء من حطام الطائرة، على عمق 45 متراً، وعلى مسافة 4 كلم غربي رأس الناعمة. بحسب ملخّص وزّعه الجيش عن نتائج عمليات البحث.
في الأثناء، أعلن وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي أن «عملية البحث جارية للعثور على الصندوق الثاني»، مضيفاً أن «الصندوق الذي عُثر عليه هو الأساسي والمهم لأنه يحمل الداتا». وأكد العريضي أن «الأقسام الأساسية للطائرة صارت مرصودة، وإن شاء الله يكون الضحايا في داخلها». ورأى أن «الأولوية الآن هي للبحث عن جثث الضحايا، لكن لا أحد يستطيع تحديد عدد الجثث التي يمكن العثور عليها، سواء أكانت داخل حطام الطائرة التي حُدّد مكانها، أم في محيط هذا الحطام». وأعلن العريضي، في وقت سابق، أنه تلقّى معلومات من سوريا تفيد بالعثور على قطعة ثالثة من الطائرة بطول مترين ونصف المتر على الشاطئ شمال اللاذقية، بعدما أعلن نهاراً اكتشاف القطعة الثانية على الشاطئ الفضي في اللاذقية أيضاً. وكان قد عُثر على القطعة الأولى قبل أيام على شاطئ طرطوس، وسيتسلّم لبنان القطع الثلاث اليوم. كذلك أُعلن العثور على قطعة من حطام الطائرة على شاطئ مدينة جبيل، يوم السبت الماضي، حيث نُقل إلى بيروت لينضم إلى بقية الأجزاء التي جُمعت من مناطق مختلفة على طول الساحل الممتد من الناعمة إلى طرطوس.
من المقرر أن يُرسل الصندوق الأسود الذي انتُشل بمواكبة من لجنة التحقيق إلى فرنسا لتحليل معلوماته. وكان العريضي قد أوضح في وقت سابق أن «الآلية الدولية المتبعة هي أن يتسلّم مكتب التحقيق الفرنسي الصندوق الأسود وينقله إلى باريس حيث يفكّ شيفرته ويحلّلها ويضع تقريراً يُسلّم إلى لبنان وإثيوبيا والشركة المصنّعة». ولم يربط العريضي بين بدء أعمال تحليل محتويات الصندوق الأسود الأول والعثور على الصندوق الثاني، لكنّه أوضح أن عملية النقل ستتأخر يوماً أو اثنين، آملاً العثور على الصندوق الثاني. لكن إذا لم توفّق فرق البحث في العثور على الصندوق الثاني، فسيُنقل الصندوق الأول وتبدأ عملية تحليل المعلومات الموجودة فيه، التي من الممكن أن توصل إلى حقيقة الأسباب التي أدّت إلى تحطّم الطائرة.
وإذا كان سبب التحطّم ناتجاً من عطل تقني يتعلق بالطائرة نفسها، فإن الصندوق الأول يكفي، أما إذا لم يتبيّن وجود عطل تقني، فإن الصندوق الأسود الثاني الذي يتولى تسجيل المحادثات في قمرة القيادة، سترتفع أهميته.
وتضم لجنة التحقيق التي ألّفها لبنان ممثّلين عن مكتب التحقيق الفرنسي، إضافة إلى خبراء لبنانيين وإثيوبيين ومن المجلس الوطني لسلامة النقل في الولايات المتحدة. وقد أعلن أمس أن عضوي مكتب التحقيق الفرنسي في حوادث الطيران (BEA)، يان بوليكان وإيمانويل دولبار، غادرا بيروت متوجهين إلى باريس، بعدما شاركا في التحقيقات الأولية التي جرت في لبنان في أعقاب سقوط الطائرة الإثيوبية قبالة السواحل اللبناني. وكان مكتب التحقيق الفرنسي قد بدأ بالتحقيق، بمساعدة مكتب التحقيقات والتحليلات لسلامة الطيران الذي استدعته الحكومة اللبنانية. وقد اختير الرئيس السابق لـ(BEA) بول اويس آرسالانيان بطريقة شخصية وخاصة مستشاراً للسلطات اللبنانية في عملية التحقيق. وبدأت لجنة التحقيق بجمع معطيات أساسية، بينها تسجيلات التواصل بين برج المراقبة والطائرة، شرائط الرادار، الشهود في المطار وفي المحيط القريب من مكان وقوع الطائرة، الحصول على قرائن بخصوص الشركة الإثيوبية وطائرة البوينغ 737، وكل ما يتعلق بالإعداد للرحلة (الوزن، الوقود، الجسم) إضافة إلى جمع معطيات أمنية تتعلق بالركاب والحقائب والشحن وطاقم الطائرة.
وكان الجيش قد أصدر بياناً جاء فيه: «صباح اليوم (أمس) انتشل مغاوير البحر في الجيش اللبناني الصندوق الأسود التابع للطائرة الإثيوبية ونُقل إلى قاعدة بيروت البحرية لتقديمه إلى لجنة التحقيق».
وفي وقت لاحق، أصدرت قيادة الجيش سلسلة بيانات عن عملية انتشال جثث من ركاب الطائرة الإثيوبية المنكوبة، وقالت إن «العمل جار على انتشال الجثث الأخرى».
ومساءً، أعلنت مديرية التوجيه أن الباخرة «أوشن أليرت» باشرت بطلب من قيادة الجيش القيام بمسح تصويري لحطام الطائرة المنتشر في بقعة العمل المعلنة سابقاً، بهدف استكمال أعمال الغطس، لإعطاء الأفضلية في عملية الانتشال لضحايا الطائرة.
إضافة إلى «أوشن أليرت»، انضمت إلى أعمال البحث قطع بحرية تابعة للولايات المتحدة الأميركية، بينها البارجة «يو. أس. أس راميدج»، والبارجة USNS Grapple، وهي سفينة عسكرية تتمتع بمواصفات عالية وتستطيع القيام بالمهمات نفسها التي تقوم بها سفينة «أوشن أليرت». وتسهم في أعمال البحث قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان وفنيون فرنسيون، إلى جانب قطع الجيش المتخصصة. وكان قد أُعلن الأسبوع الماضي أنه سيُستعان بالغواصة «أوديسي اكسبلورر» ما إن تصل إلى السواحل

باشرت «أوشن أليرت» المسح التصويري لإعطاء الأفضلية لعملية انتشال الضحايا

اللبنانية مبحرة من إيطاليا، للمساهمة في عملية انتشال حطام الطائرة. ولم تقدم، أمس، أي معطيات جديدة تتعلق بهذه الغواصة، وفيما إذا كان سيُستعان بخدماتها، وخصوصاً أن العمق الذي وجد فيه حطام الطائرة لا يحتاج إلى تقنيات هذه الغواصة، التي تعمل عادة في مناطق عميقة جداً، حيث ترقد سفن غارقة تحمل كنوزاً ثمينة ومعلومات أثرية وتاريخية.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من أهالي الضحايا، وبينهم عائلة المفقودين عباس وفؤاد جابر، تجمعوا منذ الصباح في منطقة الناعمة، حيث تجري أعمال التفتيش، وانضم إلى هؤلاء المئات من المواطنين الذين جلسوا ساعات طويلة على الشاطئ، في الوقت الذي كان فيه مغاوير الجيش يقومون بعملية انتشال الجثث. وبدا واضحاً أن فرق الغطس التابعة للدفاع المدني قد استُبعدت بالكامل عن المشاركة في مهمة انتشال الجثث، لذلك اكتفى هؤلاء بالإبحار في منطقة قريبة من الشاطئ، حيث كانوا صيداً ثميناً لعدسات الصحافيين، بعدما تعذر التقاط صور لفرق الجيش التي تعمل على مسافة بعيدة نسبياً عن الشاطئ. كذلك لوحظ وجود شاحنات الإطفاء التابعة للدفاع المدني قبالة الشاطئ والتي لم يكن لها من دور سوى زيادة ازدحام السيارات التي تجمعت قبالة شاطئ الناعمة بعد ان احتلت لأيام رصيف الأوتوستراد على شاطئ الأوزاعي.


الصندوقان البرتقاليان

تبيّن الصور التي وزعتها مديرية التوجيه في الجيش أن الصندوق الأسود الذي عُثر عليه هو جهاز مسجل بيانات الرحلة ( Flight Data Recorder- FDR) ولونه برتقالي. وعادة يوجد في كل طائرة صندوقان في مؤخرة الطائرة يسجّلان ما يحدث في الطائرة طيلة فترة سفرها. الصندوق الأول، الذي عثر عليه أمس، وظيفته حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية (الوقت، السرعة، الاتجاه)، وهو يساعد على معرفة ما إذا كان هناك عطل تقني في الطائرة أدى إلى تحطّمها. أما الصندوق الثاني، مسجل قمرة القيادة، (Cockpit Voice Recorder CVR) فوظيفته تسجيل الأصوات من مشاحنات واستنجاد وحوارات بين قبطان الطائرة وجهاز سلامة الطيران المدني في المطار. ويطلق الصندوقان ذبذبات للمساعدة على العثور عليهما. وتُبثّ هذه الذبذبات على موجة 37,5 كيلوهرتز، ويمكن التقاطها في عمق يبلغ 3500 متر.