ختم الرئيس سعد الحريري مؤتمره الصحافي في زيارته الأخيرة لباريس بالرد على سؤال بشأن «حق اللبنانية في إعطاء جنسيتها لأولادها غير اللبنانيين». وكشف أنه «بعد أسبوعين» سيعقد اجتماعاً مع جمعيات ناشطة «لوضع مشروع قانون» واصفاً الوضع الحالي بالمؤسف. وقال: «بالطبع، هناك حساسية إزاء مسألة التوطين» لكنه أكد «أننا نستطيع ابتكار وسائل ليعود هذا الحق للنساء بإعطاء جنسيتهن لأولادهن»
باريس ــ بسام طيارة
تشغل مسألة حق اللبنانيات المتزوجات من أجنبي بإعطاء جنسيتهن لأولادهن حيزاً كبيراً من اهتمام أهل المهجر. حتى في غياب أي إحصاء جدي، يمكن اعتبار أن «نصف المهاجرين من النساء». وتالياً، إمكانية زواج هؤلاء اللبنانيات في بلاد الغربة وارد جداً. ويدرك المقيمون في أوروبا، حيث الزواج العلماني متوافر من دون عقبات، أن «العقبة الكبرى في لبنان» بعد الزواج، حيث هناك «400 ألف شخص يشملهم حق اللبنانية المتزوجة من أجنبي بمنح جنسيتها لأسرتها» ما يسبب الحذر وتساؤلات تذهب من الطائفية إلى الديموغرافية مروراً بمسألة التوطين وما إذا كان «لبنان يتحمل هذا الأمر»، وهو ما يؤخر تعديل أحكام قانون الجنسية الذي يعود إلى عام ١٩٢٥؟
بالطبع، إن «المقلق» بالنسبة إلى العديد من المسؤولين هو «وضع الفلسطينيين». ولا يتردد البعض في سياق تصحيح ظلم من السعي لبناء ظلم جديد بالمطالبة باستثناء «الأمهات اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين»! ما يمكن أن يقود في حال إقراره إلى مخالفة واضحة للحد الأدنى لمبادئ العدالة وللدستور والمساواة في المواطنة. والحديث عن استثناء أبناء اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين، له أسباب مزدوجة لا تذهب في اتجاه واحد وإن وصلت كلها إلى نتيجة ظالمة واحدة. فالبعض يلوّح بخرقة «التوطين وغياب حق العودة» لمنع اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين من أخذ حقوقهن، بينما يلوّح آخرون بخرقة «الخلل الديموغرافي» للوصول إلى النتيحة الظالمة نفسها.
القانون القديم صريح. فهو ينص على حصول كل طفل «يولد من أب لبناني» على الجنسية اللبناني. ومفترض أن يصب التعديل في اتجاه حصول «كل طفل يولد من أب أو أم لبنانية» على جنسية بلاد الأرز، مع ضوابط لمنع ما يسمى بـ«الزواج الأبيض» وهو الزواج الذي يسعى من ورائه أحد الزوجين للحصول على جنسية بقصد العمل أو الحصول على جواز سفر، وليس لـ«بناء أسرة وعيش مشترك».
جاك أنغويان فان، الذي يعرّف نفسه بأنه «لبناني من قلب لبنان»، والذي يضحك كثيراً من الحديث عن الزواج الأبيض في إشارة إلى «ما فعله» والده، ميشال أنغويان فان، وهو فرنسي فيتنامي الأصل وصل إلى لبنان مع الجيش الفرنسي عام ١٩٤٣ بعدما حارب في الصحراء الليبية و«تزوج من أمي، ابنة يوسف أسعد البستاني، وأنجبت له ثمانية أولاد». يضيف ضاحكاً: «وتسألني عن زواج أبيض؟!».
لا يتوقف جاك عن ترداد رغم جنسيته الفرنسية: «أنا جاك لبناني مئة في المئة». وفجأة يخفت صوته ليستدرك: «لكن نصف عائلتي لبنانية ونصفها الآخر ممنوعة عنه الجنسية». ويبدأ برواية قصة عائلته الكبيرة: عمل أبي في السفارة الفرنسية لمدة ٣٥ سنة و«رزق الله أمي بثلاثة شباب دافييد ومارسيل وجاك وخمس بنات ماري ــــ تيريز وفارنين وريتا وجانيت ونيكول» والجميع متزوج من لبنانيين ولبنانيات. إلا أن أولاد إخوتي الخمس جميعهم لبنانيون بينما أولاد أخوي الشابين وأولادي لا يحق لهم الجنسية إلا البنات اللواتي تزوجن من لبنانيين، ويصرخ متعجباً: «شايف شو هالخلطة العجيبة؟»، ويتابع الحديث عن حالته فيقول: «أنا متزوج من جورجيت سليمان خليل لبنانية من أقحاح الأشرفية، ولكن لم يرزقني الله إلا شباباً، أي إن أولادي الذين يعيشون في لبنان ولا يفكرون في الهجرة لن يستطيعوا أن يصبحوا لبنانيين، يعني مثلي أنا». يضع يده على رأسه ويقول «يا حبيبي بتتصور على المطار لما يسافروا الأولاد مع أولاد عمهم؟ نصفهم واقف بصف اللبنانيين والنصف الثاني بصف الرعايا الأجانب!» ويضيف بنرفزة واضحة «مرتي ما بتوقف معي ولا مع ولادها!».
جاك ليس بحاجة إلى السؤال كي يشرح «قصص الفيزا». يضيف: «لا تتعجب نعم أنا المولود في لبنان وأولادي الشباب وعائلتي كلها في لبنان في الجبل وفي بيروت». يتنهد ويقول: «أنا وأولادي بحاجة لفيزا». يزفر: «هذا ظلم يا أستاذ» ويضيف «أنت تعرف الباسبور الفرنسي يسمح لك بالذهاب أينما تريد، ولكني لبناني وأولادي لبنانيون»، يصمت قليلاً «ما عندي مشاكل لا أريد الجنسية اللبنانية إلا لكونها حقي. أنا عشت وتنفست هواء لبنان وأنا ابن لبنانية أريد من الدولة أن تعترف بلبنانيتي وكذلك هذا حق لأولادي».

نصف عائلتي لبنانية ونصفها الآخر ممنوعة عنه الجنسية
بالطبع، العدد الكبير من اللبنانيين في فرنسا الذين هم في الوضع نفسه يشاطرون جاك الرأي في أن «هذا ظلم».
سلام التي تعمل في مجال الهندسة «متزوجة من غير لبناني». وتقول وكأنها تبرر هذا إنه «نصيب»، معترفة بأنها تتابع هذه المسألة عن بعد «كي لا تفتح عيون الأولاد على هذا الظلم»، وتسأل: «شو بدي قول لهم إنه ما لح يصيروا بحياتهم لبنانية مثل أولاد خالهم يللي بشوفوهم كل صيفية؟». تضيف: «كل سنة، حرب ولا مش حرب، بسحبهم على لبنان حتى ما ينسوا بلدهم وليحكوا عربي». تتنهد وهي تمسح دمعة مكبوتة تحاول تبريرها بـ«مسألة ظلم، يعني ما عندي حقوق، وهذا يؤثر بي لأني أحس بأني ناقصة لأني امرأة». فيوليت (اسم مستعار) ترفض البوح باسمها وتبرر: «بتعرف مش حلو نقول شو نحنا وشو عنا وشو ما عنا». تضيف: «خصوصاً بالنسبة لأولادي الشباب صاروا كباراً وعاشوا ودرسوا وتخرجوا بلبنان»، ومع ذلك فأولادها الثلاثة لا تحق لهم الجنسية، ما دفعهم إلى العودة والعمل في فرنسا، ولكنها تشرح: «صحيح العمل هنا أسهل بالنسبة لهم ولكني أعرف أنهم متأثرون جداً بهذه المسألة». تضيف: «شو قليلة إنو دولتك ما بدها اياك؟ ما أنا لبنانية! كيف ما فيني أعطي أولادي هيدا الشي بعد ما أعطيتهم حب لبنان؟». تصمت قليلاً لتقول وهي تنظر بعيداً: «يعني أولاد أولادي يمكن ما يعرفوا لبنان. هيدا ظلم».