إذا كان الأسبوع الجاري قد افتُتح بانتكاسة في أعمال البحث عن مفقودي الطائرة الإثيوبية المنكوبة، ولا سيما مع بروز علامات استفهام بشأن أداء السفينة «أوشن ألرت»، فإن يوم أمس كان موعداً سياسيّاً أمنياً «تكلّل» بانتشال الصندوق الأسود 2 ناقصاً

راجانا حمية
لم يكتفِ مجلس الوزراء أمس بما صدر عن اجتماعه الصباحي، من نفي لما قيل عن معلومات (رويترز) استُخرجت من الصندوق الأسود تفيد بأنّ خطأً بشرياً ارتكبه قائد الطائرة الإثيوبيّة أدّى إلى سقوطها. فقد صعّد مجلس الوزراء مساءً لهجته، وإن بتهذيب، ردّاً على الخطوط الجوية الإثيوبية التي لم تستبعد الاحتمالات كلها، ومن ضمنها التخريب. وتحسّباً لأي طارئ، سواء أكان على صعيد المفقودين الذين لم يُكتشف منهم أحد أمس، أم على صعيد التشكك في أهداف السفينة «أوشن ألرت» التي تركت مكان سقوط الطائرة الإثيوبيّة (الناعمة) وانتقلت على نحو غامض إلى مقابل المنارة، حيث يرجّح أن تكون «طائرة الذهب» التي سقطت في عام 1957. رأى رئيس الحكومة سعد الحريري، مساءً، أن «ليس ما يبرر على الإطلاق تسييس التعامل مع الكارثة التي حلّت بلبنان وبجميع اللبنانيين». ونقل وزير الإعلام طارق متري عن الحريري دعوته «القوى السياسية الممثلة في الحكومة إلى العمل لوضع حدّ لأي جنوح نحو هذا التسييس».
وكما في الاجتماع الصباحي الذي خُصّص لكارثة الطائرة، كذلك في الاجتماع العادي لمجلس الوزراء، شُدِّد على إصدار تقرير مفصّل يسرد الوقائع بالتسلسل الزمني منذ اللحظة الأولى لسقوط الطائرة، على أن يُعلن في وقت قريب، «تبديداً لكل التباس». وأكد وزير الإعلام «أن كل ما يقال عن المعلومات الأولية التي استُخرجت من الصندوق الأسود التقني غير دقيقة، إذ لم نتسلم تقريراً رسمياً بعد عن محتواه». ولفت إلى أن «الصندوق الأسود يحتوي على الكثير من المعلومات التي يجري تحليلها، وليس كلما حصلت الجهات الفنية المختصة على جزء من المعلومات تصدر نظرية عمّا جرى». وأكد أنه «اتفق على تأليف مكتب مشترك بين وزارتي العدل والخارجية لمتابعة الجوانب القانونية المتعلقة بالحادث وحقوق المفقودين والضحايا وذويهم». وشدد على استمرار البحث، و«لم نحدد أي مهلة زمنية للتوقف».
وبالرغم من عدم صدور أي تقرير رسمي عن الصندوق الأسود الذي تُحلَّل معلوماته الآن في فرنسا، وبالرغم من العثور يوم أمس على قاعدة الصندوق الأسود 2، إلا أن وزير الإعلام كرّر ما قاله منذ اليوم الأول، أن «لا دليل على الإطلاق على أن هناك عملية تخريبية، إرهابية أو غير إرهابية، وراء حادثة الطائرة»، وقال: «من حق الإثيوبيين أن يقولوا ما يشاؤون في هذا الإطار، لكن لا دليل على الإطلاق يوحي بذلك من جهتنا، وما زلنا عند رأينا أننا في انتظار نهاية التحقيقات لكي نُطلع الرأي العام على الحقيقة كاملة بكل تفاصيلها».
وفيما نفى متري وجود أي «أهداف من وراء عمليات البحث»، كشف أن باخرة «أوشن ألرت» ما زالت تعمل، وما زال البحث مستمراً ولم يتخذ قرار بوقفه.
وما بين الموقف الإثيوبي والردّ اللبناني، انقلب (ظهراً) الفرح بالعثور على الصندوق الأسود 2 فجيعة، إذ اكتُشف أنه ناقص. وقد أشار وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، الذي يعقد صباح اليوم مؤتمراً صحافياً في مبنى المديرية العامة للطيران المدني يتناول فيه آخر المستجدات بشأن الطائرة، إلى أن «الصندوق الأسود 2 الذي نُقل إلى قاعدة بيروت البحرية تنقصه قطعة أساسية، يقوم الغطاسون في فوج المغاوير في الجيش اللبناني بالتفتيش عنها في المكان نفسه الذي وجد فيه الصندوق».
وفي ظلّ غياب تلك القطعة التي هي عبارة «عن جهاز تسجيل الأصوات»، كما قال رئيس نقابة الطيارين اللبنانيين محمود حوماني، من الطبيعي أن يتأخر تسليم الصندوق إلى لجنة التحقيق التي ستحمله إلى فرنسا أسوة بالصندوق الأول.
وروى مدير التوجيه في قيادة الجيش أنه «أثناء عمليات البحث اعتقدنا أننا عثرنا على صندوق التسجيلات، لكن بعد كشف الفنيين في شركة بوينغ عليه، تبين أن ذاكرة المكالمات مفصولة عن المسجل الميكانيكي والبطارية». أما عن عمليات البحث نهار أمس، فقد لفت مدير التوجيه إلى أنها لا تزال «تجري في المنطقة نفسها التي وُجد
دعت الحكومة القوى السياسية إلى العمل لوضع حدّ لأي جنوح نحو تسييس الكارثة
فيها الحطام منذ أيام. أما الأولوية الآن فهي للتفتيش عن القطعة والجثث، وإن كان احتمال إيجاد المزيد ضئيلاً، وخصوصاً أن الطائرة مجزأة على نحو هائل».
وعلى صعيد المفقودين والجثث، استمر أمس السؤال: «هل كان يجدر بوزير الصحة العامة، محمد جواد خليفة إعلان نتائج فحوص الحمض النووي العائدة للضحيتين حسين يوسف الحاج علي وطارق بركات، أول من أمس؟ ربما كان من الأفضل في تلك اللحظة أن «يغيّر الوزير عادات الأيام السابقة ويمتنع عن ذكر الأسماء من الآن فصاعداً»، يقول مصدر واسع الاطلاع في المختبرات الجنائية. أما السبب، فهو أنّ الوزير خليفة أجاب عن جزء منه في ذلك اليوم، عندما قال إن «إحدى القطع (الأشلاء) التي صدرت نتيجة فحوصها تعود للبناني حسين يوسف الحاج علي». أما تتمة الجزء الذي قاله خليفة، فيتولاه المصدر قائلاً: «الأدلة الجنائية تتريّث في إعلان نتائج فحوص الحمض النووي لما انتُشل في الأيام الماضية، لأنه لم يعد بإمكاننا القول إن الفحوص هذه تعود إلى جثّة، فلم يعد هناك جثث بالمعنى الكامل للكلمة، بل أجزاء». يكمل المصدر: «لا يمكن تسليم الأهالي جزءاً من الجثة، فيما الواقع يشير إلى أنّ من الممكن العثور على بقيتها في عملية انتشال أخرى، فهل تُجرى مراسم عزاء للضحية على دفعات؟». في هذا الإطار، يشير المصدر إلى أن «التكتم أفضل الحلول الآن»، لافتاً إلى أن «هناك اتّجاهاً بتبني هذا الإجراء، حتى التوصل إلى حل للأوضاع المستجدة مع الأهالي. وإلى حين الانتهاء من عمليات البحث وإجراء الفحوص لها جميعها ومن ثم تجميعها وتسليمها». لكن هذا الإجراء «لا يسري إلا باتخاذ قرار حكومي وتبليغ المختبرات الجنائية به».
وكان وزير الصحة محمد جواد خليفة قد أعلن، أول من أمس، «أنه جرى التعرف إلى 5 جثث تعود للبنانيَّين طارق بركات وحسين الحاج علي وراكبين إثيوبيين وكابتن الطائرة الإثيوبي أيضاً». وقد أعلن خليفة تلك النتائج أثناء زيارته للمستشفى. وأشار خليفة إلى أن «الطائرة انفجرت في الجو وتطايرت بما تملك من حديد ومن بشر وسقطت في أماكن مختلفة في البحر». ولفت خليفة إلى أن «الأجزاء التي تصل يجري العمل عليها لمعرفة أصحابها، لكنها ممزوجة بالحديد وبشرائط الكهرباء». وأكد أنه «رغم ذلك، نحلّل كل شيء». ولئن كان خليفة قد طمأن الأهالي إلى أن «عملية البحث عن الضحايا ستستمر»، طالب «المسؤولين باتخاذ قرارات سياسية ودينية وأهلية تضمّد جراح الناس وتساعدهم على تخطي المصيبة، فهذا هو الواقع، وإن كان مؤلماً». وأعطى مثالاً على ما جرى في بعض الدول، «ففي كوريا الجنوبية، مثلاً، وضعوا الورود وأقاموا المراسم وأنهوا الموضوع بعد ثلاثة أيام من وقوع الحادثة، وكذلك فعل الفرنسيون».


السفير ينتظر زوجته خارجاً

مستشفى بيروت الحكومي كان أمس «هادئاً»، باستثناء وصول أجزاء من جثث مفقودين من الطائرة الإثيوبية. لكن أكثر ما كسر «الصمت» القاسي هو زيارة السفير الفرنسي في لبنان، ديني بييتون، الذي آثر أن ينتظر خارجاً تاركاً مهمّة التعرف إلى جثة زوجته، مارلا (الصورة)، للوفد الذي رافقه. وقد أفادت مصادر طبيّة وجنائية بأنّ «الوفد تعرف إلى مارلا بييتون من خلال الخاتم الذي يحمل اسم زوجها وملف أسنانها والجزء الباقي من ثوبها.
أما فحوص الحمض النووي فلم تصدر بعد». ولاحقاً، في المساء، أكدت تلك الفحوص هويتها.
يذكر أن جثة مارلا بييتون هي من ضمن الجثث السبع التي اكتُشفت يوم الأحد الماضي، بعد نحو أسبوعين من سقوط الطائرة وانتشال الجثث الأربع عشرة، ثم جثة ألبير عسّال.
ما عدا ذلك، لم يحمل اليوم الـ17 إلى المستشفى سوى المزيد من الانتظار، إذ لم تصدر أي نتائج جديدة، ولم تُسلَّم جثث.