سنة مرّت على اختفاء المهندس جوزف صادر، من دون أن تتمكن القوى الأمنية من معرفة مصيره. لا أحد من المسؤولين لديه جواب نهائي، لكن بعض المعلومات والقراءات التحليلية الأمنية تضيف جديداً إلى القضية. وبين المعلومات والتحليلات، تبقى عائلة صادر أسيرة ألم الفراق ووجع الشائعات
محمد نزال
أين جوزف صادر؟ سؤال، على بساطته، أنهك أفراد عائلة المهندس المختفي منذ سنة، لكثرة ما ردّدوه من دون نتيجة. الجواب الوحيد الذي سمعوه من المسؤولين في الدولة هو «لا جواب». هكذا مرّت سنة على اختفاء مسؤول قسم المعلوماتية في شركة «طيران الشرق الأوسط»، المهندس جوزف صادر، الذي شوهد آخر مرة في منطقة طريق المطار ـــــ الكوكودي، بعد خروجه من مقر عمله.
هل خُطف صادر فعلاً؟ فمن الذي خطفه، ولماذا؟ وعلى فرض ذلك، فلماذا يبقيه الخاطف كل هذه المدّة لديه، وماذا يريد منه؟ هذا غيض من فيض الأسئلة التي طُرحت خلال سنة، والتي ظلّت بدون إجابات، وفي أحسن الأحوال إجابات مبهمة.
مسؤول أمني رفيع في قوى الأمن الداخلي أكّد لـ«الأخبار»، أمس، أن لديه قراءة «تحليلية أمنية» لقضية صادر، مشدداً على أنها ليست سوى «قراءة، دون وجود معلومات يقينية». تأخذ القراءة الأمنية في الاعتبار المكان الجغرافي لعملية «الخطف»، فضلاً عن الطريقة التي اعتُمدت «والتي تُذكّر بحالات شبيهة حصلت سابقاً».
قيل الكثير عن فرضية تورّط صادر في العمل لمصلحة إسرائيل، ولمّح البعض إلى جهات حزبية معينة تقف وراء عملية «الخطف». من جهته، لا يستبعد المسؤول الأمني الرفيع هذه الفرضية، التي أصبحت معززة بعدما تبيّنت خيوط تشير إليها. فقد كشف المسؤول لـ«الأخبار» عن زيارة قام بها شخص اسمه أندرو س. إلى لبنان، آتياً من محل إقامته في جنوب أفريقيا، بغية «قضاء إجازة في لبنان». أندرو، ودائماً بحسب «القراءة» الأمنية، كان على تواصل مع جوزف صادر، فهما من بلدة واحدة، وتجمعهما علاقة معرفة قديمة. وقبل مجيء أندرو المذكور إلى لبنان، مرّ على إسرائيل ومكث فيها مدّة أسبوع، قبل أن يتوجه إلى بيروت ويلتقي بجوزف صادر، ثم يعود إلى جنوب أفريقيا. هذه المعلومات «مؤكدة»، بحسب المسؤول، أما ربطها بـعملية «الخطف» فهي قراءة تحليلية، لا أكثر.
ترفض عائلة صادر هذه الفرضيات، وتطالب المعنيين بإظهار الأدلة التي تؤكدها. ولمناسبة مرور سنة على اختفاء جوزف، عقد وكيل عائلته، النقيب الأسبق للمحامين عصام كرم، مؤتمراً صحافياً في مكتبه، بحضور أفراد من عائلة صادر. جزم كرم في كلمته بأن جوزف ليس «عميلاً إسرائيلياً، وإلا لما كنت تولّيت الدفاع عنه». وقد طرح كرم السؤال الأهم: لماذا خُطف جوزف صادر؟ «لم يستطع أحد أن يعطينا الجواب، مع أننا في دولة مسؤولة عن أبنائها، وعن أمنهم على الأقل، لأن الدولة البدائية هي الدولة الشرطي». وأشار كرم إلى علمه برجل أمن كان حاضراً ساعة «الخطف»، وقد شاهد ما حصل وقتذاك. وأردف سائلاً: «أين هي إفادته؟ المسؤولون قالوا إن الخطف ستكون نهايته سعيدة، لكن المخطوف ما زال مجهول المكان والمصير»، في إشارة إلى كلام كان قد ورد على لسان المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، الذي قال قبل أشهر «لا خطر جدياً على جوزف صادر، وسيُفرج عنه». وكان ريفي قد عزى كلامه آنذاك إلى «قراءة تحليلية أمنية، وأنا أتفهّم جيداً ردّ العائلة والشعور بالأسى، ولذلك أتفهّم الوضع الإنساني والعائلي، ويكفي أن نضع أنفسنا مكانهم لنتصور كيف يمكن أن تكون حالتنا».

كرم: جوزف ليس عميلاً إسرائيلياً، وإلا لما كنت تولّيت الدفاع عنه
أفراد عائلة صادر ما زالوا صامدين، ولا يبدو أنهم سيتراخون في متابعة قضيتهم، رغم المؤتمرات الصحافية التي عُقدت خلال سنة، ورغم طرق أبواب معظم المسؤولين السياسيين والأمنيين في البلد.
في المؤتمر الصحافي أمس، لم يفارق الدمع عيني سلمى، زوجة جوزف. تستجمع قواها برهة لتدلي بتصريحات إلى الصحافيين، لكنّ الدمع كان يغلبها في كل مرّة تذكر فيها اسم زوجها، الذي ذهب يوماً إلى عمله ولم يعد. كان واضحاً أن الأرق يضني عيون أفراد العائلة، والقلق يدمي مهجتهم، والنقمة على «القصور» تثير فيهم غضبة تتفاقم على من «يفترون على الأبرياء، وعلى من يعجزون عن إنقاذهم». تصرخ سلمى فجأة، فيلتفت إليها الجميع. تقول بنحيب دامع: «على المسؤولين في الدولة أن يجدوا جوزف، فهذا لمصلحتهم أولاً ولسمعتهم، قبل أن يكون لمصلحتنا». تنهمر دموعها على خديها وهي تقول، زوجي «أشرف إنسان، رغم كل المتشكّكين. يفرجونا صدقيتهم هني». تدخل إلهام، شقيقة جوزف، على خط الكلام. تتوجه إلى المسؤولين، ساخرة منهم، فتقول: «لو أن المخطوف ابن نائب أو ابن وزير، لكانوا وجدوه في يوم واحد. ولكن، يا عيب الشوم عليهم، ما حدا عم يحكي معنا من المسؤولين، ويمكن هيدا لأنو نحن ناس بسطا وما حدا سائل عنا».
لا توفر إلهام أحداً في لومها، حتى المرجعيات الدينية. فبعد توجّه أفراد العائلة إلى البطريرك صفير، «نسيهم» بعدما زاروه 3 مرات.
هكذا إذاً. فبعد سنة على اختفاء جوزف صادر، لا يزال الغموض يلفّ قضيته، وتظل العائلة تبحث عن قشّة نجاة، في وسط بحر من التحليلات والشائعات.


للجنة تحقيق برلمانية في قضية صادر

تمنّى رئيس تكتل التغيير والإصلاح، العماد ميشال عون، على قوى الأمن ألا تصنّف ملف جوزف صادر «كملف اختفى، أو أن لا يتابعه أحد. فهذه ستكون نقطة أسف كبيرة». وأضاف عون بعد اللقاء الأسبوعي لتكتّله، أول من أمس، أن «اختطاف» جوزف صادر حصل في وضح النهار، وعلى طريق عام فيه كثافة كبيرة من الناس. وهذه «الجريمة أصبحت كالجرائم الكبرى التي حصلت في لبنان». بدوره، سأل النائب إبراهيم كنعان، في حديث مع «الأخبار»، لماذا لا تكون هناك محكمة دولية في قضية صادر؟ فكل المعلومات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية لا ترقى إلى المستوى المقبول، وهذا ما يعدّ «فضيحة حقيقية». وختم كنعان مؤكداً أنه سيطالب بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية في قضية جوزف صادر.


شائعات؟

قبل نحو 4 أشهر، أعلن المطران الياس حدّاد أنه يتلقى معلومات تفيد بأن جوزف صادر على قيد الحياة، وأن الجهة التي تتصل به تطلب منه إخبار عائلته بأنه بخير. وقال حداد آنذاك إن «شيخاً» يتصل به، ويؤكد له أن الجهة الخاطفة «ليست حزبية»، من دون الخوض في المزيد من التفاصيل «حرصاً على سلامة المخطوف». لكن بعد مضي 4 أشهر، أكّدت زوجة صادر لـ«الأخبار» أن المعلومات المشار إليها لم تكن صحيحة «على ما يبدو». كذلك، نفى مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» علمه بوجود «شيخ» كهذا، واضعاً هذه المعلومات في إطار «تمنيات العائلة» أكثر من كونها حقيقية. وكانت قيادة الجيش قد أصدرت بياناً بتاريخ 16/2/2009 نفت فيه ما تناقلته بعض وسائل الإعلام، عن «تسلّم الجيش لجوزف صادر من جهة حزبية»، وعدّت الخبر معلومات «عارية من الصحة».