لا يمكن استمرار البحث عن المفقودين والجثث إلى ما لا نهاية، هذا ما بدأ يصدر عن الجهات الرسمية المتابعة لعملية البحث عن مفقودي الطائرة الإثيوبيّة، وقد بدأ البعض يصرخون، مطالبين المراجع السياسية والدينية بالتدخّل، ولا سيما مع أهالي الضحايا
منهال الأمين
هو السؤال الكبير الذي لا يجرؤ أحد على طرحه بعد: متى تتوقف أعمال «البحث عن ضحايا» الطائرة الإثيوبية المنكوبة، التي باتت بحثاً عن أشلاء، يزداد العثور عليها صعوبة؟ فالدولة تبدو في أشد الارتباك، وكذلك الأهالي، ومعهم يمكن إدراج الحكم القضائي، إذ أصدرت محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان برئاسة القاضي جون قزي (الكادر) سابقة في حالة الضحية خليل نامي الخازن ، في هذا السياق، تماماً كقرار آل الحاج علي بعدم دفن «ما وجد» من رفات، قبل أن تُنتشَل بقية الأشلاء. ويبقى الأبرز في هذا السياق، النداء ـــــ الاستغاثة الذي أطلقه وزير الصحة محمد جواد خليفة، مطالباً «المسؤولين عن إدارة البلد باتخاذ قرارات سياسية ودينية وأهلية خلال 48 ساعة»، إذ تبدو الحكومة توّاقة إلى اتخاذها، وتحتاج إلى المساعدة في لملمة تداعياتها، لكن يصعب إقناع ذوي الضحايا به بسهولة. لكن، طلب خليفة للمساعدة في اتخاذ قرار صادر عن تلك المراجع يبقى غير واضح المعالم، فهل طلب إلى تلك المراجع فتاوى بهذا المعنى؟ وما معنى طلب قرارات سياسية؟ هل المطلوب هو الضغط سياسياً على فئة من أهالي الضحايا المحسوبين على جهة طائفية محددة؟ «الأخبار» علمت أنه لا اتصالات بهذا المعنى السياسي مباشرة. فاتصلنا بكلٍّ من حزب الله وأمل، إذ للأول تجارب عديدة من الناحية اللوجستية في التعاطي مع جثامين شهدائه المستعادة من الأسر، كذلك من الناحية النفسية لجهة التعامل مع عوائل الشهداء وتداعيات فقدان الأحبة على الأهل. لكن مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب، إبراهيم الموسوي، نفى في اتصال مع «الأخبار» أن يكون الحزب قد تلقى أي طلب بالمساعدة من هذا النوع، بغضّ النظر عن طبيعة هذه المساعدة. كذلك نفى الأمر المسؤول الإعلامي في حركة أمل، طلال حاطوم. إلا أنه لفت إلى أن الرئيس نبيه بري «تصدى لهذا الدور منذ اليوم الأول، من دون دعوة من أحد، من خلال وجوده في المطار وتشديده على وطنية الكارثة ومسؤولية الجميع في مداواة جراح الناس، لا لملمة الموضوع، كما يتصور البعض».
في كل الأحوال، من غير المعروف بدقة كيف ستكون هذه المساعدة، لكنها حتماً ستصبّ في اتجاه فتاوى تسهّل أمور الناس من جانب، و«تطيّب» خواطر أهالي الضحايا برفع مصابهم إلى مستوى المصاب الوطني، إذا ما طلب إليهم صرف النظر عن إمكان انتشال جثة فقيدهم للصلاة على راحة نفسه، حتى تقر نفوس الأحياء. ومع الحرص والحذر اللذين يبديهما المسؤولون الرسميون في اختيار الكلمات للحديث عن المصير البائس لجثث الضحايا، جرّاء الانفجار أو الاصطدام بسطح المياه من علو شاهق، فإن الحديث بدأ يزداد عن مصائر ضحايا قضوا في حوادث مشابهة، بدءاً من غرق الباخرة «شامبوليون» عام 1953، وصولاً إلى الباخرة البانامية في أواخر العام الماضي.
في المقابل، تتردد على الألسن هذه الأيام عبارة «إكرام الميت دفنه»، لكن على ما يبدو، بعض الأهالي سيضطرون، مكرهين طبعاً، إلى تقبّل فكرة أن إكرام الميت إعلان وفاته فقط! ويتوقع تفاوت في نسبة التجاوب مع هذا القرار، بين الأديان والمذاهب، مع خطوة «وقف أعمال البحث» التي قد تُقدم عليها الحكومة في الأيام أو الساعات القليلة المقبلة، وخصوصاً أن الدولة بدأت تتحدث بخجل عن «يوم حداد وتأبين وطني». فالأب جوزيف الخوري كاهن رعية العبدة للروم الأرثوذكس أقام جنازًا (نياحة) للضحية غسان قاطرجي وقُدِّم قربان عن روحه، مع عدم العثور على جثته حتى الساعة. كذلك فعل آل الخازن في غوسطا. وقال الخوري لـ«الأخبار» إنه «في حال استعادة الجثة تُعاد المراسم»، مشيراً إلى أن «الأشلاء مهما بلغ حجمها وعددها، توضع في التابوت ويصلَّ عليها كما لو أن الجثمان بكامله موجود». أما في حال العثور على أشلاء إضافية، فإنها تُنقل إلى القبر في ما بعد. لكن يلفت الخوري إلى أن هناك أهالي «لا يتقبلون فكرة التعاطي مع ميت بدون جثة، على أمل أن يكون ضائعاً، على الرغم من أن الأمور واضحة في حالة الطائرة الإثيوبية»، لذا، إن حسم هذا الأمر، كما قال، يعود إلى الجهات الرسمية التي عليها أن تقرر مصير هؤلاء المفقودين وأجساد الضحايا «والكنيسة تلتزم بما يصدر عن الجهات الرسمية من قرارات بهذا الشأن». وكانت لافتة مطالبة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في بيان له يوم الأربعاء الماضي بعد اجتماع لهيئتيه الشرعية والتنفيذية «بإجراء التحقيقات اللازمة لكشف حقيقة ما جرى في قضية الطائرة المنكوبة».
وعلمت «الأخبار» أن وزارة الصحة راسلت مكتب المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، لاستفتائه في التعامل مع الأشلاء التي انتُشلت. وقال أحد العلماء المقربين من فضل الله لـ«الأخبار» إن الأخير متردد في إصدار رأي أو فتوى في الموضوع بسبب الغموض والمماطلة اللذين شابا عمليات البحث والإنقاذ منذ اليوم الأول للكارثة، مشيراً إلى أنه ليس مضطراً لوضع نفسه في مواجهة الناس

الكنيسة تلتزم بما يصدر عن الجهات الرسمية من قرارات بهذا الشأن
وتحمّل المسؤولية عن غيره. ومن المعروف أن معظم الضحايا اللبنانيين هم من الطائفة الشيعية التي لا وجود لشعائر «صلاة الغائب» في أحكامها الفقهية، بعكس ما هو موجود لدى الطائفة السنيّة. وهناك أيضاً خلاف في الأمر بين المذاهب الأربعة. وذكّر الشيخ حسين الخشن، مدير الحوزات التابعة للمرجع فضل الله في اتصال مع «الأخبار» بالقاعدة الفقهية التي تحدد البحر «قبراً للميت في حالات متعددة، منها، إذا توفي شخص على متن سفينة، وخِيف على جسده من التحلل ولم يكن هناك قدرة على حفظه في براد أو غيره، فحكمه أن يُربط بشيء ثقيل ويُلقى في الماء». كذلك بالنسبة إلى ضحايا الطائرة الذين تناثرت أشلاؤهم في المياه، فيرى الخشن أنه «إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد من اليأس بخصوص العثور على جثث أو حتى أشلاء، وكان عند الدولة جرأة لتصارح شعبها بهذا الأمر وتعلن وقف أعمال البحث، فإن رأي الشرع هو سقوط التكليف الشرعي عن الأهالي، وما يجب عليهم تجاه موتاهم، لناحية الدفن والصلاة وغير ذلك». إلا أنه شدد على أن الأشلاء لها حرمة تترتب عليها المبادرة إلى دفنها، لكن من دون صلاة، وهذا ينطبق أيضاً على حالة المريض الذي يضطر الأطباء إلى بتر أحد أعضائه «لأن الصلاة عبادة تحتاج إلى إذن ومسوّغ، ولا يمكن إقامتها حتى اختياراً، إلا ما يتعارف على تسميته مجلس الفاتحة أو العزاء الذي يُهدى عادة إلى روح الميت». وأشار إلى أنه يجري التداول بموضوع الدفن الجماعي لضحايا الطائرة «فهو أمر لا تجيزه الشريعة الإسلامية».


قرار قضائي سابقة لآل الخازن

القرار القضائي الذي أصدره القاضي جون قزي منذ أيام، هو سابقة ككثير من القرارات التي اتخذها القاضي المتنور. فبعد أسبوع على قداس راحة نفس خليل نامي الخازن ضحية الطائرة الإثيوبية، تقدم والده بطلب إلى محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان التي أصدرت قرارها بتولي نامي الخازن الجد، الأمور المادية لأولاد خليل لأنهم قصّر. ووفق مصدر مقرب من العائلة، «هذا الإجراء كان ضرورياً في حالة ضحايا الطائرة ليعرف الأهل كيف بدّن يتصرفوا بأموال ولادن»، كما قال لـ«الأخبار» (ريتا شهوان). فالقانون اللبناني لا يوضّح وضع الورثة إذا لم تظهر الجثة، ما استدعى تقديم والد خليل طلبه لحلّ مسألة إدراة أمواله، وخصوصاً أن للأخير تعويضات وأموال تجمد وفق قانون الأحوال الشخصية الحالي، في حال عدم ظهور الجثة، 4 سنوات. أما بالنسبة إلى سرعة الطلب والقرار، فقد أوضح المصدر أنه «لا يمكننا انتظار 4 سنوات لإدارة أموال خليل». تجدر الإشارة إلى أن المفقود خليل مطلّق منذ مدة طويلة، وهو كان وليّ أمر الأولاد، ما يحتم انتقال الوصاية وإدارة الأموال إلى والده.