لطالما كان التأخر في إصدار الأحكام القضائية سمة من سمات القضاء في لبنان. ولأهمية الموضوع، عقدت وزارة العدل خلوة قضائية خاصة لبحث الموضوع. ومن الحلول التي طرحت، زيادة عدد القضاة في المحاكم، فضلاً عن الضرورة الملحة لتعيين أعضاء هيئة التفتيش القضائي، الذي «بات قريباً جداً»
محمد نزال
الحق الذي لا يمكن نيله إلا بعد سنوات من التقاضي في المحاكم، هو بمنزلة عدم إحقاقه من قبل القضاء. بهذه الكلمات لخّص وزير العدل إبراهيم نجّار عنوان البحث الذي دار في الخلوة القضائية التي عُقدت برئاسته، أول من أمس، بحضور عدد من كبار القضاة ورؤساء المحاكم.
ليس جديداً القول إن أغلب المحاكم في لبنان تتأخر في إصدار الأحكام بالقضايا، حيث يشعر المدّعي بيأس من الوصول إلى حقه، كما يعاني المدّعى عليه من التوقيف الاحتياطي، بحيث تفوق مدّته، أحياناً، مدّة العقوبة التي يحكم عليه بها في النهاية. اعترف الوزير نجّار بهذا الواقع الصعب، فلا مكان لـ«المواربة ولا للتهرب، بل يجب التصدي فعلاً لأساس الموضوع، لأن الحق الذي يمكن أن يصدر فيه حكم وأن ينفذ فيه قرار في وقت صحيح، هو الحق الحقيقي»، بحسب ما صرّح وزير العدل لـ«الأخبار».
يمكن القول إن المقررات التي تصدر عن الخلوات القضائية، إضافة إلى الخطط الإصلاحية التي توضع، لا يمكن أن تتحقق في ظل خلو لجنة التفتيش القضائي من 9 أعضاء من أصل 11. فلا يمكن الهيئة، والحال هذه، إحالة أي شكوى أو تحقيق على مجلس تأديبي. وفي هذا الإطار، أكّد الوزير نجّار لـ«الأخبار» أن تعيين رئيس هيئة قد بات قريباً، إضافة إلى أعضائها العشرة. وقد كشف نجار أن الرئيس المتوقع لهيئة التفتيش هو وزير العدل الأسبق، وعضو المجلس الدستوري السابق، القاضي خالد قباني. وأشار نجّار إلى أنه رفع في اقتراحه إلى الحكومة اسم قباني وأسماء بقية الأعضاء، وقد «دخلنا أخيراً في مرحلة التوافق على الأسماء، وأصبح التعيين قريباً».
98829 دعوى جزائية و54800 مدنية حصيلة الشكاوى أمام المحاكم خلال سنة
خرج المجتمعون في الخلوة القضائية بعدد من التوصيات، ومنها أن موضوع تسريع المحاكمات وإصدار الأحكام، يستحق أن يولى أهمية كبيرة، فتمت دعوة القضاة جميعاً إلى التقيّد بالمهل القانونية المحددة لتعيين مواعيد الأحكام، وإصدارها في مواعيدها، وتعيين جدول زمني لإصدار ما لم يصدر منها. وفضلاً عن حقوق الإنسان التي يجب أن تراعى تجاه مواطن متقاض أمام القضاء، لفت نجّار إلى أن المرفق القضائي «يتحسس اليوم أكثر من أي وقت مضى الضرورات التي يجب أن تلازم الاستثمار في لبنان، وصدقيّة التعاطي مع المرفق القضائي بكل شفافية وجدية، لكي يشعر المستثمر بأن حقوقه مصونة، وأن القضاء قادر على تحصيل الحقوق بأسرع وقت».
النقد الذاتي كان حاضراً في الخلوة القضائية بين القضاة أنفسهم، فهم من ناحية لا ينكرون وجود أخطأء كثيرة تشوب المرفق القضائي، ومن ناحية أخرى «يريدون أن تبقى مسيرة القضاء على مستوى المثل العليا». وقد أعلن نجّار بعد الخلوة السعي إلى تأليف لجان، بغية الدخول إلى منطقة البحث عن الحقيقة القضائية. وفي حديثه مع «الأخبار»، تحدث نجار عن إحصاء قامت به هيئة التفتيش، بعضويها، تعكس عمل المحاكم والدوائر القضائية في السنة القضائية الفائتة، أي من 1/10/2008 إلى 30/9/2009 في القضايا المدنية والجزائية. وقد جاء في الإحصائية أن عدد القضايا الجزائية الواردة إلى قصور العدل في كل المحافظات، بلغ 98829 قضية. وقد بُتّت 81704 قضايا من العدد الإجمالي، أي ما نسبته 80.39 في المئة. أما في القضايا المدنية، فقد ورد إلى المحاكم خلال السنة الماضية 54800 قضية، بُتّ 48072 منها، أي ما نسبته 87.72 في المئة.
ورغم أن النسب الواردة في الإحصائية، تعدّ «إيجابية» قياساً بنسب السنوات السابقة، فقد رأى الوزير نجّار أنها «غير كافية، ولا بد من العمل أكثر حتى لا يعود هناك مجال لأي ظلم يلحق بأي مواطن في لبنان». ولفت إلى أن هناك دعاوى وشكاوى متراكمة من سنوات سابقة، ولكن «العمل جارٍ على دراسة كيفية التصدي لها».
أما في ما خص الدعم المادي واللوجستي للمرفق القضائي، فإنه «كما نطلب من القاضي الجدية والاستقلال والحيدة بالكامل، علينا أن نؤمن له قدراً أدنى من الكرامة بكل ما للكلمة من معنى»، بحسب الوزير نجار. وبما أن بعض الحقوقيين يرون في تلكؤ بعض القضاة عن إصدار الأحكام أحد أبرز أسباب التأخر، وفي ذلك مخالفة لقوانين أصول المحاكمات، فإن هناك أسباباً كثيرة أخرى، بحسب ما ذكر الوزير نجار. ومن الأسباب المشار إليها: «عدد القضاة في لبنان غير الكافي، إضافة إلى قصور العدل التي أصبحت بحاجة ماسّة إلى توسيع وتأهيل وزيادة عددها، ليكون لنا جسم قضائي كاف مع مساعدين قضائيين كافين».
أخيراً، تطرق نجار إلى المراحل التي بلغتها مسيرة تنقية القضاء، فقد رأى أن لهذا الموضوع شقين. يتعلق الشق الأول بالشكاوى التي كانت محالة سابقاً على المجالس التأديبية، وقد بتّ ثلثا عددها، البالغ 18 ملفاً، إلا أنه لا يجوز الإعلان عن هذه الأحكام وما نصت عليه من عقوبات وبحق مَن، إلا في حالات معينة نص عليها القانون حصراً.


لا تعويض لمن ظُلم جراء التأخير!

لا يمكن التعويض على المواطن الذي يلحق به ظلم جرّاء تأخّر محاكمته، مهما طالت مدّتها، حتى لو بقي موقوفاً قيد التحقيق لمدّة تفوق مدّة محكوميته. وفي هذا الإطار، يشير وزير العدل إبراهيم نجّار إلى إمكان معالجة هذا الموضوع من خلال تعديل مواد القانون، ويلفت إلى أنه كان قد تقدّم عام 1973 بمشروع قانون في هذا الشأن، عندما كان الصحافي غسان تويني موقوفاً رهن التحقيق، لكن لم يُقبل المشروع يومها. وأشار نجار إلى تأثر بعض القضاة بقانون أصول المحاكمات المدنية القديم، الذي عُدّل عام 1985، وأصبحت مهل المحاكمات فيه أكثر وضوحاً، إلّا أنّه حتّى اليوم لم يطبّق بالكامل. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الحقوقيّين يطالبون بوضع مواد قانونية تنص على إجراءات صارمة تجاه القضاة، الذين يتأخرون في إصدار الأحكام.


قضاة ومحامون

رأى المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور، أن أحد أسباب التأخّر في إصدار المحاكم للأحكام، هو عدم تطبيق بعض القضاة قوانين أصول المحاكمات. وأشار الناطور إلى أن عدد القضاة العاملين في لبنان، يعدّ أيضاً أحد الأسباب المؤدية إلى ذلك، فعددهم اليوم يبلغ نحو 500 قاض، وقريباً سوف يتقاعد عدد منهم، مما يزيد من حجم المشكلة. وأشار الناطور في حديث مع «الأخبار» إلى أنّ المسؤولية لا تقع على القضاة فقط، بل على المحامين أيضاً، الذين يجب أن يلاحقوا قضاياهم، ويطالبوا القضاة بذلك. وفي هذا الإطار، ذكر بعض المتابعين أن بعض المحامين يماطلون في بتّ دعاوى موكّليهم عمداً، طمعاً منهم في تحصيل المزيد من الأرباح، فيحصل نوع من «التعايش» في ظل المماطلة بين القضاة والمحامين.