هل يُدخِل تل حوش باي أهالي طاريا في آتون نزاع، يحوّله من منطقة أثرية مأهولة إلى أخرى ملوّثة؟ فبلدية طاريا اتخذت قرارها ببيع عقارات التل لمشروع محطة صرف صحي تستفيد منه وشمسطار، ما جعل الأهالي يرفضون القرار، مهدّدين بـ«حمامات دم»!
البقاع ــ رامح حمية
وافقت بلدية طار يا، بقرار مصدّق من أعضائها، على إعدام الطبيعة الخلابة في منطقة حوش باي، الواقعة في نطاقها، وكذلك فعلت وزارة البيئة باتخاذها القرار الذي يهدّد بتلويث ستة ينابيع تزخر بها المحلة، فيما تخلّت مديرية الآثار عن موقع أثري غني نتج من تعاقب حضارات غابرة، بدءاً بالآراميين والآشوريين والكنعانيين مروراً بالفينيقيين والبيزنطيين، وصولاً إلى الرومان. كل هؤلاء أقرّوا بإنشاء محطة لتكرير المياه المبتذلة في تل حوش باي في بلدة طاريا، ضاربين عرض الحائط بالمعايير الصحية والبيئية والمخاطر التي ستؤثر على القاطنين بقربها. وحده تقرير التنظيم المدني أنصف الأهالي، إلا أنه لم يأخذ أحد برأيه أو يستمع إليه. فبلدية طاريا وافقت بتاريخ 12/2/2010 على بيع العقارات 68ـــــ69ـــــ70ـــــ71 في تل حوش باي، لإقامة محطة مشتركة لبلدتي شمسطار وطاريا لتكرير الصرف الصحي والمياه المبتذلة، بتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي خطوة عدّها أهالي حوش باي المتضررون من هذا المشروع «كيدية» من جانب رئيس بلدية طاريا، حبيب حمية، لمجرد اعتراضهم على موقع المشروع، ونوعاً من الاستخدام السيّئ للنفوذ والسلطة. راغب حمية، وهو جار تل حوش باي الأثري وجار المشروع العتيد لمحطة الصرف الصحي، إذا نفّذ، عدّ قرار رئيس بلدية طاريا «كيدياً بالخالص، وينتمي إلى أسلوب النكايات والتشبث بالرأي وتقويم الكلام، وذلك لمجرد اعتراضنا»، راوياً أن هذا الأخير صرّح أمام شهود عديدين، أكثر من مرة، أنه «نكاية فيهم بدي إعملها». لا بل إنه يقول إن البلدية كانت قد اتفقت مع شخص اسمه عاطف حمية على شراء عقار «عين غطيس» الملاصق لمجرى الليطاني، والذي نال إعجاب مهندسي المشروع لبعده عن المنازل وعن التل الأثري أكثر من 1500 متر، «لكن كره رئيس بلديتنا لهذا الشخص، وهو ما جاهر به، دفعه إلى إبعاده عن الموضوع واختيار ابن أخيه وشقيق أحد أعضاء المجلس البلدي للإفادة من عملية البيع في تل حوش باي، وإن على حساب صحة العائلات التي تقطن في جوار التل». راغب لم يجد مفراً أمام «الاستخدام السيّئ للنفوذ إلا مناشدة السيد حسن نصر الله ووزير الداخلية والبلديات زياد بارود إيلاء هذه المشكلة اهتمامهما، «لأننا نثق بهما ليرفعا هذا الظلم عنا»، مؤكداً أنه إذا بُدئ بالمشروع «فستكون محرقة، ولكنها ستحرق رئيس البلدية وكل من سيسهم في إنشاء هذه المحطة... يعني رح يصير حمام دم». جاره غازي حمية يوافق على كلامه: «هيدي أرضي ومياهي على كتف هالتل، أولادي وجيراني عم يشربوا منها، وكرمال هيك ما رح إسمح بإقامة هالمحطة ولو على دمنا. سنقوم خلال الفترة المقبلة باعتصامات وتحركات أخرى في اتجاه المسؤولين»، كاشفاً عن اجتماع عقده الأهالي المعارضون مع رئيس بلدية طاريا، وبعد جدال طويل فاجأهم بقوله: «إذاً، كل واحد بيعمل مصلحتو!»، مبدياً استغرابه لجهة أسلوب «رئيس مجلس بلدي يسمح لنفسه بأن يتكلم مع الناس بهذه الطريقة».
وأكد رئيس بلدية طاريا حبيب حمية لـ«الأخبار» عدم صحة الكلام الذي يشير إلى أنه أقرّ المشروع من باب «النكايات والكيد الشخصي»، مدلّلاً على ذلك بأن المحطة المزمع إنشاؤها لا تخدم مصالحه بأي طريقة كانت، مؤكداً أنها خدمة عامة لمصلحة البلدة بأكملها. ورداً على سؤال لـ«الأخبار» أوضح أنه يتقيّد بالقرارات الإدارية والقانونية، فضلاً عن كونه يلتزم بتقرير وزارة البيئة التي وافقت على إقامة هذا المشروع. حمية اعترف أيضاً بأنه لا يملك الخبرة التي من شأنها تعريفه بالأضرار الناجمة عن المشروع ونسبتها، ونصح الأهالي وخاصة من يخافون على الآثار، «فليذهبوا ومديرية الآثار للتفتيش عنها، وكذلك في ما خصّ المياه»، منهياً كلامه بالقول «أنا موظف تابع لوزارة الداخلية ينفّذ ما تقرره وما ينبغي عليه الالتزام به. وإذا كان الأهالي متضررين، خلّيهم يشتكوا!».
«الأخبار» التقت عميد كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية تيسير حمية، الذي أبدى استغرابه من «محاولة تدمير أقدم مورد مائي في المنطقة (بقوة 6 إنش من المياه) فضلاً عن ستة ينابيع، وتشويه منطقة جمالية كـ«حوش باي» فيها تل أثري، وذلك كله بغية إقامة محطة لتكرير الصرف الصحي!»، علماً بأن المنطقة شاسعة، ومن الممكن توفير قطعة أرض أخرى. العميد كان قد أعدّ دراسة عن المشروع، تظهر أن الضرر سيلحق بالأهالي على بعد 1500 متر، وأن كل من يقول بأن مسافة 350 متراً كافية لإبعاد خطر الروائح والانبعاثات عن المنازل «هو مخطئ بالتأكيد، فيما أصحاب الأراضي المحيطة بالتل سيخسرون أراضيهم على مساحة1500 دونم محيطة بالتل». وكشف حمية عن احتجاج تقدّم به إلى وزير البيئة، شارحاً فيه الخطأ الذي ارتكبته الوزارة، حيث وعد بإعادة دراسة المشروع وطلب خرائط للمنطقة.
أما تقرير التنظيم المدني، فقد خلص إلى«ضرورة اعتماد معايير علمية وبيئية لاختيار الموقع، حيث لا جدوى اقتصادية من إزالة ملايين الأمتار المكعبة من الأتربة المكوّنة للتل، فضلاً عن التدمير الفظيع للبيئة والثروة المائية والأثرية، وأن الأجدى حماية مثل هذه المواقع بدلاً من التفكير في إزالتها».
وفي الانتظار، المعركة مفتوحة، ويستعد أهالي منطقة حوش باي لاعتصام كبير سينفذونه الأحد المقبل أمام التل، في محاولة للفت انتباه المسؤولين إلى المضارّ التي ستسبّبها محطة التكرير.


تل حوش باي... أثري

وفقاً لتقرير التنظيم المدني الذي حصلت عليه «الأخبار»، فإن تل حوش باي الأثري يعدّ واحداً من مجموعة التلال الموجودة في البقاع التي أنشئت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، لضرورات مختلفة، في مقدّمها جرّ مياه الينابيع بحسب قانون الجاذبية إلى مطاحن القمح التي كانت المنطقة مركزاً لها، ولا يزال جزء منها ماثلاً حتى اليوم.
وتحيط بالتل ستة ينابيع تغذّي المنطقة وهي: نبع التل، نبع أبو عماد، نبع غطيس، نبع عين الزط، نبع عين الطاحون، ونبع عين الحجر.