سناء الخوريحول صينيّة قهوة تحكي عن زعيتر وماهلر و... عن الكاميرات اللبنانيّة التي حاصرتها خلال الافتتاح. كان صحافيّو آخر زمن يطالبونها بأشياء من نوع «ماذا تقولين للجمهور اللبناني؟». كانت تضطر في كل مرة إلى إضافة عبارة «... وللجمهور الفلسطيني أيضاً»، وخصوصاً أنّ مجموعة من مخيم برج البراجنة جاءت تشارك في الافتتاح. وتعلّق مازحة: «كنت أقولها وأفكّر: سيقصّونها على الأرجح».
الفنانة المقيمة بين نيويورك ورام الله حيث تدرّس في «الأكاديميّة الدوليّة للفنون»، وتنشط في تفعيل الساحة الفنيّة المحليّة، تفضّل ألا تحكي كثيراً عن نفسها، بل عن تجهيزاتها المعروضة. من «السامي المثير» (2000 ـــــ 2002)، إلى «من حيث أتينا» (2001 ـــــ 2003) حتّى «بلا عنوان ـــــ سرفيس» (2008)، وصولاً إلى «ستاتسيوني» (2009)... محطّات تختصر سنوات من البحث والتنقيح والسفر والاستقصاء. بغية إنجاز «من حيث أتينا» مثلاً، سألت فلسطينيين من الداخل والشتات: «إذا قدرت أسوي أي إشي إلك في أي محل في فلسطين شو بكون»؟ استخدمت لاحقاً جواز سفرها الأميركي لتسافر إلى كل بقعة في فلسطين، وتحقّق الأمنيات لمن طلبها. «بودّي أن أمضي يوماً في التمتع بحريّة في القدس»، تمنّى أحدهم، فيما سألها آخر أن تزور أمّه وتعانقها وتقبّلها، وأرسلها آخر لتدفع فاتورة هاتفه، وآخر لتشتري له عرقاً، وآخر لتأكل كنافة نيابةً عنه، وآخر لتخرج في موعد مع فتاة كان يحدثها عبر الهاتف... نفّذت إملي كل ذلك ثمّ صورته ووثقته في إطارات بيضاء يعرضها «مركز بيروت للفنّ» حتّى 9 نيسان (أبريل) المقبل.
ما فعلته قبل سبع سنوات أصبح من صنف المستحيل اليوم. «بعد بناء الجدار، لم يعد بمقدورنا التنقّل. البلد مسكَّر»، تقول، ثمّ تبعثر قصاصات ورق وحبات سكر فوق طاولة القهوة على شكل أرخبيل... «هكذا أصبحت فلسطين».
الردّ على الرسالة لم يصل بعد. هل عادت إملي إلى رام الله؟ أم غادرت إلى نيويورك؟ أم بقيت في الأردن مع أختها السينمائية آن ماري؟ هذه الأخيرة، وهي مخرجة «ملح هذا البحر»، محتجزة في عمان مع مئات الفلسطينيين الحاملين جوازات السفر الأميركية بسبب إجراءات الاحتلال العبثيّة. التشكيليّة المعتادة تشابك الرحلات، ستتدبّر أمرها على الأرجح. فقد أمضت طفولتها وشبابها من عبور إلى آخر: بين فلسطين والسعوديّة، بين فلسطين وروما، بين فلسطين وأميركا... خلال سنوات الطفولة في السعوديّة: «كنت أنتظر بلهفة العودة إلى دارنا في بيت لحم، حيث الحياة الحقيقيّة. كنا نزور بيت العائلة ثلاث مرات في السنة. كنت أحضر البابونج لعمتي، وأفكّر طويلاً في الهديّة التي سأحملها إلى سيدي. وأتشوّق إلى شيش برك ستّي».
في روما، أنجزت دراستها الثانويّة في الثمانينيات، وكانت العاصمة الإيطالية حينها تغلي على وقع التظاهرات والمحاضرات المناصرة لفلسطين. كانت إملي تشارك فيها كلّها، ثمّ تزور المتاحف، وتفكّر في سرّها: «هل سأصبح فنانة؟»... في «معهد ممفيس للفن» (ولاية تينيسي ـــــ الولايات المتحدة)، لم تشعر بغربة وسط الأميركيّين الأفارقة. زملاؤها الذين يعشقون سرد الحكايات، أحبّوا قصّة الشابة الفلسطينيّة. لكنّ هذه الأخيرة أثارت أزمة سياسيّة في كنساس، حين عرضت «من حيث أتينا». «نظّموا تظاهرة ضدّي... مررت بين المتظاهرين وكانوا لا يعرفون من أنا. أعطاني بعضهم مناشير كتب عليها: «إملي جاسر تهديد لدولة إسرائيل»»! أخذتها وهي تضحك في سرّها. لعلّنا نجدها يوماً في أحد تجهيزاتها المقبلة.
أمّا في نيويورك، فذاقت حصاراً من نوع آخر. «الفلسطينيون هناك ممنوعون في المتاحف وعلى الشاشات»، تقول. «عندما عرضت هناك للمرة الأولى، شعرت بأنّ المتحف أصبح ملكاً لكل العرب في المدينة».
أمام علاقتها الشائكة بالمدن، يبدو عنوان «انتماءات» مبرَّراً. «أحب أن أحكي عن الصلات التي تتخطّى الحدود المرسومة، وتتخطّى جوازات السفر، وتتخطّى كلّ الأطر والتعريفات التي تحصرنا في صندوق ضيّق». من هذا المنطلق، يقف تأثرها الكبير بإدوارد سعيد عند حدود سيرته «خارج المكان». خلافاً لصاحب «الاستشراق»، «لست خارج المكان. أنا مرتاحة، وأعرف تماماً إلى أين أنتمي». لا تفصل إملي بين الذاتي والفني والسياسي. «هذا أنا، هذا ما أعيشه، هذه قصتي. أعتذر عن كونها سياسية» تجزم في وجه من يسألها عن سيطرة الهم السياسي على أعمالها...
وأخيراً أجابت إملي جاسر على الرسالة: «فعلتُها! دخلت وسأبدأ تدريس طلابي غداً. أتحرّق شوقاً إلى رؤيتهم. مشاكل الحدود هي نفسها. عادي. سلامات من رام الله».


5 تواريخ

1970
الولادة في بيت لحم

1994
نالت شهادة الماجستير في الفنون من «معهد ممفيس للفن»

2003
خرقت الحصار النيويوركي للفنانين العرب، وعرضت «من حيث أتينا» للمرّة الأولى في غاليري Deb’s & Co

2007
نالت «الأسد الذهبي» في «بينالي البندقيّة»

2010
يعرض «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي/ بيروت) استعادة لأربعة من أعمالها بعنوان «انتماءات» حتّى 9 نيسان (أبريل) المقبل. للاستعلام: 01/397018