استملكت الدولة اللبنانية طريقاً في بلدة كفردان منذ عام 1965، لكنّها لم تنفّذه، وبقي الأهالي يستخدمون الأرض التي تعود ملكيتها إلى ابن البلدة عبد علي حيدر طريقاً. بناءً على هذا الأمر الواقع، تحاول بلدية شمسطار الإبقاء على عملية «وضع اليد» هذه، إلّا أن صاحب الحق أبى ذلك... ونجح
البقاع ــ رامح حمية
هي أشبه بمعركة، تدور رحاها منذ عشر سنوات، بين مواطن يؤكّد أنه تعرّض لاعتداء على ملكيته الخاصة، وبلدية وضعت يدها على عقار خاص للمنفعة العامة، بحكم الأمر الواقع. شكاوى ودعاوى، مستندات وقرارات قانونية، خرائط مساحة وإفادات عقارية، استنفدها عبد علي حيدر لرفع يد بلدية شمسطار عن ملكيته الخاصة في بلدته كفردان، ونجح في ذلك.
«انتصرت لكرامتي»، كلمتان اختصر بهما الرجل السبعيني موقفه من نزاع طال أمده، لكنه استطاع في النهاية أن يسترد عقاره عنوةً. الدركي، ورئيس المخفر سابقاً، مطّلع على القوانين، ويعرف آليات المطالبة بحقّه. يوضح «أن الخلافات والنزاعات لا تستهويه، ولا يسعى إليها»، وأن ما دفعه إلى خوض معركته حتى النهاية هو «إصرار بلدية شمسطار على التعدي بصورة تعسّفية على عقاراتي بغية توفير تكاليف التأهيل والتعبيد للطريق المستملك»، مضيفاً إنه «لا يقف حائلاً أمام إنماء منطقته، كما يُشيع البعض، لكن الغبن والتعدي لا أحد يقبلهما».
أصل الحكاية يعود إلى إقدام بلدية شمسطار على وضع يدها على عقارات يملكها حيدر، لتنفيذ طريق يوفّر لأهالي المنطقة الوصول إلى أراضيهم، والتواصل مع قرى أخرى، علماً بأن هناك طريقاً مستملكاً من جانب الدولة، وتعويضاته مدفوعة للأهالي، وهو محاذٍ لعقارات حيدر إلّا أنه جرى التغاضي عنه من جانب وزارات الدولة. (راجع الأخبار بتاريخ 10حزيران 2008).
أما الانتصار، كما يحب حيدر أن يسمّيه، فقد أتى في القرار رقم 1303/1 الصادر بتاريخ 21 تشرين الثاني 2009 عن وزارة الأشغال العامة والنقل، والقاضي بوضع اليد على أقسام العقارات المستملكة في كفردان ـــــ قضاء بعلبك، ضمن تخطيط طريق أبلح ـــــ بيت شاما ـــــ شمسطار ـــــ دير الأحمر، وبإنذار أصحابها وشاغليها بإخلائها بعد تبلّغهم، وإلّا «فسيصار إلى وضع اليد بالقوة، وبالطرق الإدارية، وعلى مسؤوليتهم وحسابهم الخاصّ».
تنفيذ الدولة للطريق ينهي النزاع إلى غير رجعة
بهذا القرار يكون العقار الذي وضعت بلدية شمسطار يدها عليه، بقصد استعماله للمنفعة العامة، متجاهلةً الطريق المستملكة، قد عاد إلى أصحابه. وأولى خطوات الاسترداد تمثّلت في حضور مهندسين من قسم الاستملاك في المديرية الإقليمية في البقاع، وإجرائهم كشفاً على العقارات المستملكة بموجب المرسوم 2584، الصادر بتاريخ 10 أيلول 1965.
النهاية السعيدة لقصة النزاع بين حيدر والبلدية لم تخلُ تفاصيلها من الإثارة. فحيدر كان قد منع البلدية أكثر من مرة من تعبيد الطريق، بدءاً من عام 2000 وبالطرق القانونية، ليفاجَأ بتاريخ 10 آب 2008 بقرار صادر عنها يفيد أنها ستنفّذ أشغالاً ضمن أملاك خاصة (بحسب تصنيف وزارة الأشغال). تقدّم بكتاب إلى وزارة الأشغال للاستفسار عن موافقتها على الأشغال، فكان الرد غير مفاجئ بالنسبة إليه، هي لا تعلم عنها شيئاً.
يتابع حيدر، أنه بعد أربعة أشهر تقريباً، صباح 27 كانون الأول 2008، أقدمت بلدية شمسطار والهيئة الإيرانية على «انتهاك حرمة أملاكنا الخاصة بفلش البحص عليها من دون النظر إلى القرارات التي تؤكّد أنها خاصة، وذلك في ظل مؤازرة أمنية بدت لافتة». من هنا يبدي عتباً على وزير الداخلية زياد بارود «الذي نشهد له بنزاهته، لكنّ الوزراة لم تردّ على طلب منع التعدي، الذي تقدّمنا به إليها، وسُجل تحت الرقم 4999 بتاريخ 5 نيسان 2008، ولدى معاودة السؤال عنه أُبلغنا أنه أخذ رقماً جديداً 8060/ 2009».
بعد يومين على «فلش» البحص، تقدّم حيدر بكتاب إلى المديرية الإقليمية لوزارة الأشغال في البقاع، يستوضح فيه ما إذا كانت الوزارة هي التي تنفّذ العمل أم لا، وكان الرد أنها لا تعلم شيئاً عن الأشغال، ولا عمّن ينفذّها.
على الرغم من ذلك، لم تذعن بلدية شمسطار للمستندات القانونية، مستندةً فقط إلى رأي لهيئة الاستشارات القضائية بأن الطريق منشأة عامة، فعمدت إلى تعبيده في ظل مؤازرة أمنية مشدّدة. عندها قدّم حيدر شكوى أمام قاضي الأمور المستعجلة من جهة، وإلى مكتب وزير الداخلية من جهة ثانية، وضمّنهما 15 مستنداً تدين بلدية شمسطار، وتؤكد عدم قانونية الأشغال والتعدي على أملاكه الخاصة، إلّا أنه يقول إن «الشكوى ضاعت في الوزارة، ولم يوافق أحد على مقابلتنا».
وأمام الضغط الذي تعرّض له لجهة الاستمرار في تعبيد الطريق، وعدم تصويب أعمال التأهيل من جانب المسؤولين، عمد إلى استئجار جرّار زراعي وحراثة الطريق في أكثر من اتجاه، الأمر الذي استدعى تواريه عن الأنظار فترةً من الزمن، عمدت خلالها بلدية شمسطار إلى تقديم دعوى بحقّه، لكنه عاد وسلّم نفسه إلى المدعي العام في بعلبك، الذي أفرج عنه بعد بضع ساعات بعد إظهار المستندات التي تثبت ملكيته للطريق.
الدعاوى القضائية بين الطرفين لا تزال موجودة
الخطوة الأخيرة التي لجأ إليها حيدر تمثّلت في توجيه كتاب إلى الوزير غازي العريضي، «صاحب الضمير الحر»، كما يحبّ أن يصفه، لتنفيذ وضع اليد على المساحات المستملكة بناءً على المرسوم المذكور، وليحصل على الردّ بالقرار الذي حمل الرقم 1303/1، الذي يعدّه حيدر «انتصاراً في معركته لاسترداد حقه المغتصب»، والذي ينتظر التنفيذ «ونحن رهن إشارة وزير الأشغال، مع تقديمنا كلّ التسهيلات لرفع التعدي، ومباشرة العمل».
من جهته، أكّد رئيس بلدية شمسطار، فاضل الحاج حسن لـ«الأخبار» أن البلدية «ليست بصدد الدخول في معارك مع أحد، بل هدفها الأساسي المنفعة العامة، وتسيير أمور الناس». يقول إن «الطريق في كفردان ذو منفعة عامة، وقد استُعمل منذ ستينيّات القرن الماضي، ونحن في البلدية استندنا في قرار صيانة الطريق وتعبيده إلى القرار الذي اتُّخذ بعد اقتراح الموافقة من مصلحة الصيانة، ومن مديرية الطرق والمباني، وموافقة وزير الأشغال العامة محمد الصفدي بتاريخ 28 أيار 2008».
ولفت الحاج حسن إلى أن قرار البلدية استند أيضاً إلى رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل (بناءً على طلب وزير الأشغال) رقم 395/2004 تاريخ 2 تموز 2004، الذي جاء فيه «إنّ الطريق موضوع الاستشارة، ما دام مخصّصاً للمنفعة العامة، يُعدّ منشأة عامة لا تُهدم بناءً على طلب الأفراد، مهما تكن ظروف إنشاء هذه المنشأة». وخلص الحاج حسن إلى أنهم كبلدية لا يقفون حائلاً أمام تنفيذ مرسوم الاستملاك، الذي «تتحمل الدولة مسؤولية تأخير تنفيذه»، مشيراً إلى وجود دعوى قضائية بحق حيدر، و«القانون هو الذي سيبتّ المسألة».
المحامي زهير الطفيلي، وكيل حيدر، أكد في اتصال مع «الأخبار» أن الدعوى التي تقدّمت بها بلدية شمسطار بحق موكله ونجله، لكونهما قد أقدما على حراثة الطريق، باتت بحكم «الخاسرة»، مع صدور قرار وزارة الأشغال العامة والنقل، الذي صوّبت فيه الأمور، «كان الرجل يحرث ملكيته الخاصة، ولا أحد يستطيع منعه من ذلك». أما بشأن الدعوى التي ادّعى فيها موكله على بلدية شمسطار، فقد أكد الطفيلي أنها أصبحت بعد القرار في حكم «الرابحة»، لأنّ البلدية أقدمت على وضع يدها على ملكية خاصة بطريقة غير قانونيّة. أضاف الطفيلي إنّ تقرير الخبير المسّاح المحلّف رامي الرفاعي، الذي أعده بناءً على طلب من قاضي الأمور المستعجلة «جاء في مصلحتنا»، حيث أكد فيه الواقع من خلال المستندات والخرائط ومرسوم الاستملاك عام 1965، وقد خلص فيه إلى أنه «لا يرى بالقانون أيّ صلاحية لأحد باستعمال قطعة أرض مسلوخة من أملاك خاصة إلّا ضمن مرسوم استملاك مصدّق، مع الأخذ بعين الاعتبار الربع المجّاني والمنفعة العامة». كما أشار التقرير إلى «عدم إلزامية فرض استملاك طريق بناءً على رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، لكونها هيئة استشارية».
تُرى متى سينفّذ الطريق المستملك لتنتهي فصول هذا النزاع إلى غير رجعة؟