تصنيع أدوية مزورةنبيل المقدم
أكثر من ستة أشهر قضاها عناصر من جهاز المكافحة البرية التابع لمديرية الجمارك اللبنانية في مراقبة تحركات بسام (ك) الرتيب المتقاعد من جهاز أمن الدولة والبالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً. بسام الذي قرر بعد تقاعده أن ينتقل من العمل في خدمة القانون وأمن الناس إلى استباحة أمنهم الصحي والاجتماعي عبر إغراق السوق اللبناني والخارجي بكميات هائلة من الأدوية المزورة كان يصنعها بنفسه في شقة استأجرها في منطقة عوكر في الطبقة الأرضية من مبنى يملكه جورج ت. محاذٍ للسفارة الأميركية هناك.

مستودع الممنوعات

عشرات صناديق الكرتون المعبأة بأصناف الأدوية المزورة التي تستعمل كمنشطات جنسية وأدوية مخدرة وبروتينات وحقن يتناولها رياضيون، وخاصة الذين يمارسون رياضة كمال الأجسام، كانت تتوزع صالون الشقة، وفي بقية الغرف رفوف أُعدت للتخزين. أما التصنيع، فكان يجري في المطبخ بواسطة آلة تُحَوّل المواد الخام إلى أقراص ومواد سائلة.
الخيوط الأولى للعملية بدأت تتجمع إثر إخبار من مواطن يُعرب فيها عن شكوك تساوره في أعمال مريبة تجري في شقة سكنية في الطابق الأرضي من المبنى، وهذه الشقة غير مسكونة ويدخلها يومياً شخص بمفرده يقضي فيها بضع ساعات ويخرج وبحوزته حقيبة يدوية، ونوافذها دائماً مقفلة بستائر سميكة سوداء.
«تشككنا بداية في أن الشقة تُستعمَل مخزناً لبضاعة مهربة أو ممنوعة»، قال أحد المسؤولين في شعبة المكافحة البرية في مديرية الجمارك، وبدأنا بمراقبة الشقة المستأجرة من بسام منذ ثلاث سنوات، وتنكر عناصرنا بزي سائقي أجرة ونواطير أبنية وانتشروا في المناطق المحاذية للشقة المذكورة، لكن بسام كان دائماً حريصاً جداً في تحركاته. فهو مثلاً، عندما كان يأتي إلى هناك، كان يوقف سيارته بعيداً عنها ويكمل سيراً على الأقدام ويدخل من الناحية الخلفية للمبنى، كذلك فإن الشقة كانت مجهزة بكاميرات مراقبة.

محاولات التمويه

وزيادة في الحيطة والحذر، وتغطية لأعماله غير الشرعية، افتتح بسام محلاً لبيع المتممات الغذائية الخاصة بالرياضيين في منطقة فرن الشباك قرب منزل ذويه، وهي أدوية شرعية وقانونية خاضعة لشروط وزارة الصحة. لكن في شقته السكنية وشقة ذويه، كان الأمر يختلف، حيث ضبطت كميات كبيرة من الأدوية المزورة. وتقول المعلومات إن بسام كان يطلب من أخيه الذي يعمل في شرطة بلدية المنطقة رصد كل تحركات السيارات، حيث يقع محله ومقر سكنه وسكن أهله وإبلاغه بأي تحركات مريبة، من دون أن يفصح له عن الأسباب الكامنة وراء هذا الطلب، إضافة إلى تزويده الشقق بكاميرات مراقبة.

من أين لك هذا؟

الأدوية المزورة تستعمل كمنشطات جنسية وأدوية مخدرة وبروتينات وحقن يتناولها رياضيون
يقول أحد القاطنين في المنطقة التي يسكنها بسام إن أمارات الثراء بدأت تظهر عليه بعد تقاعده من جهاز أمن الدولة، حيث بدأ يقتني السيارات الحديثة والثياب والساعات الفخمة، وكنا نظن أن هذا التبدل ناتج من عمله الجديد، حتى إننا لم نعلم بتوقيفه الذي مضى عليه خمسة عشر يوماً إلا بالتواتر، وكيف لا تظهر علامات الثراء عليه وهو كان يبيع علبة الدواء الواحدة التي تحتوي على المنشطات المزورة بمئة دولار للعلبة الواحدة، وهي تحتوي على مئة قرص، والدواء المخدر من نوع (EFEDRIN) بأكثر من دولارين للحبة الواحدة، وهو مسحوب من التدوال عالمياً بقرار من منظمة الصحة العالمية، نظراً لارتداداته الخطيرة على الصحة العامة، وهو يوازي في خطورته حبوب الكبتاغون.

بسام وشركاؤه؟

صحيح أن بسام أوقف وحده في هذه القضية، مع أن ثمة معلومات أشارت إلى أنه أُخلي سبيله بسند إقامة منذ يومين. وفي اتصال لـ«الأخبار» مع مسؤول قضائي على صلة بالملف، رفض تأكيد الخبر أو نفيه، واكتفى بالقول إن اسم المتهم «يعني له شيئاً». أصرّ المتهم خلال التحقيق الأولي على أنه كان يقوم بكل هذه العمليات بمفرده، لكن كمية المضبوطات التي عُرضت في مبنى الجمارك، إضافة إلى التي وُجدت في شقة عوكر تُشير إلى أن الحجم الذي كان يعمل فيه بسام لا يمكن أن يقوم به شخص بمفرده، وخاصة أن مساحة المستودع الذي كان يخزن فيه بضاعته، القريب من شقة التصنيع تبلغ أكثر من مئتي متر مربع حسبما أشار مصدر في شعبة المكافحة البرية لـ«الأخبار»، وهو معبأ بالكامل.
كذلك فإن ما ضُبط من علب للأدوية المزورة وأشرطة لاصقة لعلامات الجودة العالمية يجعل الاعتقاد السائد أنه كان لديه شركاء في عملياته.
وعلمت «الأخبار» أن صاحب مطبعة في منطقة فرن الشباك أُوقف في هذه القضية، وخُتمت مطبعته بالشمع الأحمر، لكنه أُطلق سراحه بسند أقامة.
ووُجد من بين المضبوطات علب أدوية مزورة كُتب عليها باللغة الروسية، ما يعني أن بسام وسع نشاطه إلى خارج الأراضي اللبنانية.
يقول مسؤول في الجمارك إن بسام «كان قادراً بالتقنيات التي كان يستعملها على تزوير أي نوع من الدواء، وهو كان يركز نشاطه على الأندية الرياضية، وكان يصنع هذه الأدوية بناءً على اتفاقيات مسبقة» وأن التحقيق لم يتوصل بعد إلى كشف كامل المتورطين بهذه العملية، لأن بسام يصر على حصر كامل العملية بشخصه.

عضلات وراء القضبان

قُبض على بسام فجراً قرب منزله في منطقة فرن الشباك بعدما ضبطته عناصر شعبة المكافحة البرية في الجمارك اللبنانية متلبساً.
ويقول مصدر في الجمارك إنها كانت المرة الأولى التي يقوم فيها بسام منذ بدء مراقبته بتحميل كميات كبيرة من الأدوية المزورة في صندوق سيارته، وإنه اعترف بطواعية كاملة بكامل التفاصيل، حيث أفاد بأن الدافع إلى عمله هذا كان مادياً، إضافة إلى أنه من هواة تركيب المواد الكيميائية منذ زمن، وأنه كان دائماً يتابع أبحاثاً في هذا المجال على الإنترنت، وأن تركيز عمله على مواد المنشطات الرياضية عائد لأنه من هواة ممارسة رياضة كمال الأجسام ويعرف الرغبة الجامحة عند الرياضيين خصوصاً والشباب عموماً في إجراء عملية نفخ عضلاتهم وأجسامهم.


بطرس يرشد الشرطة إلى مخزن هيرويينودهمت قوة من مكتب مكافحة المخدّرات، مستعينةً بالكلاب البوليسية، المكان، وهو عبارة عن غرفة من الصفيح، أُخفيت داخل حرج للسنديان.
وكانت المفاجأة أن القفل الخاص بالغرفة قد كُسر قبل وقت قصير، ويبدو أن أشياء أُخذت من المكان على عجل، يرجّح أنها أسلحة حربية. وعُثر في الغرفة على قذائف صاروخية من نوع آر بي جي وأنيرغا. أمّا المضبوطات الأخرى، فهي كميات من الهرويين والحشيشة، ومواد كيميائية، وأدوات تغليف المخدّرات وتوضيبها. ودهمت الشرطة أيضاً منزل والد بطرس ح. في دير الأحمر، وعُثر داخل حظيرة للماشية، ملحقة بالمنزل، على أكياس من معجون الحشيشة، وكميّات خام.