اخترن طريقهن في ظل واقع زراعي واجتماعي مرير. خمس وعشرون امرأة من بلدة الفاكهة في البقاع الشمالي، تمكّنّ من إتقان عملهن في صنع المونة البيتية، لتصبح التعاونية التي أنشأنها في طليعة التعاونيات الزراعية في لبنان
البقاع ـــ رامح حمية
بإمكانيات فردية متواضعة جداً تمكنت بعض النسوة في بلدة الفاكهة من إنشاء تعاونية زراعية صغيرة، في محاولة منهن لتقليص نسب الخسائر التي يتعرض لها المزارعون البقاعيون من جهة، وبغية الحصول على منتج غذائي لعائلاتهن فيه القدر الكافي من الصحة والسلامة الغذائية وبعيد عن المسرطنات والملوّثات التي تشوب عدداً كبيراً من الزراعات، من جهة ثانية. خطوتهن لم تكتف بالنجاح المحلي بل تمكّن من ولوج باب السوق الخليجية لتميزهن في نوعية منتجات «طيبات».
منى رحال، رئيسة الجمعية التعاونية الإنمائية «طيبات»، أوضحت لـ«الأخبار» أن الواقع الزراعي في البقاع «التعيس جداً» وكذلك واقع المرأة لجهة ضيق مساحات العمل، كانا «القاعدة الأساس لفكرة تأسيس عمل نسائي تعاوني يمكن من خلاله توفير العمل في تصنيع منتج غذائي صحي». ويحسب لجمعية الشبان المسيحية دورها في بلورة فكرة هؤلاء النسوة، وذلك من خلال تنظيم دورة في التصنيع الزراعي لهن أقيمت في بلدة الفاكهة، تضمنت تدريباً على التصنيع الغذائي بدون مواد حافظة، بالإضافة إلى كيفية إنشاء التعاونيات وإدارة المشاريع الصغيرة، ودراسة السوق والكلفة. وما إن انتهت الدورة حتى بادرت النسوة إلى البدء بتصنيع المنتجات الزراعية «بمعايير ثابتة ودقيقة تسمح بالتسويق» وإنجاز كل المتطلبات القانونية والإدارية لإنشاء تعاونية «طيبات»، فكانت البداية عام 2002.
وتشير رحال إلى أن البداية كانت «صعبة جداً من الجهة المالية»، حيث كان الاعتماد على تقديمات كل امرأة سواء بالمبنى أو المعدات (طناجر ــــ مراطبين) أو حتى بالتبرعات المالية البسيطة، «إلا أن هذا لم يمنعنا من أن نكون متميزين منذ البداية»، وذلك بالنظر إلى «خبرتنا في إعداد أصناف لم يقدم أحد على تصنيعها». أصناف منتجات «طيبات» المتميزة تبدأ بالسمك المدخن الذي تفوقن من خلاله على تعاونيات لبنان الخمس والثلاثين كما تؤكد رحال، وبالمربيات المحشوة باللوز (باذنجان ــــ تفاح ــــ بلح)، أما بقية المنتجات فهي تشمل سائر أنواع المربيات والشرابات (التوت ــــ المشمش ــــ الحمضيات) والكبيس بالخل (خيار ــــ مقتة) والمكبوسات بالزيت (مكدوس ــــ لوبيا ــــ كشك أخضر ويابس ــــ لبنة). رحال أكدت أن «الأعباء المالية تقف حائلاً أساسياً أمام تقدمهن»، منتقدة «غياب المساعدات المخصصة للتعاونيات من جانب الدولة، التي انحصرت مساعدتها بتوفير الإطار القانوني وتسهيل التحاق النسوة ببعض الدورات التدريبية فقط. فالدراسة التي تقدمن بها إلى وزارة الزراعة والتي نجحن فيها ونلن عليها جائزة قدرها ستة ملايين ليرة، لم ينلن منها شيئاً حتى اليوم رغم لجوئهن إلى تسديد الضريبة المترتبة على المبلغ كما اشترطت الوزارة عليهن.
قطف سكرية (45عاماً)، إحدى عضوات «طيبات»، أشارت إلى أن عملهن ينطوي على هدفين أساسيين أولهما، توفير منتج صحي لكل من يشتري «طيبات»، والثاني يعود إلى توفير الربح المادي الذي «نسعى إليه لتأمين معيشتنا». سكرية التي وفرت الطابق الأرضي من منزلها بداية لإنشاء التعاونية انتقالها إلى المبنى الجديد المستأجر، أوضحت أن افتقاد المنطقة للسياحة الزراعية وبعد الفاكهة عن مراكز التسوق وارتفاع أسعار المواد الأولية كلها أسباب تؤثر على التعاونية، وخاصة أنهن يتنازلن في كثير من الأحيان عن جزء من السعر لضمان التسويق. نسوة طيبات عرضن عملهن في السعودية وحصدن عليه الإعجاب كما تؤكد سكرية التي كشفت أنهن اتفقن مع أحد التجار السعوديين لاستلام ما يقارب 60 طناً من منتجاتهن. بدورها، هناء رحمون (35 عاماً)، المشرفة على فحوصات المنتجات، التي انتسبت لاحقاً لـ«طيبات» لكون فكرة العمل «لافتة وجديدة» في المنطقة، أكدت أنهن يحرصن في عملهن على تصنيع منتج صحي بعيد كلياً عن المواد الكيماوية والمبيدات، ويلجأن إلى تصنيع إنتاج المواسم الطبيعية، فالخيار مثلاً لا يصنعنه إلا في التشرينين، موسم الخيار الشمسي، والبندورة في آب والفريز في الربيع، وخاصة أنهن يرتبطن بالمعايير الصحية الدولية (هاسب). وتشير رحمون إلى أن التعاونية لم تصنّع هذا العام البندورة لأن الإنتاج الزراعي لم يكن ذا جودة.
تجمع نسوة «طيبات» على إيمانهن بقدراتهن العملية، سواء على صعيد السوق اللبنانية أو الخارجية، لكنهن يحلمن بدولة تشملهن بالرعاية والاهتمام والحماية وحتى بخطة زراعية، أسوة بالدول المجاورة التي لا تكف عن تشجيع المزارعين وأصحاب التعاونيات على اختلافها، بغية النهوض بمنطقة شملها النسيان وعدم الاهتمام.