نفّذ الجيش اللبناني مساء يوم الجمعة الماضي عملية أمنية في مجدل عنجر بحثاً عن مطلوبين. الحملة العسكرية لم تخلُ من إراقة دماء أبرياء، وتصرّف عسكري ينذر برفع منسوب العلاقة الصعبة بين أهالي البلدة والمؤسّسة العسكرية
البقاع ــ عفيف دياب
لم تنتهِ تداعيات حملة الجيش العسكرية في بلدة مجدل عنجر يوم الجمعة الماضي. فالعملية الأمنية العسكرية الضخمة بحثاً عن مطلوبين لم تخلُ من «دعسة ناقصة» ارتكبها عناصر الجيش خلال عمليّتهم العسكرية ضد أبرياء ليسوا من المطلوبين. فعل غير لائق بمؤسسة عسكرية من أُولى مهمّاتها حماية «أهلها»، لا إطلاق الرصاص العشوائي على منازلهم، ورمي قنابل دخانية داخل بيوتهم، ولا تفتيش منازل وتحطيم محتوياتها عشوائياً. تصرّف يحق لأهالي مجدل عنجر أن يسألوا عنه، وأن يسألوا عن أسماء المطلوبين، ولماذا لم تنجح الأجهزة الأمنية في توقيفهم وإنهاء هذا الملف الذي يقلق البلدة، ويرفع منسوب العلاقة الملتبسة منذ سنوات بينها وبين الدولة.
نفّذت مجدل عنجر كل الشروط المطلوبة منها. ألّفت لجاناً أهلية لمساعدة المؤسسات الأمنية. أقنع الأهالي مجموعة من المطلوبين بتسليم أنفسهم، خضعوا للتحقيق، و«أُطلق سراح» بعضهم لعدم وجود مخالفات قانونية بحقهم. مطلوبون أبرياء، وملف كبير بأسماء شباب يتبيّن لاحقاً أنهم أبرياء. إنها مروحة واسعة من الأسئلة يحق لأهالي بلدة مجدل عنجر الحصول على أجوبة عنها من المؤسسات الأمنية. فالجميع في البلدة مسلّم بحق الدولة في بسط سلطتها وتنفيذ الإجراءات الأمنية التي تراها مناسبة للأمن والسلم الأهليين، لكن هناك سؤال واحد يريد الأهالي إجابة رسمية عنه: لماذا توقيف عجزة وكبار سن، ولماذا أطلقتم الرصاص على المسنّ حسن الخطيب (86 عاماً) وضربتموه بأعقاب البنادق على رأسه وأنحاء مختلفة من جسده، ومن ثم اعتقلتموه وهو ينزف، وقيّدتم يديه وتركتموه في آلية عسكرية أكثر من 3 ساعات قبل نقله إلى المستشفى للمعالجة، بعد ما فقد 85 % من دمائه؟ سؤال ينتظر الخطيب من المؤسسة العسكرية التي يحترمها ويجلّها إجابة واضحة وحقيقية عنه، و«لماذا فعلتم بي هذا»؟ سؤال يكرّره طوال الحديث معه، وهو يرقد في مستشفى العبدالله في رياق، بعدما خضع لعدة عمليات جراحية، ولـ«تقطيب» رأسه 9 قطب وتضميد جرحه، بعد ما أُصيب برصاصة برجله اليسرى. ويقول الخطيب إنه عند الرابعة والنصف من يوم الجمعة الماضي (يوم حصار مجدل عنجر) سمع إطلاق رصاص كثيفاً في بلدته، و«كنت في المنزل مع زوجتي المريضه (76 عاماً) وخادمتين. انتظرت حتى توقّف إطلاق الرصاص وخرجت لاستطلاع الأمر، فإذا بي أجد بعض العسكريين قرب منزلي، حيث بدأوا فور مشاهدتهم لي بإطلاق الرصاص على منزلي، وبإلقاء قنبلة دخانية داخله، وصرت أصرخ بهم ماذا تفعلون، ولماذا تطلقون الرصاص عليّ، إذا كنت أنا مطلوباً فتعالوا وخذوني، ولكن لم يسمع أحد من العسكريين صراخي، وفجأةً أُطلقت رصاصة نحوي فأُصبت في رجلي، ووقعتُ على الأرض». ويتابع الخطيب «هنا وصلت مجموعة من عناصر الجيش، وبدأ أفرادها بضربي بأعقاب بنادقهم على رأسي، ومن ثم أقدموا على تقييد يديّ خلف ظهري، وجرّوني مسافة 600 متر إلى سيارة جيب عسكرية». ويضيف الحاج الخطيب «صرت وأنا في الجيب أصرخ بهم، أعطوني ماءً. أريد دوائي. فأنا كنت قد خضعت سابقاً لعملية قلب مفتوح، وأتناول مسيّلاً للدماء. ولكن لم يردّ عليّ أحد، بل كانوا يسخرون مني. وحين سألتهم لماذا أطلقتم الرصاص عليّ، ردّ أحد العسكرين بالقول سنطلق الرصاص على كل أهالي مجدل عنجر». تصرف الجيش بحق الخطيب، الذي يطلب من قيادة الجيش إجراء تحقيق في ما جرى معه، ومحاسبة المسؤولين عنه، يعرضه تقرير طبيّ تسلّمت الشرطة العسكرية نسخة منه، وفيه أن الخطيب أُدخل المستشفى بحالة طارئة بعد إصابته بجرح في فروة الرأس، ناتج من آلة حادة، وطلق ناري في الرجل اليسرى، مع فتحة دخول على الجانب الخارجي للركبة اليسرى، وجروح على الوجه الخلفي للجزء العلوي من الرجل اليسرى.
اعتدى الجيش بالضرب على الخطيب (86 عاماً) واعتقل السيدة منصور (77 عاماً)!
إصابة الخطيب (86 عاماً) ووضعه في آلية عسكرية بعد اعتقاله وتقييد يديه، لم تنفع معها كل الاتصالات السياسية التي أُجريت مع الجيش لنقله إلى أقرب مستشفى للمعالجة، بل عمد الجيش إلى نقله إلى منطقة المصنع لتسليمه إلى قوى الأمن الداخلي. ويقول الخطيب «حين وصلنا إلى مخفر المصنع رفض الدرك تسلّمي وأنا في حالة يرثى لها. وهنا تدخّل أحد ضباط الدرك وطلب نقلي فوراً إلى المستشفى قبل أن أموت. ووصلت إلى مستشفى رياق (العبدالله) بعد حوالى 3 ساعات ونصف ساعة». ويردف «هذا التصرف لم أعهده في حياتي. كنت أسألهم لماذا تفعلون بي هكذا. أنا بمثابة جدّكم يا شباب. ولكن لا حياة لمن تنادي. وكنت أسألهم هل أنا مجرم، أو أطلقت الرصاص عليكم؟ فكانوا يردّون عليّ سنطلق الرصاص على كل أهالي مجدل عنجر». «دعسة» الجيش الناقصة في مجدل عنجر يوم الجمعة الماضي، ومخالفته لأبسط القوانين المرعية الإجراء، لم تقفا عند قضية الحاج حسن الخطيب (86 عاماً) بل طاولتا أيضاً المسنّة أمونة منصور (77 عاماً) التي اعتُقلت ونُقلت إلى ثكنة الجيش في أبلح، لكن أُطلق سراحها لاحقاً بعدما فُتّش دكانها الصغير وحطّمت محتوياته. وينقل أهالي البلدة عن منصور أن الجيش كان «لائقاً مع الحاجة أمونة ولم تتعرض لأيّ إهانة سوى إهانة توقيفها غير القانوني، حيث لم يُراعَ كِبر سنّها وعجزها»، إضافةً إلى أمونة أُوقف محمود أسعد (55 عاماً) بعد دهم منزله وعدم العثور على ولده عبدو (18 عاماً)، وعمر حمود (54 عاماً) بسبب مغادرته منزله خلال العملية الأمنية، حيث كان متوجّهاً إلى مسجد البلدة لتأدية صلاة المغرب، وعمر عبد الرحمن (43 عاماً) بالتهمة نفسها أيضاً، حيث لا يزالون قيد التوقيف في بيروت.
عملية الجيش في مجدل عنجر التي لم تنجح في توقيف أيّ من المطلوبين الحقيقيّين، جاءت إثر اعترافات الموقوف السوري أمجد حسن (سلّمه أهالي مجدل عنجر للجيش قبل أسبوع تقريباً)، الذي ترك رسالة لوالده يخبره فيها بالذهاب إلى الجهاد، حيث تبيّن من المعلومات الأوّلية المسرّبة من التحقيق مع حسن أن رسالته كانت ردّ فعل أقدم عليه إثر رفض والده التقدّم بطلب يد «عروس» يحبّها، وأنه كان مختبئاً في بقايا غرفة مهدّمة في أطراف مجدل عنجر الغربية. وتضيف المعلومات إن عملية الجيش هي نتيجة اعترافات هذا الموقوف الذي أبلغ المحقّقين بأسماء من كان يسهر معهم، أو من هم من أقرانه.


من يعوّض للموقوفين الأبرياء؟

أفرجت السلطات القضائية والأمنية اللبنانية عن ثلاثة موقوفين من بلدة مجدل عنجر أُوقفوا قبل عدة أشهر بتهمة الانتماء إلى تنظيم إسلامي متشدّد. والمفرج عنهم هم المهندس أحمد والمصوّر الفوتوغرافي محمود وبسام ب. حيث راجت يومذاك أخبار إعلامية (تلفزيونية) تتحدث عن إلقاء القبض على شبكة خطيرة في مجدل عنجر. ويقول عدد من أهالي البلدة لـ«الأخبار» إن الإفراج عن هؤلاء، بعد توقيف دام عدة أشهر، جاء إثر انتهاء التحقيق الأمني معهم، وعدم ثبوت أو وجود أدلّة تدينهم، أو وجود ارتباط ما بالموقوف طارق ب. الذي لم يزل قيد التوقيف بتهمة الانتماء إلى تنظيم أصولي، وحيازة أسلحة. ويسأل أهالي مجدل عنجر: من يحاسب أو يعوّض على هؤلاء الذين اتُّهموا بعشرات التهم الأمنية، وتبيّن لاحقاً أنهم أبرياء؟ ويضيفون: تُلصَق بنا تهمة الإرهاب، ويتبيّن لاحقاً أننا أبرياء منها. فنحن لا نخفي وجود بعض الشباب الملتزم دينياً وعقائدياً، لكن هذا لا يعني أنّ مجدل عنجر جزيرة أمنية يجب اقتحامها يومياً، وفرض منع التجوال على سكانها، وقطع طرقاتها بحجة تنفيذ عمليات أمنية، أو البحث عن مطلوبين مزعومين.