طرابلس ــ عبد الكافي الصمد«شو في، لشو هل العجقة؟»، تسأل سيدة أربعينية عند مستديرة شارع المطران وسط طرابلس القديمة، مستفسرة عن سبب وجود عناصر قوى الأمن الداخلي وشرطة البلدية بكثرة في المكان، فيرد عليها شاب صودف وجوده إلى جانبها: «عم يزيلوا البسطات المخالفة يا إختي». لكن السيدة تبدو أكثر اهتماماً، فتتابع استفسارها بعدما أمسكت جيداً بيد ابنها الصغير الملتصق بها: «أنذروهم طيب قبل ما يشيلوها؟»، يرد الشاب: «ما بعرف»، فتتابع المرأة كلامها: «لازم كانوا يخبروهم، لأنو إذا شالوها من وين بدوا يلي عندو عيلة وعايش من ورا البسطة يجيب مصاري، والله هالشي حرام، بيروح بيسرق يعني حتى يطعمي ولادو؟».
عملية إزالة البسطات من شوارع طرابلس ليست جديدة، فهي تتكرر سنوياً، ما يدل على أن معالجتها سطحية، ويجري التعاطي معها من غير إيجاد حل نهائي ومناسب لها، وما حصل أمس كان جولة جديدة من «مطاردة» شرطة البلدية بمؤازرة عناصر قوى الأمن الداخلي لأصحاب البسطات وباعة العربات في شوارع طرابلس.
فعند الساعة العاشرة من صباح أمس انطلقت قوة أمنية من أكثر من 50 عنصراً من سرايا طرابلس، بإمرة قائد سرية درك طرابلس، العقيد بسام الأيوبي، لتنفيذ قرار صادر عن البلدية يقضي بإزالة البسطات الموجودة في مناطق بولفار فؤاد شهاب، ساحة التل، السرايا العتيقة، ساحة النجمة، سوق النحاسين، سوق البازركان، سوق حراج، وصولاً إلى بولفار نهر أبو علي.
«ما بدي شوف شي برا»، ينهر الأيوبي صاحب محل لبيع الألبسة مدّ بسطته أكثر من متر على الرصيف، فيسارع عامل في المحل إلى جرّ البسطة إلى داخله وهو يقول بصوت مضطرب: «تكرموا يا شباب».
تتابع القوة سيرها مشياً، فيزيل عناصرها بسطات لبيع القهوة قرب حديقة التل، ويرفعون عوائق حديدية من أمام مدخل مكتب النائب محمد كبارة، وضعها أنصاره سابقاً لأسباب أمنية، ثم يأمر أحد العناصر صاحب محل لبيع العطور بسحب بسطته إلى داخل المحل «وإلا رح نكسرها»، فيسارع إلى تنفيذ الأوامر وهو يردد: «على عيني كل الدولة».
على طول شارع التل الرئيسي الممتد من برج الساعة حتى الأسواق الداخلية، حيث تنتشر بسطات لبيع المظلات والنظارات والجوارب والشالات والعصير والكعك وغيرها، يسارع أصحابها فور علمهم بالأمر إلى استباق وصول العناصر، فأبعد أكثرهم بسطاتهم عن الشارع، ومن فوجئ بقدومهم لم يتردد في تنفيذ أوامر العناصر

عملية إزالة البسطات من شوارع طرابلس ليست جديدة، فهي تتكرر سنوياً
الذين كانوا يقولون له بحزم: «شيل البسطة لجوا».
أثناء الجولة يتجمهر مواطنون، خصوصاً قرب مقهى فهيم عندما طلب الأيوبي من أحد العناصر تنظيم محضر ضبط في سيارة مخالفة. أما قرب السرايا العتيقة فيتوجه الأيوبي إلى بائع عربة كستناء جوال قائلاً: «يلا أكرج من هون»، فيسارع البائع إلى الرد: «بأمرك سيدنا»، وعندما استدار بعربته بسرعة للهروب نحو أحد الشوارع الداخلية، كانت حبات الكستناء تتساقط من عربته يميناً ويساراً.
يقترب الموكب من ساحة النجمة، فيزيل العناصر تخشيبة فارغة من البضائع ومن صاحبها الذي غادرها قبل وصول الدورية، فيعمد عامل بلدية إلى الاستعانة بمقص حديدي كبير لهذه الغاية، بينما كان الأيوبي يجري اتصالاً ويقول: «أرسلوا لي ونشاً»، لرفع سيارة متعطلة من المكان، كان صاحبها قد حولها إلى بسطة لبيع البياضات والشراشف.
عند الوصول إلى نهر أبو علي، حيث أكبر عدد من البسطات، تصطدم الدورية برفض أصحابها إزالتها، فيحدث إشكال كاد يتطور، ما دفع العناصر إلى الانسحاب، لأن «بسطات المنطقة ليس الآن وقتها»، على حد قول أحدهم لـ«الأخبار».
وحتى تؤتي الجولة ثمارها، يعود الأيوبي والدورية إلى تكرار الجولة من بدايتها، ليجد أن من مرّ عليهم في المرة الأولى أعادوا بسطاتهم كما كانت، فنُظِّمَت محاضر ضبط بحقهم كانت «حرزانة» مثلما وصفها أحد العناصر.