كامل جابر
حين التقى المؤرخ إبراهيم بيضون للمرة الأولى بحسن نصر الله، كان ذاهباً لتهنئته بمنصب الأمانة العامّة لحزب الله. حينها، لم يكن بيضون يعرف السيّد، وإذا بالأخير يقول له عندما تعرّف إليه: «قرأت لك كتاب «التوابون»»، يخبرنا المؤرخ المعروف. في كتابه الذي صدر في عام 1975، ثمّ تُرجم إلى الفارسيّة عام 1979، سرد بيضون قصّة سليمان بن صرد الخزاعي، مؤسس «حركة التوابين» التي نشأت بعد موقعة كربلاء، داعيةً إلى الانتقام من قتلة الحسين، انطلاقاً من شعور بالتقصير والذنب تجاه أحفاد الرسول.
في مؤلفاته التاريخيّة المرجعيّة، اهتمّ صاحب «الإمام علي في رؤية النهج ورواية التاريخ» (دار بيسان ــــ 1999) بالقرن الأول للهجرة، ثمّ ركّز على المنهج بعد توسّع تجربته، فراح يوسع الدوائر، حتى إنه كتب في التاريخ الحديث، والتاريخ الأندلسي والدولة العربية في إسبانيا والأمراء الشعراء في الأندلس...
حين تبحث في سيرة إبراهيم بيضون، تجد المؤرخ والشاعر والصحافي والأستاذ الجامعي. أمّا هو، فيحدثك عن مرتع طفولته في مدينة بنت جبيل الجنوبيّة. هناك شهد طفلاً والده علي بيضون ورجالات آخرين أمثال علي بزي وموسى الزين شرارة، يطلقون الانتفاضة الأولى في وجه الانتداب الفرنسي عام 1936. ويُعتقد أنّها الحركة العاملية الوحيدة التي سقطت فيها دماء في سبيل الاستقلال. في خضمّ أجواء الثورة تلك، لم يتسنَّ له أن يعيش طفولة هادئة. في سنّ مبكرة جداً، تلونت ذاكرته بصور القهر والتهجير التي عاناها الفلسطينيون الذين مثّلوا حيزاً أساسياً من الحراك الاقتصادي. مشهد قوافل الفلسطينيين المهجرين عام 1948 يحملون متاعهم، «لا يزول من بالي إطلاقاً وأتذكره عندما أتذكر طفولتي»، يخبرنا.
في «مدرسة بنت جبيل الرسمية»، تلقّى علومه على يد عبد اللطيف سعد. معلمه الأول صار صديقه، ولاحقاً، شجعه على حضور مجالس الشعراء الناشطة في بنت جبيل والعديد من المدن الجنوبية. صار يتحيّن الفرص ليستمع من خلف النوافذ إلى شعراء تلك المرحلة، ما عزز رصيده الشعري واللغوي.
إلى بيروت، جاء شاباً يافعاً في أواخر الخمسينيات، ليلتحق بإحدى وظائف محكمة بلدية بيروت. هناك، أنِس إلى مجموعة من زملائه المثقفين، فوجد حافزاً لمتابعة دراسته. التحق بمدرسة ليلية ونال «الشهادة الموحدة السورية» عام 1963 ثمّ انتسب إلى «الجامعة اللبنانية» لدراسة العلوم السياسيّة، قبل أن ينتقل إلى «جامعة بيروت العربيّة»، ويجد نفسه في قسم التاريخ... هذا القسم الذي أدخله في عالم البحث والتأليف ثم التدريس الجامعي.
في عام 1971، نال الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من «جامعة غرونوبل» الفرنسيّة بتقدير مشرّف جدّاً. كانت أطروحته عن «الاضطراب العراقي في العهد الأموي»، واستشهد فيها بيضون بنموذج ثورة ابن الأشعر، التي يرى أنها أعظم ثورات العراق في العهد الأموي. بعد ذلك، درّس في الجامعة اللبنانيّة وفي «ثانوية رأس النبع الرسميّة»، قبل أن ينال دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من «جامعة القديس يوسف»، وينال فيها درجة امتياز «عن إشكالية العلاقة مع السلطة المركزية في القرن الأول الهجري»... «كان الحجاز هو المركز قبل الإسلام. لكن بعد سقوط الخلافة الراشدة، بدأ يذوي ويتراجع، وانتقل الثقل إلى الأمصار والولايات، خصوصاً الشام والعراق ومصر»، يشرح.
مسيرته الأكاديميّة المستمرة حتّى اليوم في «الجامعة الإسلامية» في بيروت، لم تطغَ على مسيرته في الكتابة. وكان قد انطلق نحو عالم التأليف مصادفةً، حين تسلّم مع المؤرخ السوري سهيل زكّار، مقرراًً جامعياً بعنوان «مدخل إلى التاريخ العربي العام»... «سألني يومها ما رأيك أن نؤلف كتاباً معاً، فتهيبت الأمر في البداية، ثمّ خضت التجربة وكتب كلّ منا قسماً من كتاب «تاريخ العرب السياسي، من فجر الإسلام حتى سقوط بغداد» وأنجزناه عام 1974، فنفد خلال السنة الأولى لطباعته عن «دار الفكر»».
ثمة توجه ثقافي خاص خاضه بيضون من خلال عمله في «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» حيث تولى دوراً بارزاً فيه منذ السبعينيات حتى التسعينيات بوصفه نائباً لأمينه العام. «تجربتي في المجلس هي التجربة التي أعتزّ بها، وأرى أن المجلس هو الحزب الذي انضويت فيه. لم أنخرط في حزب من الأحزاب السياسية التي انضوى فيها الجنوبيون من أبناء جيلي». إلى جانب نشاطه المذكور، تولى بيضون دوراً رائداً في «مؤسسة عامل» إلى جانب صديقه الدكتور كامل مهنّا.
علاقته بالجنوب علاقة بالوعي التاريخي والثقافي والاجتماعي والعاطفي، وكتابه «قرأت أصواتهم في الدوي ـــــ أوراق جنونية» (دار المؤرخ العربي) خير معبِّر عن هذه العلاقة... «لم أنقطع عن الجنوب خلال الاحتلال، كنت أذهب مع أسرتي وأبنائي في الثمانينيات، ونجتاز المعبر ونتحدى الخوف، وكانت الطريق محفوفة بالتعب والمخاطر».
بعد عودته من الجنوب ذات يوم، سأله الصحافي طلال سلمان أن يكتب عن تجربة أبناء الجنوب تحت الاحتلال. وبالفعل، كتب سلسلة مقالات نشرت على صفحات «السفير» في ملف بعنوان «المشي فوق الذكريات؛ من الخيام إلى بنت جبيل مروراً بشبعا». منذ ذلك الحين، زادت إسهاماته في مجال الصحافة، فنشر مقالات في السياسة والاجتماع ودراسات معمقة في التاريخ والبحث الإسلامي.
كمؤرخ، يرى «أن الأمويين أفسدوا المسار التاريخي الإسلامي وأفسدوا مسار الخلافة». يستطرد: «جاء إبعاد علي عن الخلافة متعمداً، على الرغم من أنّ الصحابة كانوا يعرفون أنه «سيحملهم على طريقة هي الحق»، كما قال عنه عمر. حتّى إنني أشك بصحّة الرواية المتداولة عن مقتل عمر... برأيي كانت هناك مؤامرة شارك فيها فريق مضلل وضالع في هذه العملية، ولم يعد عمر يجسّد طموحاته. حتّى إنّ هناك رواية جاء فيها: «لم يزل عمر حتى ملَّته قريش».


5 تواريخ

1941
الولادة في مدينة بنت جبيل (جنوب لبنان)

1971
نال الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من «جامعة غرونوبل» في فرنسا

1974
صدور كتابه الأول «تاريخ العرب السياسي، من فجر الإسلام حتى سقوط بغداد»

1999
كتابه المرجعي «الإمام علي في رؤية النهج ورواية التاريخ»
8 كانون الثاني/ يناير 2010
بعد صدور كتابه «مسائل المنهج في التاريخ الإسلامي، إشكاليات ونماذج» (دار المؤرخ العربي)، يكرّمه «المركز الإسلامي الثقافي» و«مكتبة سماحة العلامة محمد حسين فضل الله» في بيروت عند السابعة مساءً بحضور الوزير حسين منيمنة والصحافي طلال سلمان