البلدية بوابة عبور إلى السياسةمهى زراقط
عندما ترشح شربل نحاس إلى عضوية مجلس بلدية بيروت عام 1998، كان يهدف إلى «إبراز صوت خارج الصيغة التي كانت السلطة قائمة عليها آنذاك». لكن السلطة التي ماطلت في الموافقة على إجراء الانتخابات، عمدت إلى تكوين ائتلاف واسع بين القوى المشاركة في الحكم لتحدّد نتيجتها سلفاً، وخصوصاً في بيروت.
رفضاً لهذا الواقع، تألّفت لائحة معارضة «في مواجهة هذا الائتلاف التعليبي ولتحريك الجو السياسي»، يقول نحاس. يومها كان الأمر عبارة عن «عملية اعتراضية، ولم يكن لدينا أي وهم بالنجاح. فالائتلاف مثّل جداراً فولاذياً، حتى أن عناصره لم يتصوّروا إمكان تأليف لائحة مقابلة لهم». ويجزم نحاس بأنه لم تكن هناك فرصة تغيير فعلية آنذاك، لكن على الرغم من ذلك، استطاعت اللائحة أن تخرق الائتلاف بشخص واحد (عبد الحميد فاخوري). هذه التجربة لم تتكرر بالزخم نفسه في عام 2004، إذ أضيف إلى استمرار ائتلاف هذه القوى، زيادة الشحن الطائفي، «فجاءت قوة النتائج المواجهة للائتلاف أقلّ»، يقول.
السياسة إذاً هي في صلب الانتخابات البلدية، حتى لو كان العمل المطلوب من الناجحين فيها، إنمائياً. وهنا يفرّق نحاس بين البلدية التي ترشح إليها، النيابة التي لم يقترب منها، والوزارة التي يشغل أحد مقاعدها اليوم. نبدأ من النيابة، التي لم يترشح لها نحاس ولا مرة «لاعتبارات شخصية»، يقول. برأيه «تستوجب النيابة نمط حياة معيناً بعدما بات عمل الكثير من النواب اليوم، متابعة العلاقات الاجتماعية القائمة على الخدمات الشخصية، وهذا يمثّل ضغطاً كبيراً على أي شخص، وقد يحول دون القيام بعمل نيابي مثمر. أما بالنسبة إلى العمل البلدي، فصحيح أن تأثيره أضيق، لكن العبء الذي يلقيه على الشخص يبقى أقلّ».
تضاعف هذه المشكلة، في رأي نحاس، حدة التأطير الطائفي، بحيث تكون النتيجة أنه «لا الطائفية تسمح بممارسة سياسية سليمة، ولا طغيان الدور الاجتماعي أيضاً، ما يجعل الوزارة مجالاً أرحب لكي يحاول المسؤول تنفيذ شيء، أو تحقيق إنجاز». طبعاً، لا ينفي نحاس أن الوزارة منصب سياسي «هذا أمر لا شك فيه، والوزير مرتبط حكماً بتمثيله تياراً سياسياً معيناً، لذلك أجد في مقولة أن هناك وزراء فنيين كأنهم مستشارون، شيئاً من الغرابة. صحيح أن الوزارة بالنسبة لي هي مسؤولية إجرائية وعمل مهني، لكن من قال إنه ممنوع على المهني أن يكون عنده آراء سياسية، أو أن الآراء السياسية يجب ألا تترجم بشيء تطبيقي؟».
وفي إطار الحديث عن الفرق بين العمل الإجرائي والعمل السياسي، يقدّم نحاس مثلاً أحد مكامن الخلل في العملية الانتخابية، أي مشكلة تصويت الأهالي في مناطق لا يقيمون فيها. في رأيه، لا معنى للعمل البلدي إذا لم يكن الناس المقيمون في منطقة ما، الذين يدفعون الضرائب، هم أنفسهم في موقع المطالبة بخدماتهم. يقول: «هناك اختلاف كامل بين الجسم الناخب والجسم الاجتماعي الفعلي، أي هناك اختلال بين لبنان الحقيقي ولبنان السياسي. وهذا اختلال جدي، ليس مقبولاً أن نتغاضى عنه، وخصوصاً أن نتيجته هي الانفصام بين إطار تمثيل الشخص السياسي وحياته الفعلية».
ينسحب الأمر على الطائفية، حتى عندما لا ينص القانون الانتخابي عليها كما هي حال قانون البلديات. لكن «بمجرد أن تصبح الانتخابات البلدية مؤطرة طائفياً، تحصل مطالبة من المجموعات الطائفية الأقل عدداً بصيغ أخرى لمواجهة هذا التأطير». وفي هذا المجال يرى نحاس في المطالبة بتصغير الدوائر، بحيث يُعَمّم على المدن الواقع القائم في القرى، تكريساً للطائفية من جهة وللفرق بين الواقع الحياتي والإطار التمثيلي السياسي من جهة ثانية، «لذلك تبقى النسبية الحلّ الأمثل».