تزامنت الدعوة الفلسطينية إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التجارية (BDS) على إسرائيل، منذ إطلاقها عام 2005، مع طفرة في الحملات العالمية التي دعت بدورها للمقاطعة لأسباب عديدة، صحية وبيئية وعمالية، ما يطرح أهمية قيام عمليات تنسيق، من شأنها تعزيز الدعوة بين حملتنا المحلية وهذه المجموعات
مارسي نيومان *
حققت الدعوة الفلسطينية إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التجارية (BDS) على إسرائيل نجاحات عديدة منذ إطلاقها، عبر حملات وأنشطة أنجزت في مختلف أنحاء العالم:
فقد استهدفت حملة «Derail Veolia» الشركة الفرنسية المخوّلة بناء سكة لقطار يصل بين مختلف مستعمرات القدس، فيما رفض تجمع الاتحادات التجارية في جنوب أفريقيا تفريغ سفينة تحوي سلعاً إسرائيلية. وفي الولايات المتحدة، أجبر طلاب «هامشبر» جامعتهم على سحب استثماراتها في إسرائيل، كما سحب صندوق التعويضات النرويجي استثماره من شركة الأمن الإسرائيلية «ألبيت»، بينما أقرت الاتحادات التجارية في بريطانيا قراراً بمقاطعة السلع الإسرائيلية، وأدت حملة عالمية ضد شركة الماس الإسرائيلية الأفريقية «ليف ليفييف» إلى سحب الاستثمارات الأميركية والنرويجية والإنكليزية منها. كما أسقطت شركة موتورولا فرعها اللاسلكي الإسرائيلي (MIRS) وصوّت اتحاد الموظفين العامين الكندي لمقاطعة إسرائيل. ورغم أن لائحة النجاحات ليست مكتملة، إلا أنها تمنح فكرة وافية عن مدى سرعة انتشار الدعوة خلال العام الماضي وحده.
في المقابل، شهد العالم العربي افتتاح محل «ليف ليفييف» في دبي، ومحل بيع الثياب الإسرائيلي الأردني Musa Garments»» المعروف باستغلاله العمال في مصنعه في إربيد، كما شهد تعاون شركة «Tek Signals» في إمارة أبو ظبي مع شركة «أوراد» الإسرائيلية للبث، فيما سجّل في لبنان (صيدا) استخدام شركة «IBC» لمعالجة النفايات الصلبة لمعدات من صنع الكيان الصهيوني، واستخدام محطة إرسال في الباروك لتجهيزات لاسلكية إسرائيلية. فالقوانين اللبنانية تحظّر التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أنه من الواضح أن هناك خروقاً في لبنان، كما في غيره من البلدان في المنطقة. وبما أن التطبيع مع إسرائيل ممنوع قانوناً في لبنان، فمن الطبيعي أن تركّز الدعوة إلى المقاطعة هناك على الشركات الأميركية والأوروبية التي تستثمر بكثافة في الكيان الصهيوني مثل مطاعم «ماك دونالد» و«برغر كينغ» وشركات مثل «جونسون أند جونسون»، «نستله»، «كوكاكولا»، «ستارباكس»، و«فيليب موريس/ منتجات كرافت». فهذه الشركات، مثل الاقتصاد الصهيوني عموماً، تجني أرباحها من أشكال متنوعة من الاستغلال.
هنالك أسباب كثيرة تدعو لمقاطعة الشركات المذكورة أعلاه، لا تبدأ باستغلال العمال والأرض ولا تنتهي بالمشاكل الصحية كداء السكري التي تسببها لدى مستهلكي منتجاتها. فانطلاقاً من الحالة الصحية للفرد، يجب أن تكون صحة الاقتصاد المحلي، البيئة، والعمال أدوات مهمة في حركة المقاطعة. لنتناول، مثالاً على ذلك، حالة أكثر الشركات شيوعاً في الدعوة إلى المقاطعة التي تتعلق مباشرة بموضوع الغذاء: نستله.
فشركة نستله قد تعرضت لضغوط خلال السنوات الأخيرة، لأسباب متنوعة. ففي الولايات المتحدة، تستخرج هذه الشركة مياه التجمعات الريفية وتلوّثها. وأخيراً، قاد سكان منطقة «مين» حملة ناجحة لكف يد شركة نستله عن مياه منطقتهم. وتبيع نستله مياهها في لبنان من خلال الاسم التجاري صحة، وفي الأردن من خلال اسم «غدير». إلا أن مشاكل نستله مع المقاطعة كانت قد بدأت قبل هذه الحملة بوقت طويل. فتاريخ الشركة في توظيف نساء يتنكرن كممرضات يشجعن نساء الجنوب الفقيرات على استخدام منتجهم من غذاء الأطفال بدل الإرضاع من الثدي بات أمراً معروفاً. فقد أدى استخدام المياه الملوثة مع تركيبة نستله للأطفال إلى مرض الكثير من الأطفال وإلى جفاف حليب أمهاتهم المرضعات. ورغم أن تلك المقاطعة قد استهدفت حصرياً تركيبة غذاء الأطفال التي تنتجها نستله، إلا أن قيام مصانع تلك الشركة على ركام قرى فلسطينية دمّرتها واحتلتها إسرائيل، كما هي حال مثيلتها كوكا كولا، يمثّل سبباً إضافياً للمقاطعة جميع منتجاتها بما فيها «نسكافيه» و«كوفي مايت» والشوكولا والحبوب التي تنتجها.
وتبرز أهمية متابعة حملات المقاطعة المتوازية هذه في تعزيزها النضال من أجل العدالة في فلسطين، من خلال توسيع نطاقه ليشمل النضالات المتعلقة بالبيئة والصحة والسيادة. فهي نماذج تستحق درسها والإفادة منها، والتنسيق مع الجماعات المسؤولة عنها عالمياً، واعتماد استراتيجيتها، في سياق تبادلي يتيح لجماعاتنا في العالم العربي إفادتها بالنضالات من أجل العدل في لبنان والمنطقة.
* أستاذة مساعدة في تدريس الأدب في جامعة عمان الأهلية