بغضّ النظر عن مضمون «الخطة الثلاثية» التي أطلقها وزير البيئة محمد رحال، أمس، فإن الخطوة بحدّ ذاتها تُعَدّ تطوراً لافتاً، يمكن البناء عليه، إذا ما صدقت وعوده بتبني الملاحظات التي ستتقدم بها الهيئات والأحزاب البيئية
بسام القنطار
أطلق وزير البيئة محمد رحال برنامج عمل وزارته للسنوات 2010/2012، من القاعة الخضراء في مقر الوزارة في وسط بيروت، التي تعهد البرنامج أن تصبح «محايدة كاربونياً». وتضمنت الخطة عشرة محاور سيجري التركيز عليها بالتنسيق والشراكة مع بقية الوزارات. وفيما فنّد البرنامج الوزارات المعنية بالشراكة، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تحقيق هذه الشراكة على أرض الواقع، التي ستصطدم بتضارب الصلاحيات وازدواجيتها، إضافة إلى المناكفات السياسية المتوقعة في المرحلة المقبلة، في ظل حكومة تمثّل مختلف الأطراف. كذلك فإن بعض المشاكل التي تقترح الوزارة حلولاً لها، مثل تلوث المياه الجوفية وجبال النفايات والاعتداءات على الأملاك العامة والتصحّر، قد باتت شبه مستعصية على الحل، لتراكمها وللكلفة العالية، لا بل الخيالية لمعالجتها، في ظل مديونية كبيرة، وموازنة يتوقع أن تعتمد استراتجية خفض الإنفاق.
يقع البرنامج في 4 صفحات، وقد حرص الوزير رحال على تلاوته حرفياً، بحضور المدير العام للوزارة، د. برج هتجيان، ومدير برامج الطاقة والمياه في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومستشار الوزير، إدغار شهاب. وعن مسار كتابة البرنامج، لفت رحال إلى أن فريق مكتبه التقني أعد المسوّدة، ثم أرسلت إلى المصالح والدوائر والموظفين، حيث تجاوب 65 في المئة من كادر الوزارة وعلقوا على البرنامج ووضعوا ملاحظاتهم. وعوّل رحال على دور وسائل الإعلام في إيصال البرنامج إلى الناس والجمعيات المهتمة للتعليق ووضع الاقتراحات وإرسالها إلى مكتب الوزير للأخذ بها، ومن ثم يُقَرّ البرنامج بصيغته النهائية ويصبح «برنامج عمل وطني للبيئة» مطلع الشهر المقبل.
في المحور المتعلق بتعزيز التفتيش البيئي وتطبيق الأنظمة والقوانين، يتعهد البرنامج العمل على استصدار مشاريع المراسيم والقرارات التطبيقية الأساسية لقانون حماية البيئة، ومنها تقويم الأثر البيئي للمشاريع. كذلك يتعهد درس الوسائل الأفضل لتعزيز التفتيش البيئي وتطبيق القوانين والأنظمة البيئية، مثل استصدار مشروع مرسوم الضابطة البيئية.
ويوصي البرنامج، في المحور المتعلق بالتكيّف مع تأثيرات التغير المناخي، بتفعيل دور وزارة البيئة باعتبارها السلطة الوطنية المكلفة متابعة بروتوكول كيوتو، وتحديداً تشجيع مشاريع آلية التنمية النظيفة في القطاعات كلها، وتطوير مشاريع التكيّف مع تأثيرات التغير المناخي على الثروات الطبيعية، والحثّ على رصد الموارد المائية، بما فيها الثلوج، كمّاً ونوعاً، وتطوير مفهوم مكافحة تلوث الأحواض عبر العمل على تطبيق ريادي في بحيرة القرعون.
وفي المحور المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، سيراجع البرنامج المواصفات والمعايير المتعلقة بملوثات الهواء وتعديلها حيث يلزم. إضافة إلى تحسين عمليّة القياس المستمر لنوعية الهواء. ويحثّ البرنامج على تحديث قطاع النقل المشترك والتشجيع على استخدامه من خلال المساعدة مثلاً في السعي إلى استبدال أسطول سيارات الأجرة بآخر موفر للوقود. ويفعل التدقيق البيئي، ويجعله إلزامياً للمؤسسات الصناعية. كذلك يوصي البرنامج بمتابعة دعم وزارة الطاقة والمياه في المبادرات الآيلة إلى توفير استخدام الطاقة وتشجيع الطاقة المتجددة، وتحديداً ما التزمه لبنان في قمّة كوبنهاغن من وضع خريطة طريق وطنية تهدف إلى تفير نحو 12% من طلب لبنان على الطاقة من مصادر الطاقات المتجددة، وذلك بحلول سنة 2020، والعمل على وضع أطلس الهواء في خطوة أولى في تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الطاقات المتجددة.
أما في المحور المتعلق بالإدارة المستدامة للأرض والتربة، فتعهد رحّال بمتابعة ترؤس المجلس الوطني للمقالع وتطبيق المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات وتعديله حيث يلزم، والبدء بإعادة تأهيل مواقع المقالع التي انتهى العمل فيها، والحثّ على الإدارة المستدامة للغابات، والتصدي لحرائق الغابات، وتحريج نصف مليون شجرة سنوياً ابتداءً من سنة 2011.
في المحور الخامس، المتعلق بالحفاظ على إرث لبنان الإيكولوجي، تعهد البرنامج استصدار مشروع القانون الخاص بالمحميات الطبيعية، وتفعيل السياحة البيئية، واستصدار المراسيم والقرارات التطبيقية لقانون الصيد البري، ومتابعة إجراء الدراسات والمشاريع الآيلة إلى تشخيص التنوّع البيولوجي. وقد أعطى رحال مثالاً على ذلك، إعادة تأهيل الحياة الإيكولوجية المائية عبر الاستفادة من الباصات القديمة التابعة لمصلحة النقل، كأحياد بحرية اصطناعية بعد إغراقها في البحر. وتضمن محور إدارة النفايات الخطرة وغير الخطرة، العمل على قوننة الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، ووضع خطة متكاملة لمعالجة المكبات العشوائية، والعمل على إنشاء محطة لمعالجة النفايات الخطرة. وتضمنت الخطة اقتراحات لدعم المنتجات الصديقة للبيئة، وتطوير فرص العمل في المجال البيئي، والسعي إلى تحسين بيئة العمل حفاظاً على السلامة المهنية، ومتابعة تفعيل وزارة البيئة عبر إعادة هيكلتها.
ويلاحَظ من بنود البرنامج الخمسين، أن الوزارة تعمدت التفصيل في بعضها، والبقاء على التعابير العامة في أخرى حساسة. ومن المثال على ذلك «إدارة النفايات المنزلية الصلبة»، حيث لم تُحَدَّد نوعية هذه الإدارة، وما إذا كانت ستتضمن «الحرق» الذي طُرح في عهد الوزير السابق طوني كرم، ولم يعرف إذا ما كان لا يزال مطروحاً في الخطة التي يفترض أن يقدمها لمجلس الإنماء والإعمار ومجلس الوزراء بالتشاور مع وزارة البيئة. كذلك فإنّ البرنامج تجاهل الحديث عن مطمر الناعمة الذي يستوعب حالياً 65% من نفايات لبنان، وقد استنفد طاقته الاستيعابية منذ أشهر، فيما لم يُستَفَد من غاز الميثان المتسرب منه لتوليد طاقة كهربائية متجددة، إضافة إلى تهرّب الحكومات السابقة من دفع التعويضات

البرنامج تجاهل الحديث عن مطمر الناعمة الذي يستوعب حالياً 65% من نفايات لبنان
للبلديات التي يقع المطمر في نطاقها العقاري. أما لجهة التعهد بالتحريج، فإن هذه الخطوة ينبغي أن لا تُتَعَهَّد قبل تقويم المرحلة السابقة الفاشلة، إضافة إلى تجاهل البرنامج الإشارة إلى مسوّدة استراتيجية لإدارة حرائق الغابات وضعتها جمعية «آي أف دي سي» ورفعت إلى مجلس الوزراء.
ومن اللافت أن التقرير تعهد تقديم مساهمات إلى هيئات لا تتوخّى الربح للقيام بنشاطات بيئية، علماً بأنّ التجارب السابقة غير مشجعة، حيث تتنازع هذه المساهمات الطوائف والمناطق وكانت باباً للهدر.
أما في ما يتعلق بتعزيز الموارد البشرية في وزارة البيئة، فإعلان الوزير قرب إصدار مرسوم لإجراء مباراة مفتوحة عبر مجلس الخدمة المدنية لـ20 وظيفة شاغرة في الوزارة، تزامن مع إعلانه أيضاً موافقة إحدى المنظمات الدولية على رفد الوزارة بعدد من الموظفين، ما يضع علامة استفهام حول آلية اختيار هؤلاء الموظفين. وواقع الأمر أن هذه الجهات الدولية تصنف بأنها ممولة لرواتب هؤلاء الموظفين الخيالية، وهي ليست كذلك، بل هي واجهة تعمل كوكالة توظيف نيابة عن الوزارات، وبمعزل عن مجلس الخدمة المدنية، وتجربة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في هذا المجال مثال صارخ في أكثر من وزارة.


مرامل عين دارة وسدها

من وسط بيروت إلى عين دارة، انتقل الوزير محمد رحّال، للاطلاع على عمل مرامل غير شرعية، قضت على نسبة كبيرة من أحراج الصنوبر المثمر في المنطقة. تحرك رحّال جاء على خلفية شكوى تقدمت بها «لجنة شباب عين دارة» التي تُعدّ لاعتصام ثانٍ الأحد المقبل استنكاراً للمرامل، ورفضاً لسدّ يخطط لإقامته في منطقة «عين المارغة» بالقرب من السهل الزراعي للبلدة. وبعد جولة ميدانية تخللها حوار مع أصحاب المرامل، أعلن رحّال أنّ فريقاً من الوزارة سيجري كشفاً على المرامل الاثنين المقبل تمهيداً لاتخاذ قرار نهائي بإقفال المخالف منها، والتعهد بمعالجة المناطق المشوهة.
بدوره، أكد روجيه حداد باسم شباب البلدة أن الاعتصام سيبقى قائماً إلى حين اتخاذ قرار نهائي بإقفال المرامل، والتراجع عن فكرة بناء السد من وزارة الطاقة والمياه، لأنه سيقضي على 51 هكتاراً من الأراضي الزراعية، إضافة إلى أن فكرة إقامته أعطت ذريعة لأصحاب المرامل لاستكمال جريمتهم بحق البلدة.