راجانا حميّةما مدى استعداد أي واحد منا لوهب أعضائه من أجل إنقاذ شخص آخر؟ يبدو من الصعوبة في مكان الإجابة عن سؤالٍ كهذا. الخوف أقوى من النطق بـ«نعم» أو «لا»، وإن كان الجواب الثاني أقرب إلى أيّ واحدٍ منا. لا أحد يجرؤ على الإقدام على خطوة بهذه الصعوبة. أما السبب؟ فيجيب نائب رئيس اللجنة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة، الدكتور أنطوان ستيفان، «لا أحد يتخذ قراراً إيجابياً بالوهب إلا إذا مسّته المصيبة». ثمة سبب آخر، أو أنه عائق ويتعلّق بـ«النقص الذي نعانيه في مجال ثقافة وهب الأعضاء»، يضيف ستيفان. لكن، هي ليست «أزمة توعية أفراد»، بقدر ما هي «أزمة توعية مجتمع يخلط في أحيانٍ كثيرة بين حملات الوهب وحملات تجارة الأعضاء».
لكل هذه الأسباب، تعدّل الهيئة الوطنية التابعة لوزارة الصحّة برنامج عملها بعض الشيء. فإضافة إلى حملات توعية الأفراد والدورات التدريبية التي تواظب على إقامتها منذ ثلاث سنوات، أطلقت الهيئة، بالتعاون مع الوكالة الإسبانية للإنماء الدولي، أمس، حملة أكبر وهي عبارة عن مشروع وطني لتنظيم الكفاءات والمؤهلات وتطويرها لدعم نظام وهب الأعضاء. بهذا المشروع تنتقل الهيئة من مجرّد التوعية العامة، إلى التخصص فيها من خلال العمل على ثلاثة أصعدة: الحكومات، المؤسسات والأفراد.
تحدٍّ لا بد منه. ويبدأ بإقرار قانونٍ واضح لوهب الأعضاء من خلال تعديل قانون عام 1983 الذي يفرض على كل جهة معنية التبليغ الإلزامي عن الوفيات الطبيعية وحالات الموت السريري. بعيداً من الحكومات، ثمة ما يتعلق بالمؤسسات، وتحديداً المستشفيات. وفي هذا الإطار، يتطرق مستشار مركز وهب وزراعة الأعضاء الإسباني، فان غلدر، للبرنامج التفصيلي للعمل على هذا الصعيد. يلفت غلدر إلى أن المشروع يستهدف 19 مستشفى خاصاً وحكومياً وقّعت تعهداً خطياً بسؤال أهالي المتوفّين وحالات الموت السريري عن مدى قدرتهم على التبرع بأعضاء موتاهم وتسجيل ذلك والتبليغ الهيئة الوطنية عنه، التي من المفترض أن تجتمع بعد ذلك مع الأسر.
وضمن هذا المشروع، يعمل فريقا الوكالة والهيئة على القيام بحملات توعوية تخصصية للجسم الطبي واللجان التي تم ويتم إنشاؤها داخل كل مستشفى لهذه الغاية. وتتخلل الجولة الأولى زيارة المستشفى والاطلاع على مدى استعدادها وأقسامها الطبية الخاصة ومعداتها. وتستهدف الزيارة الثانية تدريب الصحافيين خصوصاً وإقامة حملات التوعية على نطاقٍ واسع. أما الزيارة الثالثة في أيلول فهي لتقويم المشروع. وبالعودة إلى الأفراد، من المفترض أن تكثف اللجنة والوكالة حملاتهما للتوعية، مستندتين إلى 3 معايير: الإيمان وثقافة الوهب والدّين.
تحت هذه العناوين، يوسّع الفريقان مروحة نشاطاتهما، إذ يستهدفان للمرة الأولى طلاب الثانويات الرسمية من خلال إقامة نشاطاتٍ في المدارس، إضافة إلى العمل على إدخال هذا المشروع في المناهج التربوية. ودعا نقيب الأطباء، جورج أفتيموس، في حفل أمس، إلى نشر ثقافة الوهب وإنشاء آلية مناسبة للاستفادة القصوى من أعضاء الواهب وعدم تعرضها للتلف وإيصالها إلى المحتاجين من خلال سجل وطني جامع. من جهته، كشف ممثل وزير الداخلية والبلديات، العقيد شربل مطر، عن طلب الوزارة من هيئة إدارة سير الآليات والمركبات إدراج خانة واهب على رخصة القيادة لتسهيل العمل في ما بعد. أما وزارة الصحة، فقد لفت ممثل الوزير، الدكتور عماد الحاج، إلى أن الوزارة «وافقت على آلية معينة لتنفيذ عملية الوهب، وذلك من خلال القرار 1/65 الذي قمنا من خلاله بتعيين اللجان المختصة المكلفة الإشراف وتطبيق المراسيم مع تقويم لجميع المراكز التي ستعمل في مجال زرع الأعضاء. كذلك، لفت الحاج إلى أن عملية زرع الأعضاء ستكون مؤمّنة من جانب وزارة الصحة للمستشفيات التي تتبع المعايير العالمية، التي تبدأ بالموت الدماغي، مروراً بكيفية مواجهة أهل الواهب والموهوب وانتهاءً بكيفية حفظ الأعضاء وزرعها. يذكر أن المشروع يمتد على عام كامل ينتهي في أواخر تشرين الأول 2010.


لماذا إسبانيا؟

لم يقع الاختيار على دولة إسبانيا لمجرّد أنها تبرّعت بكلفة 60 مليون يورو من 139 يورو يحتاج إليها المشروع، بل لكون إسبانيا من الدول الأنشط في مجال هذا المشروع، وقد وصلت لتكون صاحبة النسبة الأعلى في العالم في أعداد الواهبين. ويبلغ عدد الواهبين فيها 35 حالة لكل مليون نسمة، فيما لا تزال النسبة في لبنان تراوح بين 1و2 في المليون. أما السبب الآخر، فهو أن الوكالة الإسبانية للإنماء الدولي تؤمّن الدعم اللوجستي والتقني والبشري لتدريب اللجان في المستشفيات والصحافيين والمشاركة في حملات التوعية.