وصار في لبنان «شرطة مجتمعية»، أمس أُقيم حفل تخريج ضباط، ودركيين خضعوا لدورة «إعادة تأهيل» في حضور السفيرة الأميركية. المتخرجون نحو 300، فكيف سيُترجم تدريبهم في ممارساتهم المهنية اليومية؟
محمد نزال
«الشرطي ليس بعبعاً. هو فرد من الشعب والمجتمع. لا نريد للمواطن أن يخاف منه، كما لا نريد أن تكون لدى الشرطي ثقافة قمعية، بل ثقافة مجتمعية»، هكذا لخّص المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي لـ«الأخبار» الهدف من دورات «الشرطة المجتمعية» التدريبية، التي يتابعها أفراد من قوى الأمن، ودورات إعادة تأهيل الدركيين المتعاقدين والمجنّدين.
تصريح ريفي جاء إثر انتهاء حفل تخريج 286 دركياً خضعوا لدورة «إعادة تأهيل»، إضافةً إلى 21 ضابطاً أنهوا دورة «الشرطة المجتمعية»، والدورتان ضمن برنامج تدريب الشرطة اللبنانية الذي ترعاه الولايات المتحدة.
تكاد الدورات التأهيلية للقوى الأمنية لا تتوقف، ولكن ما هي النتيجة؟ هل ثمة فوائد ملموسة على الأرض، أو تحسّن في السلوك الاجتماعي لأفراد قوى الأمن؟ لا ينفي اللواء ريفي في إجابته وجود «إرث ثقيل من المراحل السابقة. إرث يكمن في وجود هوّة كبيرة بين المواطنين ورجالنا، ونحن لا نخجل من مواجهة الواقع كما هو».
ماذا عن المعالجة؟ كرّر اللواء ريفي المقولة المعتادة بأن القوى الأمنية تعرف الأسباب التاريخية والتراكمية لهذه الأزمة «ونعرف أن علاجها يتطلب جهداً مميزاً لا يقل حجماً وكِبَراً، عن الجهد الذي بذلناه في مواجهة أعتى المجرمين والإرهابيين».
كما هي الحال منذ عام 2008، حضرت السفيرة الأميركية في لبنان ميشال سيسون، أمس، إلى معهد قوى الأمن في الوروار لتتابع حفل التخرج. ابتسمت للعسكريّين الواقفين في صف مرصوص، وبدت كمن ألِف المكان وحفظ تفاصيله. كما في كل مرّة، ذكّرت السفيرة بالهبة المادية التي قدمتها الحكومة الأميركية، البالغة 6 ملايين دولار، لتجهيز معهد الوروار بالمستلزمات، ثم توجهت إلى اللواء ريفي وقائد المعهد العميد عبد البديع السوسي، وقالت «نفتخر معاً بهذه الدورات التدريبية، ونؤكد التزام الولايات المتحدة بالدعم الكامل لمؤسسة قوى الأمن»، وهنا يُذكر أن الخبراء الأميركيين العسكريين دربوا 3193 من ضباط وأفراد قوى الأمن الداخلي، وهي المرة السادسة التي تحضر فيها سيسون حفل تخريج مماثلاً.
كان لافتاً حضور مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون المكتب الدولي لمكافحة المخدّرات وإنفاذ القانون، السفير دايفيد جونسون، وقد رحبت به السفيرة سيسون. تحدث جونسون في الحفل عن بيروت «الرائعة»، مشيراً إلى أن هدف بلاده من «الدعم» يتلخص في «توافر الأمان والخدمات الأساسية للشعب اللبناني، وهذا ما يسهم في تعزيز مصالحنا المشتركة الهادفة إلى مكافحة الجريمة والإرهاب»، وكان غريباً ربطه دعم أميركا لقوى الأمن الداخلي، بهدف «تسهيل عملية السلام والديموقراطية».
بعد ذلك، تكلم جونسون عن الدورات التدريبية والتأهيلية، وقال إنه خلال الدورة الأخيرة «لبّى العناصر متطلبات التدريب، الذي امتد على 10 أسابيع، والتدرّب على القيام بأعمال الشرطة بطرق ديموقراطية، أمّا الضباط، فتابعوا برنامج الشرطة المجتمعية، خلال 8 أسابيع تابعوا القيام بأعمال الشرطة والقيادة ومهارات المدرب، تلت ذلك 4 أسابيع من التدريب المكثف على القيام بأعمال الشرطة المجتمعية في معهد الشرطة الجنوبي في ولاية كنتاكي».

كان لافتاً حضور مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون المكتب الدولي لمكافحة المخدرات السفير دايفيد جونسون

بعد توزيع الشهادات، جال ريفي وسيسون وجونسون والعميد سوسي، على المنشآت الجديدة (قيد الإنشاء) في المعهد. ثم أقيم لقاء مقفل في «قاعة الشرف»، وجاء في بيان صادر عن القوى الأمن الداخلي أنه جرى خلاله عرض لمفاهيم ومبادئ الشرطة المجتمعية، وأن الملازم أول هشام مكاري (أحد متابعي الدورة) تحدث عن تطور مفهوم الشرطة المجتمعية، وأبعاد هذا المفهوم الفلسفية والاستراتيجية والتقنية والإدارية.
أخيراً، شكر ريفي السفير جونسون على وجوده «للإشراف على المساعدات الأميركية» في لبنان، كما شكر سيسون، مؤكّداً أن الانتقال من المرحلة التقليدية للشرطة إلى مرحلة الشرطة المجتمعية «أصبح حاجة ملحّة لا خياراً».
تعدّدت الآراء حول الدورة، بعض من تابعوها رأوا فيها خطوة مهمة ومفيدة لتطوير مهاراتهم، آخرون لم يجدوا فيها فائدة تذكر، أحدهم قال «أيّا دورة أيا بلوط يا شيخ، أنا دركي متعاقد ورح تخلص مدة تعاقدي بعد أشهر وبرجع على البيت. شو رح يستفيدو مني إذا ما بدن يثبتوني؟».
على أي حال لم يخلُ حفل التخرج من «لقطات» لافتة. خلال تسليم الشهادات للمتخرجين، أدى أحدهم (وهو دركي) التحية للواء ريفي، فيما تجاهل سيسون تماماً. زميل له لم يكفّ عن تكرار أن المدرّبين الأميركيين «ناس طيبون جداً، وكل شيء كان تمام».


بلا قيد أو شرط؟

تُثار قضية الدعم الأميركي لقوى الأمن في لبنان، حيث يطرح بعض المسؤولين والمتابعين السؤال عن «القيود السياسية» التي يمكن أن تنتج من هذا الدعم. كرّر المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، أمس تأكيده أن الدعم «غير مشروط ومن دون قيود». وأشار ريفي في حديث مع «الأخبار» إلى أن الأميركيين «يفعلون ذلك لمصلحتهم، من منطلق نظرتهم إلى أن القضايا الأمنية، والإرهاب، باتا أمرين عالميّين، ويؤثران في مصالحهم، كما هي الحال في قضايا المخدّرات في العالم». يُذكر أن العميد في الجيش الأميركي مارك كيميت، كان قد زار لبنان أوائل عام 2006، وجاء في تقرير صدر عن مركز «كارينغي» لدراسات الشرق الأوسط، أن كيميت حدّد هدف بلاده من برامج دعم قوى الأمن، فقال «في أذهاننا، هذا هو الجيش الذي سوف يضطر إلى أن يواجه عاجلاً أو آجلاً الجناح المسلّح لحزب الله».


ظلم؟

يشكو عدد كبير من المجنّدين المتعاقدين في قوى الأمن الداخلي، «سوء المعاملة التي يلقونها من جانب المؤسسة الأمنية»، وتحديداً في ما خص حقوقهم «المهدورة».
أحد المتخرجين بدا مهموماً أمس، ذكر بأن «سنوات التعاقد الخمس تشارف على الانتهاء»، وأنه تزوج خلالها وأنجب طفلة، ولا يعلم اليوم ماذا سيفعل بعد تسريحه. يركّز في شكواه على عدم إيفاء المؤسسة بوعدها في تثبيته لديها>
وأضاف إنه، كغيره من المتعاقدين، لم يُشمل بكل خدمات الضمان الاجتماعي والتقديمات الصحية. مسؤول أمني رفيع أكد لـ«الأخبار» أن حلّ مشكلة المجندين المتعاقدين سيبتّ قريباً، و«قد أصبح في عهدة الحكومة الجديدة».
وأشار المسؤول إلى أن «المسألة الآن لدى المسؤولين في الحكومة الجديدة، التي سوف تبتّ الأمر»، مذكّراً بصلاحية وزير الداخلية والبلديات لناحية تمديد مدّة تعاقد المجنّدين.