على نار هادئة تجري التحضيرات للانتخابات البلدية المقبلة في جزين. اتصالات غير رسمية، أسماء متعددة تتنافس على موقع الرئيس، شائعات عن تحالفات بين أطراف لا يجمعها إلا الرغبة في الانتقام من خسارة المعركة النيابية، بالإضافة إلى مشاريع اللحظة الأخيرة لاجتذاب الأهالي
كامل جابر
على الرغم من الطقس المتقلّب الذي يجعل من جزين شتاءً، مدينة هادئة، تسير فيها مجريات الحياة الاجتماعية والمعيشية والرسمية بوتيرة بطيئة، إلا أن التحضيرات لمعركة الانتخابات البلدية المقبلة، وجدت أرضية صالحة لها بعدما بدأت تنسج شباكها في أكثر من حيّ وبيت. انتخابات يتوقع أن تكون على شاكلة معركة الانتخابات النيابية، أو بالحدّ الأدنى متأثرة بنتائجها التي أطاحت حليف رئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب سمير عازار ولائحته، لمصلحة لائحة التيار الوطني الحرّ. فهل يردّ الخاسر «الصاع» من باب المجلس المحلي، أم يبسط الرابح نفوذه على مساحة يعتبرها حقه الطبيعي؟
اللافت أن النفي هو الإجابة التي يتلقاها من يحاول الاستفسار عن الاستعدادات والاتصالات القائمة تحضيراً للانتخابات، لكن الواضح أن كلّ الأطراف المعنية، سياسية وحزبية وعائلية، بدأت اتصالاتها على نار هادئة ومن «تحت الطاولة»، إذ تلوح في الأفق صورة تحالفات، غريبة عجيبة، قد تجمع هذه المرّة المرشحين المحسوبين على النائب السابق سمير عازار، مع مرشحي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» والنائب إدمون رزق، ربما في مواجهة مرشحي «التيار الوطني الحر» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي»، في وقت تتزايد فيه أسماء الطامحين لرئاسة البلدية الذين تجاوز عددهم السبعة.
أبو عقل على استعداد للتحالف مع كلّ الجهات الحزبية في المدينة
هذه المعلومات، التي أكدّتها بعض المصادر المعارِضة للبلدية الحالية، لم ينفها رئيس بلدية جزين المحامي سعيد أبو عقل. يقول أبو عقل: «بالنسبة للتحالفات، نحن بالمبدأ لا مشكلة لنا مع أحد، همّنا الوحيد الاستمرار في تأمين وجود مجلس بلدي معتدل يستطيع أن يحقق مصلحة جزين. الانتخابات البلدية استحقاق خدماتي محلي وليست باباً للثأر أو الانتقام أو ردّ الاعتبار». يضيف مؤكداً فكرته: «نحن مع أي فئة يمكن أن توفّر المعايير التي نؤمن بها. وضمن هذا الإطار، نحن على استعداد للتحالف مع كل الجهات الحزبية في المدينة وفاعلياتها، ولا شيء يقف بيننا».
أبو عقل، الطامح إلى مجلس معتدل، يعتزّ بتجربته من خلال قوله: «نعتبر أنفسنا تياراً معتدلاً يعمل على الأرض منذ أكثر من 40 سنة، ثم أرسى دعائمه النائب سمير عازار. هذا التيار استطاع على مدى تسع سنوات من عمر البلدية بعد التحرير، وبعد مجلس منحلّ منذ عام 1969، أن يقدّم للمدينة إنجازات كبيرة، وأن يؤمن الانسجام الداخلي في جزين وداخل المجلس البلدي، وأن يعيد للمدينة دورها السياحي والاصطيافي وحركتها الاقتصادية».
أما «التيار الوطني الحرّ»، الذي يعتبر أن القاعدة الشعبية الكبرى في جزين هي قاعدته «بدليل نتائج الانتخابات النيابية وحجم الأصوات التي نالها مرشحو التيار في مقابل النائب سمير عازار ولائحته»، بحسب أحد المناصرين، فلم يباشر بعد بأي اتصالات «رسمية» تترجم اهتمامه بالانتخابات البلدية وتحالفاتها. العبارة التي تتردّد في بعض الأوساط هي «أن الرابية ستكون على السمع»، ما يشير إلى أن انتخابات جزين البلدية تستحوذ اهتمام رئيس التيار النائب الجنرال ميشال عون شخصياً، وأنها ستُدار بالأسلوب عينه الذي أديرت به معركة الانتخابات النيابية في حزيران العام الماضي.
وإذا كان الأمر كذلك، يتوقع الطبيب ريمون عون، القريب من الحزب السوري القومي الاجتماعي، أن تأتي نتائج الانتخابات البلدية، «إذا كانت ترجمة للانتخابات النيابية محسومة النتائج لمصلحة التيار الوطني الحرّ». ولا يخفي خشيته من أن يُعامَل المجلس البلدي المقبل على قاعدة الانتقام السياسي، «من خلال التضييق في الخدمات والحصار السياسي»، آملاً أن تؤدي الاتصالات «إلى مجلس بلدي متجانس غير متنافر ويبحث عن قواسم مشتركة توحّد الناس».
عون يشيد بالبلدية الحالية التي «قدّمت أموراً كثيرةً، ويسجل لها العديد من المشاريع الإنمائية والخدماتية، لكنها في المقابل، لم تقم على ما يراعي التمثيل الاجتماعي، وبعض العائلات مُثّلت بما لا يقارن بالطاقات الموجودة فيها». يتابع: «كانت البلدية ذراعاً خدماتية وإنمائية لأحد الأطراف السياسية المحلية أكثر من غيره، ما سبب لها خصومات داخل المدينة، ظهرت بعض مفاعيلها في الانتخابات النيابية. أداء البلدية كان من أحد الأسباب التي ساهمت في سقوط سمير عازار، بسبب بعض حساباتها الضيقة».
يتابع الشرح: «هذه البلدية قدّمت مشاريع عامة استفاد منها كل الناس، لكن، في الخاص، كالاستثمار وتنفيذ المشاريع، تجاهلت قسماً من الأهالي والأطراف الأخرى، واعتبرتها غير موجودة. وجعلت من نفسها، كأنها الوصيّة على الناس، فعزّزت السياحة مثلاً وألغت دور الأندية والنشاطات الثقافية؛ مع أن الجيل الجديد في جزين يطمح للارتقاء بالعمل البلدي ليكون عاماً وشاملاً، وعلى الأقل، ألا تحكمه السياسة المحلية الضيقة».
مناصرو التيار الوطني: الرابية ستكون على السمع
ويرى متابعون لنشاطات البلدية أن «هذه النشاطات باتت، منذ انتهاء معركة الانتخابات النيابية، تصبّ في مصلحة التحضير للانتخابات البلدية». ويستشهدون بما قامت به البلدية، أخيراً، من تسمية 9 شوارع في المدينة «بأسماء بعض الوجوه العائلية التقليدية». ويعتبرون أن هذه الخطوة «ليست إلا محاولة استرضاء واستمالة لهذه العائلة أو تلك لتكون إلى جانبها في الانتخابات المقبلة، وخصوصاً أن بعض الأسماء التي أطلقت على هذه الشوارع، لم تقدّم للمدينة ما يستدعي إطلاق أسمائها على الشوراع».
وبالنسبة إلى كثيرين تعدّ قضية التسمّم التي ظهرت في جزين نهاية العام المنصرم، فاتحة المعركة الانتخابية. فنواب كتلة التغيير والإصلاح في قضاء جزين، زياد الأسود وعصام صوايا وميشال الحلو، كانوا قد تحدثوا في أيلول الماضي عن «الفلتان والممارسات المخالفة للقانون الحاصلة على مستوى الإدارة البلدية المحلية، القائمة على تعزيز المخالفين ودعمهم إرضاءً لجماعة على حساب مصلحة المجتمع الجزيني كوحدة متضامنة، وذلك تمريراً لمصالح انتخابية وشخصية خاصة وضيّقة لم يتعظ المنتفعون منها من نتائجها الكارثية على المجتمع ككل». وحمّلوا «بلدية جزين واتحاد بلديات جزين، بشخص رئيسهما، مسؤولية السكوت عن استمرار بيع اللحوم الفاسدة وتغطيتها والتغاضي عن الفاسدين والمنتفعين منها، لا سيما استعمال مسلخ بلدية جزين في تغطية هذه العملية».
النائب سمير عازار، إلى جانب رئيس البلدية والاتحاد سعيد أبو عقل، اعتبرا ما يجري «بداية لمعركة بلدية. فإطلاق مزاعم عن لحوم فاسدة وتلوّث في المياه عار من الصحة. أما عن اتهامنا بالفساد بالمال والتلزيمات والرخص وبيع المشاعات وغير ذلك، فنقول: إن بلدية جزين كانت منذ عام 2001 وحتى هذه اللحظة صفحة مفتوحة أمام الجميع من أصغر موظف فيها حتى رأس الهرم، وكذلك أمام كل مواطن جزيني».
النوّاب تحدثوا إذاً عن «مصالح انتخابية»، والردّ جاء باعتصام في دار البلدية ومسيرة نحو منزل النائب السابق سمير عازار، ما يشير إلى أن ما يجري بداية لمعركة بلدية، تبدو حاضرة بقوة منذ اليوم التالي لانتهاء الانتخابات النيابية التي حملت إلى جزين أكثر من لائحة تشير إلى احتدام الصراع السياسي ونفوذ القوى على عاصمة الاصطياف الجنوبي. أما شعار المعركة فهو: «إن لم يكن من خلال المجلس النيابي، فليكن من خلال المجلس المحلي... أو امتلاك الاثنين معاً»، تمهيداً للسيطرة على «الأرضية» التي بدأت تغلي منذ أشهر، وتحتدم اليوم في سبيل تكريس عاصمة مسيحية جنوبية لها الدور الفاعل في القائم من السياسة على مستوى الوطن.