لم تبلغ المحكمة عامها الأوّل حتى فقدت خمسة من كبار المسؤولين فيها. لكن اللافت في الاستقالة الأخيرة هو أنها كانت الأسرع، وهي الثانية للمنصب نفسه. فاستقالة تولبرت تأتي بعد أشهر قليلة على استقالة فنسنت. فهل الحبل على الجرّار؟
عمر نشّابة
لم تمرّ أسابيع قليلة على اكتمال اطّلاع الأميركي دايفد تولبرت على الملفات الخاصّة بوظيفته حتى استقال من مركزه الجديد رئيساً لقلم المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد عيّن تولبرت في المحكمة الدولية في 10 تمّوز 2009 على أن يباشر عمله في 26 آب 2009، أي منذ أقلّ من خمسة أشهر.
شغل تولبرت إذاً مركز رئيس قلم المحكمة بعد استقالة البريطاني روبين فنسنت من هذا المركز في 21 نيسان 2009. وتضاربت يومها المعلومات عن سبب الاستقالة. وتبيّن لاحقاً أن علاقة المدّعي العام الدولي الكندي دانيال بلمار بفنسنت كانت وراء استقالة هذا الأخير. غير أن بلمار رفض التعليق على ذلك، وأكّد أن علاقته بسائر المسؤولين والموظفين في المحكمة تحكمها القواعد المهنية.
لكن استقالة فنسنت لم تكن الوحيدة التي شهدتها المحكمة منذ انطلاقها في الأول من آذار 2009، ولم يكن واضحاً لدى المتحدثين باسم المحكمة أمس ما إذا كانت استقالة تولبرت هي الأخيرة.
استقال تولبرت ليتولى منصب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية
فبعد استقالة مقرّر المحكمة الدولية البريطاني روبن فنسنت في 21 نيسان 2009، وأحد أبرز قضاتها هاورد موريسون في 14 آب 2009، والمتحدثة باسمها الفلسطينية سوزان خان في 6 آب 2009، جاء دور رئيس المحققين في مكتب المدعي العام الدولي الأوسترالي من أصل مصري نيك (نجيب) كالداس يوم الخميس الفائت (7 كانون الثاني) الذي سيغادر لاهاي في 28 شباط المقبل. وكانت «الأخبار» قد طرحت أسئلة عن أسباب الاستقالات الثلاث، لكن الأجوبة التي جمعت من رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي ومن مسؤولين آخرين في المحكمة، جاءت متناقضة، وخصوصاً بشأن استقالة فنسنت. فكاسيزي قال لـ«الأخبار» في 22 نيسان 2009 إن الأسباب «شخصية وعائلية»، بينما أكد مسؤولون آخرون، بينهم فنسنت نفسه، أن الأسباب مهنية وتتعلّق بخلافات بينه وبين المدعي العام الدولي الكندي دانيال بلمار. وشرح مكتب التواصل في المحكمة أن استقالة خان جاءت بسبب اضطرارها إلى الانتقال مع عائلتها إلى لندن. أما بخصوص استقالة موريسون وانتقاله إلى المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، فلم يصدر رسمياً عن المحكمة أي تفسير.
البيان الذي صدر أمس عن المحكمة ذكر أن دايفد تولبرت استقال ليتولّى منصب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وهي منظمة دولية رائدة في مجال حقوق الإنسان، مقرّها في نيويورك. وشرح أن الاستقالة ستدخل حيّز النفاذ في 1 آذار 2010.
أما تولبرت فصرّح بأنه «فخور بالتقدّم الممتاز الذي أحرزناه عبر تثبيت مسار المحكمة الخاصة بلبنان، وسأبقى ملتزماً بمهمتها على صعيد شخصي». وأضاف «سوف يتيح لي منصبي الجديد متابعة حياتي المهنية في بلادي بعدما قضيت سنوات عدة في الخارج».
وذكر بيان المحكمة أنه خلال تولّي تولبرت منصبه «تطوّر قلم المحكمة الخاصة بلبنان ليصبح جهازاً إدارياً قوياً عاملاً على أكمل وجه ومستعداً لدعم الأنشطة القضائية للمحكمة بفعالية وكفاءة. وقد تمّ إقرار ميزانية المحكمة لعام 2010 وجُمعَت الأموال إلى حدّ كبير. أما أعمال البناء في قاعة المحكمة فستُنجز بحلول موعد مغادرة رئيس القلم. وتمّ وضع البنية التحتية لدعم الأنشطة القضائية ولا سيما مسائل بالغة الأهمية كآليات حماية الشهود ونظام إدارة المحكمة».
أما المدعي العام بلمار فقال: «أشعر بالأسف الشديد لمغادرته المحكمة وسأفتقده زميلاً وصديقاً. ولي ملء الثقة بأن المجتمع الدولي سيستفيد من التزامه وتفانيه في تعزيز سيادة القانون في كل أنحاء العالم».
من جهته، قال رئيس مكتب الدفاع الفرنسي فرنسوا رو أن «على المحكمة أن تشعر بالفخر لحصول أحد كبار مسؤوليها على هذه الفرصة المميزة».
بدوره، أسف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في بيان صدر عنه أمس، «لرحيل تولبرت الذي قرّر العودة إلى الولايات المتحدة سعياً لمتابعة مسيرته المهنية (to pursue his career)».


رياشي باقٍ

أوضحت المحكمة الدولية، أمس، أن تقاعد القاضي رالف رياشي من القضاء اللبناني «لا يؤثر إطلاقاً على تعيينه ومهامه قاضياً في المحكمة الخاصة. فوفقاً للمادة 9، الفقرة (1) من النظام الأساسي للمحكمة، يجب على قضاة المحكمة الخاصة بلبنان استيفاء الشروط الآتية: «أن يكونوا أشخاصاً على خلق رفيع، وأن تتوافر فيهم صفتا التجرد والنزاهة»، وأن يتمتعوا بـ«خبرة قضائية واسعة وبالاستقلال في أداء مهامهم». ولا تفرض أحكام الاتفاق المبرم بين الأمم المتحدة ولبنان والنظام الأساسي للمحكمة «أن يعمل قضاة المحكمة (سواء كانوا دوليين أو لبنانيين) في نظام قضائي وطني». فضلاً عن أنه في ما يتعلق بآلية التعيين، وفقاً للمادة 2، الفقرة (5) من الاتفاق، «يُعيّن جميع القضاة (الدوليين واللبنانيين) بناءً على توصيةٍ من فريق اختيار مؤلف من قاضيين دوليين ومن ممثل للأمين العام، وذلك من ضمن لائحة بأسماء القضاة اللبنانيين يقدمها مجلس القضاء الأعلى اللبناني إلى الأمين العام».