بعد تحضيرات دامت شهرين، عقد الحزب التقدمي الاشتراكي مؤتمر «دعم الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان». غاب رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني خليل مكاوي عن الجلسات والسبب غير معروف، وإذا «بدّك تعرف ليش اسأل السنيورة»!
قاسم س. قاسم
كان من المقرر أن يلقي السفير خليل مكاوي كلمة لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «دعم الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان»، الذي عقد أمس في فندق البريستول، بحسب ما جاء في البرنامج الذي وزع قبل بدء أعمال المؤتمر. حضر لقاء البريستول جميع القوى السياسية اللبنانية والفلسطينية، إلا رئيس لجنة الحوار والقوات اللبنانية. غياب مكاوي دفع العديد من المشاركين إلى القول بأن أزمة مطالبة الحزب التقدمي الاشتراكي بتولّي الوزير وائل أبو فاعور وزارة شؤون تعنى بالملف الفلسطيني دفعت مكاوي إلى الاعتكاف، معتبرين أنه «ماخد عخاطرو من وليد بيك»، كما قال أحد المطّلعين على ملف تأليف الوزارة. لكن التعليقات لم تقتصر على التحليلات فقط، بل دعمت بشواهد من أحاديث سمعوها خلال لقاءاتهم مع بعض المسؤولين اللبنانيين الذين يعتبرون من «حلفاء جنبلاط في المرحلة السابقة». فينقل أحدهم عن إحدى الشخصيات الصيداوية الشابة أنه لو وجدت وزارة تعنى بشؤون الفلسطينيين فإنها لن تكون لمن «يتذكّر فلسطين عندما يريد وينساها متى يريد»، مضيفاً أن الوزارة «لن تكون بيد درزي بل بيد سنّي». يرد الممثل السابق للجنة الحوار، زياد الصايغ، بسؤاله عن سبب غياب مكاوي؟ يجيب بأنه «يجب التوجه بهذا السؤال إلى مكاوي نفسه». ويؤكد الصايغ أنه يحترم السفير «كثيراً وعلاقاتي جيدة معه»! وبما أن جواب الصايغ «دبلوماسي» ولن يشفي الغليل، ويزيد الطين بلّة قول أحدهم: «لازم تسأل السنيورة ليش ما حضر السفير، هو عنده الجواب». هكذا، اتخذ الملف الإنساني الفلسطيني، المتفق على تحسينه، طابعاً مذهبياً في اللعبة الداخلية اللبنانية، ما دفع الحزب الاشتراكي إلى التسليم بفكرة تخلّيه عن وزارة للشؤون الفلسطينية. لكن ذلك لا يعني «عدم اهتمامه بالشؤون الاجتماعية للاجئين»، قال أحد المشاركين. هكذا، اقتصرت كلمات الافتتاح على رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، المدير العام الأونروا في لبنان سلفاتوري لومباردو وممثّل سفارة فلسطين أشرف دبور. رأى لومباردو هذا اليوم فلسطينياً بامتياز، وأن إقرار الحقوق المدنية للاجئين «قضية ليست ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى الفلسطينيين فحسب، بل إنها جوهرية من أجل الاستقرار والازدهار في لبنان»، مضيفاً أنّ «دعم إعطاء الفلسطينيين في لبنان الحقوق الأساسية، ولا سيما الحق في العمل، يجب أن يكون منفصلاً تماماً عن النقاش بشأن حل سياسي متجسّد في حق العودة.
ودعا دبور إلى «منح اللاجئين حقوقهم الإنسانية والاجتماعية والمدنية»، مؤكداً أن «منح الفلسطينيين في لبنان حقوقاً إنسانية واجتماعية ومدنية، لا يعني على الإطلاق توطينهم، الأمر الذي يستخدمه البعض مبرراً لعدم الموافقة على إعطاء هذه الحقوق ليخلص عملياً، سواء عن قصد أو غير قصد، إلى صيغ مضمونها الهجرة والتهجير إلى دول العالم. وهو نوع من الترحيل المتدرج». وإذ دان جنبلاط المستوى المتدني الذي انحدر إليه بعض الكتاب العرب، دعا إلى مغادرة «الانسحاق الفكري» والنظر «بموضوعية إلى قضية حق العمل، حق التملك ولو بطريقة من الطرق، ولو بطريقة من الطرق الإنكليزية «ليز» أي إيجار الأرض على مدى طويل إلى أن تعود فلسطين من أجل أن يتمتع هذا اللاجئ الفلسطيني بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية». وتطرق جنبلاط إلى محاولة اللقاء الديموقراطي بأن «يكون موضوع الشعب اللاجئ الفلسطيني مرتبطاً بوزارة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين وليس بمصلحة الشؤون الفلسطينية فحسب، ولكن الحزب التقدمي الاشتراكي عندما رأى قطيع الذئاب ينقضّ عليه، ورأى البعض أن القضية الفلسطينية قضية فلسطينية تراجع عن هذا المطلب، (فالحزب) لا يريد أن يدخل في وادي الذئاب «كفانا جل البحر». وطالب بـ«إعطاء اللاجئ الفلسطيني الحد الأدنى من الكرامة وحق العمل وإعادة النظر بكيفية بناء المخيمات أو إعادة ترتيب البنى التحتية في المخيمات، ربما البناء العمودي وحق التملك بالصيغة التي تلائم الجميع كي نخرج من دوامة لا للتوطين وتبقي الفلسطيني في هذه الحالة من البؤس واليأس وما أدراكم ما ينتج من ذلك».
وكشف جنبلاط لـ«الأخبار» أن الهدف من المؤتمر «هو على الأقل اعتماد صيغة الإجماع على أنه قد آن الأوان لإعطاء الحقوق المدنية للفلسطينيين»، وأكد ضرورة إعادة النظر بقانون التملك، قائلاً: «كان بدهم يبيعوا جبل صنين، وما كان عندهم مشكلة». أما الوزير وائل أبو فاعور فقد قال لـ«الاخبار» إن «المؤتمر هو لتقريب وتوحيد وجهات النظر المتناقضة بين الأحزاب اللبنانية على حق الفلسطيني بالمعيشة الكريمة». ولدى سؤاله عن وزارة الشؤون الفلسطينية أجاب ضاحكاً: «ذئاب، ما سمعت وليد بيك شو قال ذئاب هجموا
علينا».
انتهت الكلمات ليبدأ «الشغل»، فانعقدت الجلسة الأولى حول الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين وتحديداً حقَّي العمل والتملك. فتحدث وزير العمل بطرس حرب الذي توقف عند ما جاء في «البيان الوزاري لحكومتنا، وما جاء في اتفاق الطائف، فإن الحكومة اللبنانية تواصل العمل على صعيد توفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين في لبنان».

جنبلاط: عندما رأينا قطيع الذئاب ينقضّ علينا تراجعنا عن مطالبنا
وعرض النائب روبير غانم «الموجبات السياسية والقانونية لإقرار الحقوق الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين على نحو موضوعي وقانوني وعقلاني يؤدي إلى احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية التي تعلو على أي نص قانوني وضعي لكونها تنبثق من شرعة الأمم المتحدة والجامعة العربية اللتين كان لبنان من واضعي أنظمتهما». وتناول الزميل صقر أبو فخر المشاكل التي يعانيها المجتمع الفلسطيني من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، إلى الوضع المعيشي داخله، طالباً «عدم العودة قبل عامي 69 أو 82».
أما في الجلسة الثانية، وتحت عنوان حق العودة وتنظيم العلاقة اللبنانية الفلسطينية، فقد غرّد النائب السابق سمير فرنجية خارج السرب عندما رأى أن «التوطين استخدم منذ عام 90 لتبرير بقاء القوات السورية في لبنان، واستخدم بعد التحرير في عام 2000 لتبرير عدم إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب، واستخدم بعد 2005 لتبرير استمرار السلاح خارج الدولة».
وفي الجلسة الأخيرة، تحدث زياد الصايغ بصفته خبيراً في الشؤون الفلسطينية، وعرض مروان عبد العال ملف نهر البارد، فذكّر بضرورة إعادة إعمار المخيم، وما تم إنجازه حتى الآن. وفي ختام المؤتمر، أقرت التوصيات بتفويض الحزب الاشتراكي تأليف لجنة متابعة للتنسيق مع الكتل اللبنانية.


التوصيات

أوصى المؤتمر برفع مسألة الحقوق المدنية لأبناء الشعب الفلسطيني إلى مستوى القضية الإنسانية وإخراجها من دائرة التجاذبات السياسية؛ والتعامل مع هذه القضية كواحدة من المسائل الوطنية؛ وتفعيل مؤسسات الدولة وأجهزتها الإدارية والإنمائية بالتعاون مع الأونروا؛ السعي لتعديل الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون 296 (قانون التملك) بحيث يُمكّن الفلسطيني من تملك شقة سكنية على الأراضي اللبنانية مع تمكّنه من تسجيل الحقوق العينية العقارية المتعلقة إرثاً. السعي لتعديل المادة 59 من قانون العمل بحيث يعفى الأجراء الفلسطينيون من شرطَيِ المُعاملة بالمثل وإجازة العمل. يدعو المؤتمرون إلى عدم استثناء المرأة اللبنانية المتزوجة من فلسطيني من حق إعطاء الجنسية لأولادها. ودعا المؤتمرون إلى الإسراع في معالجة قضية نهر البارد؛ وفوّض المؤتمر قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي استكمال الاتصالات لتأليف لجنة متابعة لبنانية لإعداد مشاريع التعديلات على القوانين وطرحها على المجلس النيابي.