راجانا حميةتسأله بلغةٍ فرنسية أنيقة: «vous avez dormi hier joe?». يأتيها الجواب «jamais». كانت تنتظر المرأة منه هذه العبارة الصغيرة، وربما لو سمعت العكس لاستغربت، فهي أيضاً لم تنم أيضاً ليل البارحة، كما هي حال جيرانها الذين تجمعوا أمس في مكتب وزير السياحة فادي عبّود، بناءً على طلبه، من أجل الحديث عن «أزمة نومهم»!
هم أبناء الجميزة. المدينة المسكونة بمئات الحانات والملاهي الليلية التي لا تشعر أبداً بالنعاس، ولا تسمح لأحدٍ أيضاً بأن يشعر به. هيجان حتى ساعات الصباح الأولى وتسونامي صراخ وضجيج، فقد معه السكان، الباقون على كلّ حالٍ فيها، القدرة على التحمل. ما عاد هؤلاء يقيسون الوقت بساعة اليد، بل بقدرتهم على الصبر. وها هم يفقدون الصبر ليحلّوا ضيوفاً في وزارة السياحة للمطالبة بحلٍّ عادل يبقيهم في المنطقة، ويحافظ على الوجه السياحي للبنان. حلّ يخلّصهم من حمل وساداتهم فجراً أمام منازلهم، محتجّين عن حقّ، على صعوبة الاستمرار في العيش والنوم داخل منازلهم. هكذا، كانت جلسة أمس مع عبّود للبحث في الحلّ الملائم، إضافة إلى إعادة تفعيل قرار تحديد أوقات السهر في المنطقة الذي كانت قد اتخذته الوزارة قبل سنتين. ثمة ما هو مطلوب أيضاً من الاجتماع، فالوزير عبود أراده جلسة نقاش للاطلاع على اقتراحات الأهالي، لا معاناتهم فقط، وإطلاعهم بالتالي على اقتراحات أصحاب الملاهي والحانات و«السياحة» أيضاً. لذا، لم يكن مطلوباً من اللقاء أن يكون مفتوحاً: الوزير وأصحاب القضيّة فحسب. لكن، قبل تلك «الخلوة» التي استمرّت نحو ساعة، أطلق الوزير ثلاثة وعود: الوعد الأول رسالة «إلى الجميع» بأن «أهالي الجمّيزة لن يخرجوا من منطقتهم لأنهم ليسوا المعتدين ولا مجال لتحويل المنطقة إلى منطقة للسهر فقط». أما الوعد الثاني فهو «إما الحلول المناسبة أو اللجوء إلى القانون لقمع المخالفات، فنحن لسنا ضد الاستثمار لأنه مقدّس، لكن استثمار على الأصول وباحترام». وفي الثالث، لفت الوزير إلى «أن وزارتي السياحة والداخلية ستتابعان الموضوع ووضع بعض الخطط كأن يكون هناك مواقف للسكان ويُعطوا بطاقات خاصة بها، على أن تتعهد قوى الأمن الداخلي بتنفيذ الخطة وحرمان غير الساكنين من ركن سياراتهم هناك».
فتح الوعد الأخير شهيّة أبناء الجميزة لطرح بعض الحلول، كأن تُستغل مواقف عامة مثل محطة شارل حلو وساحة البرج لركن السيارات وتحويله شارعاً للمشاة، لا لركن السيارات.
لكن ثمة من يرفض الاكتفاء باقتراحات قد لا تدوم طويلاً، كما تحديد أوقات السهر، قثمّة ما هو مطلوب من خارج حدود الجميزة. مطلوب من الدولة التدخل، «فالمسؤولية لن نلقيها على كاهل أصحاب المقاهي ولا السكان، فنحن السكان كما نحن أصحاب المقاهي، ولكن الدولة غريبة ومطلوب منها التحرك وتطبيق القوانين فقط»،

طرح أبناء الجميزة فكرة استخدام محطة شارل الحلو كموقف لللسيارات
يقول رئيس جمعية إنماء الجميزة، النقيب جوزف الرعيدي.
يورد الرعيدي جزءاً من الاقتراحات التي نوقشت مع عبود، «وهي اقتراحات مطروحة منذ خمس سنوات»، يقول. وتتعلق هذه الاقتراحات بـ«إلغاء مواقف السيارات في الجميزة، إلا تلك الخاصة بالأبنية السكنية ونقلها إلى محطة شارل حلو وتطبيق القانون من خلال الكشف على المقاهي المنتشرة والتأكد من رخصها وشروطها الصحيّة». ويدعو الرعيدي عبود إلى إقفال «الملاهي غير المرخصة، ومنها التي تفتقر إلى حمامات وما أكثرها هناك، على الأقل لتخليصنا من الروائح المقززة أمام مداخل بيوتنا وتحديد أوقات السهر، على ألا تتعدى الثانية عشرة ليلاً في الشوارع المأهولة». لكن، رغم هذا، لا يأمل الرعيدي شيئاً، كما هي حال الأهالي جميعاً. أما السبب؟ فهو «الوضع السياسي الصعب في البلد، فإذا جاء المسؤول فلان وقال للوزير هيدا محسوب علينا، ويمكن توصل لرئيس الجمهورية». إن كانت هذه التوقعات، فماذا عن زيارة عبود؟ يجيب الرعيدي «لأنه وزير جديد والأهالي متحمسون... ولأنه دعانا، لا أكثر ولا أقل».