البارد ــ إيلي حنايصل مصطفى إبراهيم قبل موعد اللقاء بنصف ساعة، متأبطاً ملفاً ثقيلاً بدا محشوّاً بالأوراق والوثائق. لم ترتسم على وجه إبراهيم أي علامات يأس أو إرهاق جرّاء الأمطار الغزيرة المنهمرة على رأسه أو الوحول التي غرق فيها نعلاه، فهو ينتظر بلهفة بدء اللقاء الحواري مع تشارلز هيغنز، مدير مشروع إعمار مخيم البارد الذي وقّع بيده في بداية السنة قرار توقيف بدل الإيجار والحصة الغذائية عن «كل ربّ عائلة من غير الفلسطينيين كان يسكن في المخيم بالإيجار». يقطن إبراهيم اليوم في منطقة البداوي بعد تدمير منزله في حرب المخيم وتعرضه للإصابة جراء القصف، «أنا لبناني الأصل، لكن زوجتي فلسطينية، وأنا ابن الثورة وأُصبت مرات عدة، فهل يجوز أن أُحرم بدل الإيجار مع أن أثاث البيت أُحرق ومعه كل مدخراتنا؟»، يقول أبو الأطفال الستة متحسراً كاشفاً عن إصاباته في اليد والظهر، الحائلة دون قيامه بأي عمل.
في تمام الثانية ظهراً، يصل هيغنز وفريق عمله الفلسطيني معلناً إطلاق سلسلة اللقاءات الحوارية التي تنظّمها الأونروا مع أهالي مخيم نهر البارد. غصّت القاعة بأهالي قطاعات C,D,E المستهدفين في هذا اللقاء، إذ دأبوا على الإنصات إلى كلام هيغنز المترجَم، وبعدها التعليق في ما بينهم على ما ذُكر عند معاودته الكلام بالإنكليزية. عشرون دقيقة، سرد فيها نجاحات الأونروا وتطلُعها لتقديم إصلاحات للخدمات التعليمية والصحية، مع تأكيد هدفها الحالي المتمثّل بـ«إعادة التواصل والثقة مع المجتمع المحلي وجدية الإعمار وتسارعه». لم يكد هيغنز يُنهي كلامه، حتى أشبع الحاضرون يأسهم بسيل من المداخلات صبّت جميعها في خانة «مشاركة الأونروا في خنق الفلسطينيين، ومؤامرة تقليص خدماتها تدريجياً». لعلّ مداخلة جهاد لوباني كانت الأقسى والأكثر تعبيراً حين توجه لهيغنز قائلاً: «أنت مرحب بك شخصياً، لا بما تمثله»، مضيفاً: «قسم التوظيف مجرم في الأونروا، والفساد والمحسوبيات ظاهرة للعلن». تتابعت الحكاية، سؤال وهجوم من جهة، مقابل جواب وتبرير من الممثل الدوليّ. يحاول أحد الحاضرين الكلام على إحدى النقاط، فيسمع سيلاً من الأصوات من خلف تقول: «احكِ عن الهبات، احكِ عن البرايم A، احكِ عن التعاقد مع صيدلية في البداوي، عن التصاريح المذلّة...». يأخذ هيغنز المبادرة ويسوق كلاماً عن «ضرورة فتح صفحة جديدة بين الأونروا والأهالي»، مستعملاً كلمة «الواسطة» بالعربية عدة مرات. لم تكد تباشر المترجمة كلامها، حتى همس مسنّ في محضر جواره قائلاً: «عندهم 100 حجّة، ما أشطرهم بالتبرير». تواصل انسحاب الموجودين تباعاً، حتى خلت القاعة إلا من الصف الأمامي، دقائق وانتهى اللقاء، فيما حاول بعض الأشخاص الاستفسار عن مشاكل يعانونها مع أعضاء اللجنة، بينما وقف مصطفى إبراهيم وحيداً بعدما أحيلت قضيته «على ملف الحالات الخاصة» لدرسها. سيعود إبراهيم إلى منزله خائباً يبحث عن حجة جديدة يرويها للمالك لتأخره بدفع الإيجار.


«كاش» بدل الإعاشة

تتخذ إدارة الأونروا سلسلة خطواتٍ عملية تتعلق بالإعمار وبالخدمات الصحية التعليمية. ففي ما يخص الإعمار، طمأنت الأونروا إلى أن الأموال الموجودة تكفي لإعادة إعمار الرزمتين الأولى والثانية وجزء من الثالثة، مشيرة إلى أنها «تخدمنا لغاية أيلول المقبل، تاريخ عقد مؤتمر المانحين». وعلى صعيد الخدمات الطبية، أطلقت الأونروا مبادرة جديدة، «هي تغطية نفقات الحالات الطارئة لأبناء المخيم». وهي المرة الأولى التي تشمل التغطية هذه الناحية. أما الخبر البارز، فهو أن الأونروا ستستبدل في وقتٍ قريب المساعدات الغذائية بمساعدات أخرى نقدية، وذلك لتحريك السوق الفلسطينية وإنقاذها من ركودها، إضافة إلى منح حرية التصرف لأبناء المخيم باختيار ما يحتاجون إليه، من دون أن يُفرض عليهم.