رامي زريقتكمن صعوبة تطوير القطاع الزراعي في التناقضات الأساسية التي تحيطه والتي تجسدها مدرستان فكريتان متعاكستان، تنظر إحداهما إلى الزراعة على أنها عملية استثمار رأسمالية بحتة، تمثّل فيها الموارد الطبيعية والعمل البشري جزءاً أساسياً من رأس المال، ويحوّل فيها المستثمر رأس المال إلى سلع تجارية يحقق بيعها أرباحاً تتنافس مع الاستثمارات في قطاعات أخرى كالخدمات أو الصناعة. مقاربة تستتبع النظر إلى الغذاء على أنه سلعة أخرى موجودة في الأسواق العالمية قد تُستورد بدلاً من إنتاجها، وهذا على أساس حسابات مالية ضيقة لا تأخذ بعين الاعتبار النوعية والأبعاد الاجتماعية والبيئية. أما المدرسة الثانية، فهي تفترض أن للزراعة، وخاصة تلك التي يمارسها صغار المزارعين ومربو المواشي، أبعاداً تفوق بأهميتها إنتاج السلع الغذائية، وتتعلق بحماية المجتمع والبيئة. فالزراعة، إذا ما أُحسنت إدارتها، تستطيع أن تكون عاملاً أساسياً في الحفاظ على الموارد الطبيعية من تنوع بيولوجي، ومياه وتربة وغابات، بالإضافة إلى دورها في تدعيم المجتمع الريفي الذي يمثّل مصدراً هاماً للثقافة المحلية. لهذه الأسباب، نجد أن البلدان التي تهتم بسيادتها الغذائية وبحماية بيئتها وتراثها لا تتردد في دعم زراعتها بالرغم من توقيعها اتفاقيات تحرير الأسواق. وتلعب الزراعة في بلادنا، وخاصة في جنوب لبنان وفي فلسطين المحتلة، دوراً أساسياً آخر، هو التصدي للمستعمر والمحتل والمعتدي. فإذا غابت الزراعة هاجر المزارعون، تاركين أرضهم للغزاة على أنواعهم. لهذه الأسباب يجب النظر إلى الزراعة على أنها جزء أساسي من أي استراتيجية دفاعية وطنية تماماً مثل المقاومة والجيش. وهل يطلب أحد من الجيش أو من المقاومة تحقيق أرباح مالية تقرر ميزانيتهما؟!