تعدّ مخطوطات البحر الميت من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن الماضي. فهي أقدم نصوص العهد القديم المعروفة، وكانت الأردن تعرضها في متحف القدس إلى أن استولت عليها إسرائيل وادّعت ملكيتها لها. الأردن بادر بطلب رسمي لاستعادة المخطوطات، ما يزيد التوتر السياسي بين البلدين
جوان فرشخ بجالي
صعّد الأردن خلال الأيام الماضية وتيرة الخلاف مع إسرائيل بشأن ملكية مخطوطات البحر الميت. فالمملكة الهاشمية قد طلبت رسمياً من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) التدخل لدى إسرائيل من أجل إعادة المخطوطات التي كانت الدولة العبرية قد استولت عليها بعد احتلال القدس الشرقية 1967، وشاركت بقسم منها في معرض في متحف أونتاريو الملكي (كندا). وقال الناطق الإعلامي باسم دائرة الآثار الأردنية، رافع الحراحشة، إن «الأردن تقدم بالطلب لدى منظمة اليونسكو مرتكزاً على مبدأ أن الاستيلاء على إرث أي دولة هو خرق لاتفاقيات لاهاي الموقعة عام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية خلال النزاعات المسلحة التي وقّع عليها البلدان».
ملكية مخطوطات البحر الميت أعيدت إلى الواجهة بعدما قرر متحف أونتاريو إقامة معرض عن تلك المخطوطات، وطلب من إسرائيل والأردن المشاركة. سارعت الدولة العبرية إلى القبول، وأرسلت ست عشرة مخطوطة من المجموعة المعروضة في متحف القدس. أما الأردن، فقد رفض المشاركة، لأن المخطوطات التي تشارك بها إسرائيل مسروقة من القدس بعد حرب 1967. ولم تتوقف القضية هنا، فالسلطة الفلسطينية والمملكة الهاشمية تقدّمتا بطلب رسمي إلى الخارجية الكندية طالبتين منها أولاً عدم إقامة المعرض، ثم إعادة المخطوطات إليهما، التزاماً بالجانب الأخلاقي والمعاهدات والمواثيق الدولية بخصوص الملكية الثقافية في فترات النزاع المسلح. السلطات الكندية أكدت تسلّم الرسالة، لكنّ ردّها كان «أن الخلافات المتعلقة بلفائف البحر الميت هذه يجب أن تسوّى بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية، وسيكون من غير المناسب أن تتدخل كندا في هذا الأمر».
ورداً على هذا الجواب، أكد مسؤول أردني أن المملكة «لم تأل جهداً مع المؤسسات الدولية وأي منبر يستطيع من خلاله طرح قضية الآثار المنهوبة لاستعادتها»، مشيراً إلى أن لدى بلاده «الوثائق الكاملة التي تثبت ملكية هذه المخطوطات».
ومخطوطات البحر الميت، أو لفائف قمران، هي نصوص دينية توراتية كتبها أفراد من طائفة الأسينيين، وهي النسخة الوحيدة من كتاب العهد القديم التي تعود إلى 100 عام قبل الميلاد. المخطوطات كتبها كهنة طائفة الأسينيين التي انعزلت عن بقية المدن اليهودية وبنت لنفسها مدينة صغيرة في كهوف قرب البحر الميت في موقع يعرف بخربة قمران، لذلك فهي تسمّى أيضاً مخطوطات أو لفائف قمران. وتدل الحفريات الأثرية على أن هذه القرية تحطمت بفعل زلزال حدث عام 31 ق. م. وأعيد بناؤها عام 4 ق. م. إلا أن الرومان أحرقوها عام 68 م. وأول جزء من المخطوطات اكتشفه بدو التعامرة صدفة في الكهوف وباعوه لسوريين أعطوها إلى مطرانهم الأرثوذكسي الذي نقلها إلى الولايات المتحدة عام 1948. ودفع الأردن في تلك الفترة مبلغ 30 ألف دينار لاستعادة ما بيع من المخطوطات، وهكذا استردّ معظمها ووضعت في متحف الآثار الفلسطينية في القدس الشرقية، الذي كان يتبع دائرة الآثار الأردنية العامة قبل عام 1967. ولكن، حينما استولت إسرائيل على القدس، وضعت يدها أيضاً على المتحف وكل مقتنياته، وعدّت مخطوطات قمران جزءاً من تراثها الخاص.
وتحاول الحكومة الإسرائيلية تفادي مسألة المخطوطات وموضوع سرقتها من متحف القدس بالتزام الصمت حيال طلب الأردن إلى اليونسكو وعدم التعقيب على الشكوى في وسائل الإعلام العبرية. فيما قال عضو الكنيست اليميني المتطرف، أرييه إلداد، إنه لا حق للأردن بالمخطوطات التاريخية من مبدأ «العدل التاريخي»، ويقول إننا نعدهم بأنه في اليوم الذي نعثر فيه على نسخ من القرآن فإننا سندرس إمكان إعادتها إلى المملكة الأردنية، لكنّ المخطوطات المحفوظة كتبت بأيدي يهود في أرض إسرائيل، وحتى لو أن عربياً ما عثر عليها فإنها تعود إلى أصحابها الأصليين».
لكنّ الاتفاقات الدولية الحالية لا تعترف بمبدأ «عدل التاريخ»، بل تعدّ كل أثر أو تحفة ممتلكة من قبل دولة ما، وفي حوزتها أوراق ثبوتية وصور، ملكاً لهذه الدولة ويمنع بيعها في الأسواق والمزادات، ولا يحق لدولة أخرى امتلاكها أو عرضها. لذا، فإن طلب الأردن أمام اليونسكو هو مبادرة قوية، لكنها سياسية أكثر مما هي قانونية، لأن المطالبة الحقيقية تكون في هذه الحالة أمام المحاكم الدولية في لاهاي. فإسرائيل قد وقّعت معاهدة لاهاي 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلّح، ما يعني أنه يمكن الأردن مقاضاتها بتهمة سرقة ممتلكات متحف القدس، وخاصة مخطوطات البحر الميت، وإن المملكة الهاشمية تملك أوراقاً ثبوتية عن شراء قسم من المخطوطات والعثور على قسم آخر في حفريات أثرية. قضية مماثلة ستكون الأولى من نوعها في العالم العربي وقد تشرع الباب أمام الدول الأخرى لمقاضاة إسرائيل على تدمير التاريخ ونهبه. لكن، هل سيتقدم أحد يوماً بتلك الدعوى؟