أصدر القضاء منذ أكثر من شهر حكماً بإخلاء سبيل لاجئة عراقية فوراً لكنها لم تنل حريتها. المديرية العامة للأمن العام لم تنفّذ الحكم كما جاء حرفياً، رغم أن الدولة لم تلجأ إلى استئنافه، بل قال مديرها إنه «سيسلّمها إلى كاريتاس» اليوم. الخبراء الدستوريون يدعون إلى إعلاء كلمة القضاء، ووزير الداخلية يوعز باحترام القانون وتنفيذ الأحكام القضائية
عمر نشابة، بيسان طي
يسرى العامري بقيت خلف القضبان ليلة أمس، لكن يفترض أن «تُسلّم صباح اليوم إلى (بيت الأمان في) كاريتاس». إنها اللاجئة العراقية التي صدر حكم قضائي بإخلاء سبيلها فوراً منذ أكثر من شهر.
قضت قاضية الأمور المستعجلة في زحلة، سنتيا قصارجي، في 11/12/2009 بإلزام المُدّعى عليها، الدولة اللبنانية ـــــ وزارة الداخلية ـــــ المديرية العامة للأمن العام، بإزالة التعدي عن حقوق المدعية (أي العامري) وحريتها الشخصية، وإلزامها بإطلاق سراحها فوراً. وهذا الحكم هو حكم وجاهي معجّل التنفيذ. مرّ أكثر من شهر، ولم تنل العامري حريتها، هي التي كانت نزيلة سجن زحلة. تشير متابعة أوراق القضية إلى أن إشعار تبليغ الحكم صدر في 24/12/2009، موقّعاً من رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل القاضي مروان كركبي، ويلفت الإشعار إلى أن «المطلوب تبليغه» هو «الدولة اللبنانية ممثلةً بحضرة رئيس هيئة القضايا».
يلفتنا الإشعار إذاً إلى أن المطلوب تبليغه قد تبلّغ الحكم، وبما أن هذه الوثيقة وُقّعت في 24 من الشهر الماضي، فقد مرت المرحلة التي يُسمح فيها باستئناف الحكم (وهي 8 أيام)، ما يعني أن هيئة القضايا ـــــ وهي ممثلة الدولة اللبنانية أمام المحاكم ـــــ قررت الرضوخ للحكم وعدم استئنافه.
رئيس مجلس النواب السابق، الرئيس حسين الحسيني، أكد لـ«الأخبار» أن احتجاز الناس من دون حكم قضائي هو بمثابة جريمة، وشدد على أنه لا يحق للدولة اللبنانية ألا تنفذ الحكم الصادر عن القضاء، مضيفاً «صار الحكم مبرماً، لا يمكن أن يُعارضوا تنفيذ القضية المقضيّة»، وقال الرئيس الحسيني إن في معارضة تنفيذ القرار الصادر عن المحكمة مسؤولية جزائية.
متى تخرج العامري إلى الحرية؟ متى تنفذ الدولة حكم القضاء؟ وهل تنوي الإدارة اللبنانية المعنية بالفعل تنفيذه؟
وكيل العامري: هذا اعتقال ثانٍ يتعارض مع الحكم القضائي ويمثّل تعدياً جديداً
المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني قال مساء أمس لـ«الأخبار»: «غداً صباحاً سنسلّمها لكاريتاس حتى يكون هناك من يعنى بها بانتظار أن يأتي الجواب من الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني السوري»، وعندما سئل عن علاقة ذلك المجلس بالأمر تقدّم اللواء بالشرح التالي: «إننا نعدّ أيّ قادم من العراق من دون أن يُختم جوازه من دولة أخرى قابلاً لتقديم طلب لجوء لدى المفوضية العليا للاجئين في بيروت (تابعة للأمم المتحدة). ومن ثمّ تراسلنا المفوضية وترسل إلينا الأوراق فنصدر إقامة مؤقّتة قابلة للتجديد لحين تمكّن اللاجئ من العودة إلى بلاده.» وذكّر جزيني «لكن لبنان ليس بلد لجوء، نحن نعطيهم إقامة مؤقتة فقط». أمّا في ما يخصّ قضية العامري، فتابع قائلاً: «لقد ختمت السلطات السورية جوازها ما يعني أنها دخلت سوريا بطريقة شرعية، وبالتالي لا يجوز أن تُعدّ لاجئة، أو تقدّم طلب لجوء في مفوضية اللاجئين». وتابع بالقول «عندما درسنا ملفّها ارتأيت أنّ الطريقة الأفضل لحلّ قضيتها هي عبر مراسلتي الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني السوري، طالباً إعادة إدخالها إلى سوريا». ولم يتلقَّ المدير العام جواباً حتى مساء أمس و«بانتظار الجواب سنسلّمها غداً (اليوم) صباحاً إلى كاريتاس».
وكيل يسرى العامري القانوني المحامي نزار صاغية لم يوافق رأي مدير الأمن العام، وقال «هذا اعتقال ثانٍ يتعارض مع الحكم القضائي، ويمثّل تعدياً جديداً، فضلاً عن خطورة تحويل بيت الأمان في كاريتاس، الذي أسّس لإيواء النساء اللواتي يتاجَر بهن، إلى مركز لحجز الحرّية».

ثبوت التعدي على حرية أساسية

الرئيس الحسيني أكد أن احتجاز الناس من دون حكم قضائي هو بمثابة جريمة
في 8 كانون الأول الماضي، حضرت رباب خالد، المساعدة القانونية المنتدبة من رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، للمثول أمام المحاكم ومتابعة دعاوى الدولة، وأبرزت لائحة جوابية، وتبيّن «أن جواب مديرية الأمن العام»، جاء فيه أن «الدعوى مردودة لعدم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بتّها، لأن الإخراج تقرّر بحكم جزائي لا بقرار قضائي، وأن التدبير المطلوب يتناول مسألة جزائية، كما يقتضي رد الدعوى لعدم الاختصاص، وأن الإدارة تنفي وجود أي قرار صادر عن قاضي الأمور المستعجلة في زحلة بإخراج المدعية من لبنان، ووجوب رد الدعوى لعدم وجود أي تدبير بحق المدعية، وعدم علاقة مديرية الأمن العام بالموضوع في مطلق الأحوال». وخلصت المديرية إلى «طلب رد الدعوى لعدم الاختصاص ولعدم القانونية». لكن في نص الحكم الذي أصدرته، تبيّن القاضية قصارجي «أن قاضي الأمور المستعجلة مختصّ في النظر في الدعوى لثبوت التعدي على حرية أساسية، هي الحرية الشخصية، وأن الإجراء المتّخذ من الإدارة لا يرتكز على أي أساس قانوني، لأن المدعية موقوفة لمصلحة مديرية الأمن العام، بعد انتهاء مدة محكوميتها ولأجل مفتوح، وأن موضوع الدعوى يتناول حقوقاً وحريات أساسية مكرّسة في قوانين دولية، وأن استمرار حبسها معاملة غير إنسانية»، ويلفت الحكم إلى «عدم صلاحية الأمن العام اتخاذ قرار بالتوقيف الإداري سنداً للمادة 89/ عقوبات».

المعرفة مقابل تنفيذ الحكم؟

«على أي حال، لقد فكّرنا كثيراً في قضية العراقية التي تثيرونها، وعقدت عدّة اجتماعات مع كبار ضباط المديرية لمعالجة قضيتها» قال جزيني، «وتبين لنا أن القاضي الذي أصدر الحكم لا يعرف ما يقوم به».
- لكن إذا كانت هناك مشكلة مع القاضي فيمكن مراجعة التفتيش القضائي
«التفتيش معطّل، وأنت تعرف هذا البلد، وكيف تجري الأمور، ولا يمكن مراجعة التفتيش في هذه القضية»
- وكان يمكن استئناف الحكم الصادر خلال المهلة الزمنية المحددة في إشعار تبليغ الحكم
«نحن نحاول مساعدة الناس عبر البحث عن أفضل طريقة لحلّ مشاكلهم، ولا يمكننا إخلاء سبيل العراقية لأنْ لا أوراق ثبوتية معها، تسمح لها بالبقاء في لبنان، لذا استقبلناها في الأمن العام لحين حلّ مسألة تسفيرها. فإذا أطلقنا سراحها الآن علينا إعادة توقيفها بعد لحظات بموجب عدم حيازتها تأشيرة أو إقامة».
- لكن إذا أطلقت سراحها تكون قد نفّذت أمر المحكمة
«لماذا كل هذا العذاب سنسلّمها غداً (اليوم) إلى كاريتاس، وهكذا يكون هناك حلّ يرضي القضاء والوزارة والجميع».
أيّ قادم من العراق من دون أن يُختم جوازه من دولة أخرى قابل لتقديم طلب لجوء لدى المفوضية العليا للاجئين
مدير المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في بيروت أحمد كرعود، لفت إلى أوضاع العراقيين في لبنان، وفي البلدان الأخرى التي يلجأون إليها، حيث تعتمد السلطات «الحل الأسهل بالنسبة إليها، والمتمثل في رميهم في الاعتقال»، وذكّر كرعود بأن هؤلاء اللاجئين يضطرون إلى ترك بلادهم بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة، «واللجوء ليس خياراً سهلاً». من هنا، يرى أن قضية العامري ليست قضية فرد، بل هي قضية ملايين العراقيين الذين تركوا بلادهم. وأضاف إن العرف الدولي يقضي بتقديم خدمة اللجوء إلى الهارب من بلد يعاني أزمة أمنية. وبالعودة إلى العامري، أبدى كرعود استغرابه من بقائها رهن الاعتقال «هناك حكم قضائي بالإفراج عنها، ويجب أن يُحترم قرار المحكمة»، وختم «نتمنى أن تنفّذ الدولة اللبنانية الحكم وتطلق سراح العامري، كما نتمنى أن تبحث الدولة عن بديل للاعتقال بما يسمح باحترام كرامة اللاجئ».
وكانت منظمة «رواد فرونتييرز» قد أصدرت بياناً أول من أمس رحّبت فيه «بما تراه خطوة إيجابية من جانب السلطات اللبنانية المعنية بإحجامها عن استئناف الحكم»، وطالبت «السلطات الإدارية المعنية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، السلطة التسلسلية التي يتبع لها جهاز الأمن العام بتنفيذ الحكم القضائي... ورفع التعدي عن الحقوق والحريات، ولا سيما أن الحكم أصبح نافذاً منذ ما يزيد على عشرة أيام، وأن قانون أصول المحاكمات المدنية يصنّفه من القرارات المعجّلة التنفيذ، وإلّا لكانت الدولة في حال تعدٍّ ليس فقط على الحرية الشخصية، بل أيضاً بحق القضاء الذي تُحجم عن تنفيذ أحكامه المبرمة».

بارود لتطبيق الأحكام

يُشار إلى أن الوزير زياد بارود، تحدث أمس خلال احتفال لتسليم سيارات مسروقة، تمكّنت القوى الأمنية من العثور عليها. وفي معرض الكلام، قال رداً على سؤال عن جدوى معاقبة السارقين سنة أو سنتين ومعاودتهم لاحقاً السرقة، إن «هذا الموضوع قضائي في الدرجة الأولى، ولا أسمح لنفسي بالتدخل في أمر يتعلق بالقضاء، وهو يصدر أحكاماً قضائية، وواجباتنا أن ننفذها... نحن دورنا أن نعمل بإشارة النيابة العامة، ونساهم في تطبيق الأحكام الصادرة عن القضاء».

المؤسسة تشكو

وفي معرض الحديث عن حقوق الإنسان وضرورة تنفيذ القانون عدّد المدير العام للأمن العام لـ«الأخبار» بعض المشاكل التي ذكر أن المؤسسة تعانيها «أننا في المديرية العامة للأمن العام حريصون على كرامات الناس، والإعلام لا يغطي المعاناة التي يعانيها الأمن العام. فنحن نحاول مع وزير الداخلية البحث عن مكان بديل لاستقبال الداخلين إلى لبنان، أو المقيمين فيه بطريقة غير شرعية، لكن الوزارة التي تملك الأرض التي نريدها رفض وزيرها منحنا إياها». وتابع اللواء «الإعلام ينتقد الأمن العام، والآن تثيرون هذه القضية، لكن هل نسيتم أنني اتخذت قراراً عام 2006 بإخلاء سبيل العشرات من دون أي قرار قضائي! ألم يكن ذلك مناسباً؟ لماذا إذاً تشددون اليوم على حكم القضاء، ولم يشدّد عليه أحد يومها؟».

تحديد المشكلة؟

هل من مشكلة بين إدارات الدولة نفسها؟ السؤال يتبادر إلى الذهن حين نلتفت إلى أن الدولة ـــــ ممثلة بهيئة القضايا لم تستأنف الحكم، وأن الدولة اللبنانية ـــــ وزارة الداخلية ـــــ المديرية العام للأمن العام لم تُنفذ الحكم. إن الدولة يفترض أن تكون الخصم الشريف في هذه القضية، وهي إن أسهمت من خلال هيئة القضايا في احترام حكم القضاء، فإنها في إدارة ثانية لا تقوم بتنفيذ الحكم. القضاء حكم بوقف تعدّي الدولة اللبنانية على سيدة عراقية.


الداخلية للتنفيذ الفوري

علمت «الأخبار» من مسؤول أمني أن وزير الداخلية المحامي زياد بارود وجّه كتابين إلى الأمن العام يتضمّنان توجيهات بضرورة تنفيذ الحكم القضائي الذي أمر بإخلاء سبيل السيدة العراقية يسرى العامري فوراً. لكن المديرية العامة للأمن العام لم تنفذ الحكم القضائي. الكتاب الأول صدر في 30/12/2009 والثاني في 11/1/2010.
طلب الوزير في الكتابين من المديرية شرح أسباب عدم إخلاء سبيل العامري. كذلك طلب فكّ احتجازها فوراً إذا لم تكن هناك موانع قانونية لذلك.
وأفاد المسؤول الأمني أن الوزير طلب كذلك من الأمن العام إفادته بما إن كان هناك أشخاص آخرون محتجزون في النظارات بعد انتهاء مدّة أحكامهم. ورفض الاحتجاز التعسّفي وطلب محاسبة المسؤولين عنه.
يُذكر أن «الأخبار» سألت المدير العام للأمن العام اللواء جزيني عن الأمر فأجاب أنه أرسل رداً الى وزير الداخلية يشرح فيه سبب عدم تنفيذه الحكم الصادر عن محكمة قاضي الأمور المستعجلة. وقال «لا علاقة للقضاء بهذا الأمر».