انقطاع متقطّع للطريق الدولية، عزل مناطق ومواطنين ساعات طويلة، خسائر مادية، وقوف القوى الأمنية متفرجة، وعجز فاضح للقوى السياسية المعنيّة في مسعاها للخروج من المأزق... هكذا بدت الصورة في المنية في الأيام الأخيرة.
المنية ــ عبد الكافي الصّمد
في وقت متأخر من مساء أول من أمس، أُعيد فتح أوتوستراد المنية الدولي، بعدما قطعه محتجون على برنامج تقنين للتيار الكهربائي. وهو التقنين الذي تخضع له منطقة المنية منذ الأسبوع الماضي، ولا يزيد على 4 ساعات يومياً. وكان أهالي المنطقة «ينعمون» بالكهرباء 24/24 بحكم أمر واقع فرضوه منذ عام ونصف.
الاحتجاجات التي نُظّمت أخيراً سبّبت انقطاع الأوتوستراد على نحو متقطع على مدى 3 أيام متتالية. حركة الاحتجاج بدأت مساء الخميس الماضي، حيث قطع محتجون الأوتوستراد نحو 5 ساعات، ثم استؤنفت بعد ظهر الجمعة، فقُطع الأوتوستراد قرابة 8 ساعات، قبل أن تتوسع الاحتجاجات وتصل إلى ذروتها أول من أمس السبت بعدما نزل المحتجون إلى الأوتوستراد قرابة الساعة السابعة صباحاً، فقطعوه مستخدمين «كل ما صادفوه في طريقهم»، إلى أن أثمرت اتصالات عديدة ومكثفة، وضغوط مورست من أعلى المستويات، في تعليق مؤقت للتحرك وإعادة فتح الأوتوستراد قرابة الـ 11 ليلاً، وذلك بانتظار لقاء يُنتظر أن يجمعهم مع رئيس الحكومة سعد الحريري الأسبوع المقبل.
تحرك المحتجين بدأ سريعاً صباح أول من أمس... خلال دقائق معدودة كانوا قد أغلقوا الأوتوستراد الممتد من بلدة البداوي، وصولاً إلى مستديرة العبدة (يبلغ طوله نحو 15 كيلومتراً)، مروراً ببلدات دير عمار والمنية وبحنين، مستخدمين إطارات السيارات والحجارة والرمول ومستوعبات النفايات، قبل أن يقدموا على وضع سيارات وشاحنات في عرض الطريق وفي الاتجاهين، ما جعل أرتال السيارات التي علقت تمتد مئات الأمتار. فيما عمل المحتجّون على إشعال إطارات السيارات وسط الأوتوستراد في أكثر من 20 موقعاً، فإنهم وسّعوا تحركهم باتجاه الطريق الساحلية التي أغلقوها في أكثر من مكان، قبل أن يعمدوا إلى سد منافذ الطرقات الداخلية في المنية بعدما لجأ إليها العابرون، ما جعل شوارع المنية تتحول إلى ما يشبه موقف واسع للسيارات امتد طيلة ساعات ذلك النهار، إلى درجة أن أحد المواطنين أوضح لـ«الأخبار» أنه اضطر للانتظار أكثر من 4 ساعات لعبور طريق يجتازها عادة في أقل من ربع ساعة. المحتجّون لم يكتفوا بذلك، فبعدما علموا أن طرقات الفوار وعيون السمك والروضة الفرعية والضيقة وشبه الترابية، قد تحولت إلى بديل مؤقت للمواطنين في عبورهم، عمدوا بعد ظهر السبت إلى قطع هذه الطرقات أيضاً، ما جعل آلاف المواطنين والطلاب الذين كانوا في طريقهم إلى عكار وسوريا في عطلة نهاية الأسبوع يعودون أدراجهم إلى المناطق التي أتوا منها. بل أدت هذه الاحتجاجات أيضاً إلى مشهد غير مألوف في تلك الطرقات تمثّل في اصطفاف مئات شاحنات النقل والتصدير على جانبي الأوتوستراد «بانتظار الفرج» كما ردد عدد من السائقين. حالة الانتظار أدت بالطبع إلى وقوع خسائر مادية كبيرة في غير بلدة. المنية نفسها عانت من الخسائر، حيث أغلقت المحال التجارية والصناعية أبوابها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أصحاب تلك المتاجر يعتمدون اعتماداً رئيسياً على الزبائن من العابرين على الأوتوستراد. أما في ما يتعلق بعكار، فلم يستطع مزارعوها نقل إنتاجهم الزراعي إلى سوق الخضار الرئيسي في طرابلس، التي لم تنجُ بدورها من «نتائج» الاحتجاج، فقد كانت حركة السير فيها يوم السبت خفيفة، نظراً إلى أن أهالي عكار الذين تعذّر عليهم الوصول إليها، وهؤلاء يعتبرون محركاً رئيسياً لأسواقها ومحالها التجارية على اختلافها.
خلال دقائق معدودة، أغلق المحتجّون الأوتوستراد الممتدّ نحو 15 كيلومتراً
تفاقم المشكلة، أو تفاقم حركة الاحتجاج أدى بالأوضاع في المنطقة إلى نوع من الانفلات خرج عن السيطرة، ما دفع الجيش اللبناني إلى استقدام تعزيزات إضافية إلى المنطقة، ولكن الجيش حرص على عدم الاصطدام بالمحتجّين، كما حرصت على ذلك قوى الأمن الداخلي. وقد وسّع الجيش رقعة انتشاره في محيط معمل دير عمار لإنتاج الطاقة الكهربائية، تحسّباً لحصول اعتداءات عليه من المحتجّين الذين هددوا بذلك إنْ لم يحصلوا على التيار الكهربائي 24/24، وذلك بسبب الأضرار الصحية والبيئية التي يتعرضون لها نتيجة الدخان المنبعث منه أثناء تشغيله حسب قولهم، فوضع الجيش اللبناني حواجز حديدية على بعد أكثر من كيلومتر من المعمل في الاتجاهين، ومنع المحتجّين من تجاوزه نهائياً، فيما تمركز عشرات من عناصر الجيش مع آلياتهم في محيط المعمل. وفي هذا الإطار، يُذكر أن بعض المحتجين كانوا يرددون أمام الصحافيين وكاميرات المحطات التلفزيونية أنهم يعارضون عملية التقنين لأن انبعاثات محطة الكهرباء تسبب ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المصابين بأمراض سرطانية في البلدة. هكذا كرر المحتجون مطالبتهم بالتسوية التي كانت قائمة لسنة ونصف، أي أنهم يقبلون ببقاء المحطة وبالأمراض التي تسبّبها (!) لكن شرط ألا تنقطع الكهرباء عنهم أبداً. اللافت، أن هذا الكلام تكرر على لسان عشرات المحتجين في المنية، وقد استغرب المتابعون عدم المطالبة بإيجاد حل لما يمكن أن يسبب الأمراض السرطانية. وسط هذه الأجواء، وقع إشكالان: الأول في دير عمار عندما رشق محتجون عناصر الجيش بالحجارة، فرد الجيش بإطلاق النار في الهواء، وتصدى للمحتجين بالهراوات، ما أدى إلى إصابة شخصين. أما الإشكال الثاني فوقع في المنية عندما حاول محتجّون الاعتداء على عنصر في الجيش حاول منعهم من قطع الطريق، لكن وصول تعزيزات إلى المكان جعلهم ينسحبون منه.
في موازاة ذلك، تعرّض محتجّون لمواطنين حاولوا عبور الأوتوستراد بالقوة، وأشار شهود عيان إلى أن باصاً تعرض لكسر زجاجه، وأن مواطنين رُشقت سياراتهم بالحجارة وهم يعبرون طرقات المنية الداخلية، وشوهدت آثار زجاج سيارات مكسور في أماكن عديدة، كما أن الدخان الأسود ترك بصماته على الطرقات وواجهات المنازل والمحال التجارية.
في محاولة لاحتواء الأزمة، نُظّمت اجتماعات عدة في المنية في الأيام الماضية، كان آخرها اجتماعٌ عقد قبل ساعات قليلة من إعادة فتح الطرقات في قاعة حي النبي كزيبر، وحضره معظم فاعليات المنطقة، ووجّهت خلاله دعوة لـ«تفويت الفرصة على الفتنة»، ولفت المجتمعون إلى أن «الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع الحكومة، يقضي بمعاملة المنية بالشكل الذي نعتبره مقبولاً، قياساً لما هو معمول به من التقنين في باقي المناطق»، مؤكدين تمسّكهم «بالاتفاق الذي تم التوصل إليه ونحرص على احترامه، وندعو أهلنا في المنية والجوار إلى تفهّم هذا الموقف الذي نعتبره أقصى الممكن».
يُذكر أن «اللقاء التضامني الوطني» أصدر بياناً تعقيباً على أحداث المنية، ذكّر بالحرمان الذي تعيشه المنطقة وأبقى شبابها في حالة بطالة مقنّعة، وقد ارتفعت بنسبة 50%. حمّل البيان الدولة مسؤولية الحرمان وما ينتجه، وطالب معدّوه بالقيام بدراسات عن التلوث الذي تسبّبه محطة الكهرباء .


أحمد الحريري يتدخّل... ولا يسمعون

بعد ظهر السبت، وصل إلى المنية مسؤول قطاع الشباب في «تيار المستقبل» أحمد الحريري لاحتواء الموقف، وعقد اجتماعين مع ممثلين عن المحتجّين، وهم بأغلبهم شبان وفتية مناصرون لـ«المستقبل»، وحضر نائبا عكار معين المرعبي وخضر حبيب ونائب المنية السابق صالح الخير، إلا أنه لم يتمّ التوصّل إلى أي نتيجة. وسائل إعلام «المستقبل» لم تأت على نبأ الزيارة. جموع المحتجين بدت منظّمة، وراحت تتوعّد الرئيس الحريري والنائب أحمد فتفت ونواب «المستقبل» إذا حاولوا فتح الطرقات بالقوة كما أشيع. من جهة ثانية، ردّ موقع التيار الوطني الحر على شائعات، جاء فيها أن وزير الطاقة والمياه جبران باسيل يستهدف المنية لأسباب تتعلق بهويتها السياسية، وورد في الموقع أن «تيار المستقبل يقع في شرك السنّية السياسية» وأن «مجموعة من الفتيان، قلّة أو كثرة، معزولين أو مدعومين، لأسباب فردية أو سياسية، يهددون محافظة الشمال كلها، ويبتزّون بلداً كاملاً تحت عنوان: «إما أن تعطونا الكهرباء 24 ساعة متواصلة، ومجاناً... وإما أن نسقط هذه الدولة من فوق إلى تحت».