إذا كان التوافق السياسي سيعبّد الطريق أمام صدور قانون إلزامية التعليم ومجّانيته، فمن سيضمن تنفيذه؟ وزير التربية يستبق الصدور، غير المرتبط بتوقيت زمني، بتأليف لجنة لوضع المراسيم التطبيقية وآليات المحاسبة والعقوبات. أما المعنيون بالملف، فينتظرون أن ترتبط الإلزامية بإصلاحات تربوية، وألّا تقف المجّانية عند حدود تغطية رسوم التسجيل
فاتن الحاج
التعليم مجاني وإلزامي حتى سن الـ15. «هيدا الحكي مش مزحة، على الأقل هذه المرة»، يقول عدنان ضاهر، الأمين العام لمجلس النواب، على قاعدة «كل ظرف وإلو حكمه». سيسلك مشروع القانون وتعديلاته، الذي أقرته لجنة التربية النيابية في هذا الخصوص الأسبوع الماضي، طريقه بهدوء إلى اللجان النيابية الأخرى، ولا سيّما لجنة المال والموازنة، وإذا لم يتطابق رأي «المال» مع «التربية» فسيعرّج على اللجان المشتركة، قبل أن يُرفع إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لإقراره. لكن هل هناك مهلة زمنية لصدور القانون؟ «لا وقت للتشريع، وليس هناك مواعيد محدّدة لاجتماع الهيئة العامة»، يقول ضاهر. فرئيس المجلس النيابي يدعو الهيئة إلى الالتئام عندما تتجمّع مجموعة من المشاريع، «وعلى كل حال العمل ناشط في المجلس، واللجان شغّالة بهالإيام التوافقية».
لكن إذا سلّمنا جدلاً بأنّ الطريق إلى الإقرار معبّد، بنعمة التوافق، فهل ستكون الحال نفسها بالنسبة إلى التنفيذ، أم أنّ القضية لن تتعدّى كونها فولكلوراً، ومجرد تسجيل إنجاز سياسي أو انتخابي؟ وهل سيلاقي القانون العتيد مصير القانونَين السابقين، المرسوم الاشتراعي 134 تاريخ 12/6/1959 الذي أقر مجانية التعليم في المرحلة الابتدائية الأولى، أي حتى سن الـ11، ولم ينفّذ لعدم صدور المراسيم التطبيقية له، والمرسوم الاشتراعي الخاص بإلزامية التعليم ومجّانيته، الذي صدر عام 1983 وألغي عام 1985، بعدما فهم أنّ المجانية تشمل المدارس الخاصة؟ ثم هل تعي الوزارات المعنية بالملف، «التربية» و«العمل» و«الشؤون الاجتماعية» و«الداخلية والبلديات» أنّ الإرادة السياسية وحدها لا تكفي، وأنّ إلزامية التعليم تفرض مترتّبات مالية وبشرية وإدارية وآليات محاسبة للأهل وأصحاب العمل، الذين لا يتوقفون عن «تشغيل» الأطفال في عمر الدراسة؟ وهل المجانية تعني فقط إعفاء التلامذة في المدارس الرسمية من رسوم التسجيل؟
يُقرّ د. حسن منيمنة، وزير التربية والتعليم العالي، بأنه لا قيمة للقانون إذا لم تصدر آلياته التنفيذية. يطمئن منيمنة «إلى أنّ الوزارة لن تنتظر هذه المرة صدور القانون لتضع المراسيم التطبيقية، بل إنّ العمليتَين ستكونان متلازمتين». وسيطلق قريباً جداً عمل اللجنة التي ستتولّى هذه المهمة، والتي ستضم ممثلين عن الوزارات الأربع المعنيّة.
كذلك سيجري البحث مع وزارة العمل بشأن تطبيق اتفاقية العمل الدولية الرقم 138، المتعلقة بالحد الأدنى للسنّ، التي صدّقها لبنان وتنصّ الفقرة الثالثة للمادة الثانية منها «على عدم جواز أن يكون الحد الأدنى لسن الاستخدام أو العمل أدنى من سنّ إنهاء الدراسة الإلزامية، ولا يجوز في أي حال أن تقل هذه السن عن 15 سنة». لذا فإنّ رفع الحد الأدنى لإلزامية التعليم إلى هذه السن، أي نهاية الشهادة المتوسطة، يحفز، بحسب منيمنة، التلميذ الذي يصبح أكثر نضوجاً ووعياً وإدراكاً لمستقبله، وخصوصاً إذا أظهر قدرة على المتابعة الدراسية، ويحمّس الأهل على إرساله إلى المدرسة رغم الحاجة الاجتماعية.
لكن ذلك يجب أن يترافق مع تفعيل الإرشاد الاجتماعي «وسنطلب من وزارة الشؤون الاجتماعية متابعة المتغيّبين عن المدارس والمنقطعين لأسباب اجتماعية واقتصادية». أما وزارة الداخلية والبلديات، فمهمتها إجرائية، بحسب منيمنة، لجهة رصد تنفيذ القانون على الأرض وملاحقة «الورش» التي تستقدم أطفالاً دون سن الـ15 للعمل فيها.
ومع أنّ وزير التربية يفضّل أن يترك لللجنة حرية تحديد ما تراه مناسباً من آليات لتنفيذ القانون، فإنّه يتحمس للقول: «يجب أن يعلم الأهل أنّ هناك من يحاسبهم، وعلى أرباب العمل أن يدركوا أنّ العقوبات ستلحقهم لا محالة، وقد تبدأ بالغرامة ولا تنتهي عند توقيف مصالحهم».
الإلزامية تستوجب أيضاً حملة إعلامية تثقيفية في المجتمع، كما يؤكد منيمنة، لأنّ التعاطي مع الأرياف سيكون المشكلة الأساسية التي ستواجه المشروع. لا يعتقد الوزير أنّ هناك مشكلة في «المجانية»، فوزارة التربية عمدت في السنوات الماضية، وستستمر في تغطية رسوم التسجيل والكتب عبر الهبات من المملكة العربية السعودية. وهو يبدو واثقاً من تطبيق خطة تحسين نوعية التعليم الرسمي «التي ستقفل الكثير من الدكاكين». يوضح، منعاً للالتباس، أنّ المجانية هي فقط للمدارس الرسمية، لأنّ أولياء أمر التلامذة الراغبين في إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة عليهم توفير كل ما تستلزمه هذه الخطوة، و«كأنهم يقولون إنهم ليسوا بحاجة إلى هذه المجانية».
«الهبات مسكن لمرض مستعصٍ»، يقول د. إيلي مخايل. يحرص الأمين العام للمجلس الأعلى للطفولة على التوضيح أنّ «المجانية» لا تعني فقط الإعفاء من رسوم التسجيل، بل يحق للتلميذ الذي يشمله القانون الحصول مجاناً على الكتب والقرطاسية والزيّ المدرسي والوجبات الغذائية ونفقات النقل من مكان سكنه إلى مدرسته. يستلزم ذلك إعادة بتّ الخريطة المدرسية، أي توزيع المدارس بحسب حاجات المناطق.
لكن هل تراعى هذه النقطة، التي يتحدث عنها مخايل، في خطة وزارة التربية، وخصوصاً «أننا نلاحظ حالياً أنّها بصدد إقفال المدارس الصغيرة المستأجَرة، وبناء التجمعات المدرسية؟ وهل يجري الانتباه فعلاً إلى بناء مدارس صغيرة في الأحياء تضم صفوف مرحلة الروضات، والحلقة الأولى من التعليم الأساسي على الأقل، على قاعدة عدم جواز انتقال الأولاد في هذه الأعمار إلى مدارس بعيدة عن أماكن سكنهم؟».
ومع أنّ مخايل يستبشر خيراً بالقانون الذي «يفتح ببعده الإجرائي نافذة إيجابية على حل مشاكل التسرب المدرسي وعمالة الأطفال وأطفال الشوارع»، فإنّه لن يكون مجدياً في رأيه، قبل تفعيل النقاش الاجتماعي بشأن الإصلاحات التربوية، ومنها توفير بيئة مدرسية آمنة، تحسين نوعية التعليم وإعطاء التلميذ الكفايات اللازمة للانخراط في سوق العمل.


أسئلة النقابيين

تسأل عايدة الخطيب، رئيسة رابطة المعلمين الرسميين في بيروت إذا كانت هناك إحصاءات بعدد التلامذة الذين سيشملهم قانون إلزامية التعليم ومجانيته؟ وماذا عن ضبط عدم التزوير في تسجيل الأولاد في بعض المدارس المجانية؟ وكيف ستوفَّر المصاريف، ما دامت الوزارة لم تدفع للمدارس حتى الآن 50 % من مستحقات صناديقها، وما تعهدت به لجهة دعم التدفئة