رامح حميةتراجعت عمليات السرقة في قرى غرب بعلبك والبقاع الشمالي، بعدما سجلت رقماً قياسياً فاق السبعين عملية خلال الشهرين المنصرمين، طالت بمجملها منازل وسيارات وأسلحة، فضلاً عن سرقات صغيرة بدءاً من «بالات» التبغ وخزانات المياه عن سطوح المنازل، مروراً بالمواشي والغسيل عن شرفات المنازل، وصولاً إلى «منقل» فحم هنا وكرتونة بطاطا هناك. يرفض الجميع هنا ربط تنامي هذه السرقات ونوعيتها في خانة الفقر، فالمنطقة تعاني الفقر منذ أمد بعيد، ولم تكن قد شهدت فورة في عمليات السرقة، كالتي تعانيها بعض القرى منذ نحو شهرين.
اللافت في إطار الحديث عن هذه المشكلة، هو عدم تمكن القوى الأمنية من إجراء إحصاء دقيق لعدد السرقات، فغالبية المواطنين الذين تعرضوا للسرقة لا يعمدون إلى تقديم شكوى أو حتى للتبليغ عما تعرضوا له، باستثناء بعض الأشخاص الذين سُرقت محتويات منازلهم من الأموال والمجوهرات.
إذا كانت عمليات السرقة قد سببت الخسارة للبعض والإرباك والقلق لمن لم يتعرض لها بعد، فلماذا لا يقدم المواطن بلاغاً للقوى الأمنية عن السرقات التي يتعرض لها؟ علماً بأن غالبية أبناء المنطقة يدركون تماماً هوية من يقدم على هذه العمليات، وإن ادعى أحدهم فإنه يسجل الدعوى ضد مجهول! هل للروابط العائلية أو الجيرة علاقة في ذلك؟ أم أن خوفاً دفيناً من المشتبه فيهم يقف حائلاً دون التقدم بشكوى؟ أم أن الثقة بالقوى الأمنية مفقودة وتحتاج إلى تعزيزها بخطوات تتمثل بإلقاء القبض على اللصوص. مسألة السرقة بدأت منذ فترة تأخذ منحى جديداً في القرى والبلدات البقاعية شبيهاً إلى حد كبير بشريعة الغاب، حيث يلتهم القوي الضعيف دون أن يتسنى له حتى الاحتجاج على ما يحصل، وذلك خوفاً من «سطوة» المشتبه فيهم كونهم من عائلات كبيرة لها نفوذها وقوتها في المنطقة، وليبقى رد الشخص المسروق «مش ناقصنا مشاكل بيعوّض الله، ما بدنا نفوت بمسألة دم». بهذه العبارة يؤكد أحد المواطنين الذي رفض ذكر اسمه، حتى لا يواجه القوى الأمنية والمشتبه فيهم، أنه تعرض للسرقة ولم يتقدم بشكوى للقوى الأمنية «لانعدام ثقتنا بهم»، متسائلاً: «هل يعقل أن منطقة تتعرض للسرقة منذ أكثر من شهرين واللصوص معروفون من الناس ومن قوى الأمن، ولم يُلقَ القبض على أي منهم حتى هذا الوقت ومعظمهم يتجول في البلدة؟». مستطرداً: «لماذا تريدون أن يوقَف هؤلاء اللصوص بسببي، ذلك سيضعني في مواجهة مع أهاليهم، لا أريد الغوص في المشاكل، إني أهتم بعملي وبيعوض الله!». هذا الرأي لم يكن ليسمعه المرء سابقاً، لكن وقعت حادثتا سرقة في المنطقة، وما إن همّ المسروقان بتقديم شكوى حتى كانت التهديدات توجه إليهما فتراجعا عن الشكوى. من جهة ثانية، إن التقدم بشكوى عن سرقة منزل ترتبط بنوعية المسروق وقيمته، فإذا كانت نوعية المسروقات مبالغ مالية أو مجوهرات أو آلات كهربائية فإن الشكوى أمر لا بد منه. أما إذا كانت المسروقات أسلحة كما حصل مع «محمد»، الذي سُرقت من منزله بندقيتا صيد وأخريان حربيتان، فمن البديهي عدم تقديم شكوى فيما لو كانت تلك الأسلحة غير مرخصة. ومن السرقات التي ذاع صيتها في قرى شمسطار وطاريا وبيت شاما وبدنايل في الآونة الأخيرة، تلك التي تطال البنزين والحطب والغسيل عن شرفات المنازل و«مناقل» الفحم والمواشي وخزانات المياه البلاستيكية عن سطوح المنازل، وصولاً إلى كرتونة بطاطا، فهذه المسروقات لا يعتبرها المواطنون ذات قيمة حتى يبلغ عنها.
في مقابل هذه النوعية من السرقات، هناك سرقة السيارات التي تقلق البقاعيين، إلا أن من تُسرق سياراتهم، أصبحوا يفتشون عنها بأنفسهم في القرى المجاورة والطرق الفرعية والسهول، دون إبلاغ القوى الأمنية. يعود سبب هذه الظاهرة، بحسب رأي محمد حمية الذي سُرقت سيارته وعاد وعثر عليها على طريق حوش باي في سهل بلدة طاريا، إلى أن لصوص هذه المرحلة لا يعمدون إلى تفكيك السيارات وبيعها كما درجت العادة مع كبار سارقي السيارات، بل يكمن هدفهم من سرقتها في التنقل بها لفترة محددة، يستخدمونها في أغلب الأوقات قاصدين الأماكن التي يشترون منها المخدرات، سواء في قرى غرب بعلبك أو «بلدات الشرقي»، وتستمر عملية سرقة السيارة إلى حين تنتهي كمية البنزين المزودة بها السيارة، فيلجأون بعدها إلى تركها على طرق فرعية أو سهلية. حسني ز. قد عثر على سيارته بعد ساعتين من سرقتها وهي مصطدمة بأحد الأعمدة في بلدة طاريا. في الوقت الذي تمكن فيه باسم ز. من استرداد سيارته التي سرقت من بلدة الكرك بعد التفاوض مع السارقين ودفع مبلغ 700$.
القوى الأمنية ترفض من جهتها، الحديث عن انعدام الثقة من المواطنين، والخطوات المتّبعة من جانبهم للقبض على كل من ينتهك حرمة ممتلكات كل مواطن، فيؤكد مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن عدم تقدم المواطنين للتبليغ عن تعرضهم للسرقات سببه الاستهتار «من جانبهم لا انعدام الثقة»، وأن المسؤولية تقع أساساً على عاتق المواطن الذي تسرق محتويات منزله أو سيارته ولا يعمد إلى إبلاغ القوى الأمنية، مشيراً إلى أن مسألة انعدام الثقة بالقوى الأمنية التي يشيعها البعض «غير صحيحة»، وأن القانون هو ملاذه، وإلا ستعم الفوضى.