ضحى شمسكان الأمر حديث طاولة العشاء التي جمعت حولها بضعة لبنانيين وأصدقاءهم الطليان عند صديقهم المتزوج من لبنانية. فقد تعرض أحد أصحاب الزوج، وهو إيطالي يقيم في القاهرة ويدرس العربية، للسلب داخل إحدى سيارات السرفيس في بيروت، بعد تهديده بمسدس. الصديق الذي عاد إلى القاهرة، وهو صحافي مثل مضيفنا، أخبر أصحابنا بمغامرته.
ومن خبرية إلى خبرية، تبين أن هناك عصابة تقوم بتشليح الأجانب، وأن الصديق الطلياني ليس الضحية الأولى. فقد سبق أن تعرض مواطنون أميركيون للسلب، ما جعل السفارة الأميركية ترسل إلى رعاياها في لبنان «إيميل» تحذرهم فيه مما أسمته «عصابة السرفيس»، كما قال نص الرسالة، ناقلاً عن شهادة الضحايا، ما حصل لهؤلاء.
هنا ترجمة حرفية لرواية الضحية سين لما فيها من «عبر».
«كان هناك رجلان في مرسيدس سوداء اللون تحمل لوحة عمومية حمراء. انتهيت متأخراً قليلاً من عملي، واستقللت «سرفيس» من أمام مطعم بربر في الحمرا نحو التاسعة ليلاً، متوجهاً إلى منزلي في الأشرفية. ربما كان علي أن أشك في شيء مريب حين وافق السائق بسرعة لافتة على «سرفيس واهد» (كتبت هكذا بالنص بالأحرف اللاتينية) بدلاً من أن يفاوضني على «سرفيسين» (كتبت هكذا أيضاً) أو حتى على تاكسي. ثم استدار (السرفيس) بعد الجسر من طريق فرعي، بحجة أنه يريد توصيل الراكب الآخر. وإذ به يزيد فجأة من سرعته. وبمجرد وصولنا إلى نفق سليم سلام، أخرج «الراكب الآخر» مسدساً ووضعه مهدداً على صدغي». يتابع الأميركي روايته: «أراد محفظتي، لكني قلت له إنه ليس لدي إلا ألفي ليرة في جيبي. فأصر، وأصررت على جوابي. فطلب أن ينظر داخل حقيبتي، فأخرجت منها كومبيوتري النقال الصغير قائلاً له إنه كل ما لدي. تظاهر أنه اقتنع بما قلته، لا بل إنه حتى لم يطلب ساعتي أو بذلتي أو حتى محبسي أو تلفوني المحمول. في نهاية النفق (كل عملية التهديد بالمسدس لم تستغرق إلا دقيقة) تمهل في سيره، فخرجت من السيارة هارباً». يضيف: «وقد دفعت برغم كل شيء، «سرفيس واهد» (مرة أخرى في النص). القصة كلها لم تستغرق ربع ساعة من بربر الحمرا إلى سليم سلام. ظننت أنني سجلت رقم رخصة سيارتهم العمومية إلا أن شرطياً قال لي في ما بعد، إنني سجلت سبعة أرقام بدلاً من ستة، إلا أن اللوحة في الأصل كانت عادية وقد جرى رشها (لتزييفها) باللون الأحمر (العمومي).
ظللت أردد رقم السيارة، أو ما ظننته رقمها، ثم سجلته على تلفوني لكي لا أنساه، ثم اتصلت بالرقم 112 (طوارئ)، لكن لم يكن هناك أي استقبال. ففتشت عن دكان أستطيع الاتصال منه، واتصلت فعلق الرقم. ثم وقعت على أحدهم، فقال لي إنه ليس في استطاعتهم أن يفعلوا لي شيئاً، وأن عليّ التوجه إلى أقرب نقطة للشرطة (لتسجيل شكوى). لوّحت لبعض الأولاد وطلبت إليهم أن يوصلوني إلى نقطة حاجز الجيش تحت الجسر التي تتقاطع مع وسط البلد. وهناك قال لي الجنود على الحاجز إنهم هم أيضاً لا يستطيعون فعل شيء. فما كان مني إلا أن قصدت مخفر الجميزة. هناك قالوا لي إن الحادث لم يقع في نطاق سلطتهم، وإن علي التوجه إلى مخفر المصيطبة، الأقرب إلى المكان الذي تعرضت فيه للسرقة. سألتهم إذا كان في إمكانهم أن يوصلوني إلى هناك (فقد كان مفلساً بعد السرقة)، فما كان من «الدركي» (هكذا بالنص) إلا أن أجابني ومن دون أي لمحة سخرية: «خود سرفيس»!
قد تكون الحكاية إلى هنا كافية، بل جيدة مع هذه «القفلة» الممتازة التي تعبر تعبيراً رائعاً عن عبثية النظام اللبناني. إلا أن عبثية الأميركان، ليست أفضل حالاً من زملائهم اللبنانيين.
فقد أكمل الشاب روايته في الرسالة التي عممتها السفارة الأميركية كنوع من التوعية ورفع المسؤولية عنها تجاه مواطنيها. مع أني أزعم أن سلوك السفارات الأميركية، هو المسؤول الأكبر عن الامتعاض العالمي من المواطنين الأميركيين الأبرياء. المهم، يكمل سين روايته فيقول إنه عاد فاشتكى لمخفر المصيطبة، لكنه شك في أنه في «استطاعتهم أن يفعلوا شيئاً. كما أنهم رووا لي أن عراقيين تعرضا للسرقة بالطريقة ذاتها (بربر الحمرا سليم سلام) ممّن بدا أنهما الشخصان نفساهما في السيارة ذاتها، وقد أرغما الشابين على التخلي عن 3 آلاف دولار وكومبيوتر محمول، ما جعلني أحس ببعض التعزية كوني خرجت من هذه الفوضى كلها بمجرد خسارة ألفي ليرة. كنت لا شك محظوظاً».
ما إن تنتهي رواية سين، حتى تنصح رسالة السفارة الرعايا بأخذ حذرهم. أما كيف؟ فعلى الشكل الآتي: استقلوا تاكسي من شركة معروفة، وفي كل الأحوال، إذا استقللتم «سرفيس»، انتبهوا إلى اللوحة العمومية الحمراء، ولا تترددوا بالنزول من السيارة بمجرد إحساسكم بأنها تأخذ طريقاً غير معروفة». ومع أنها نصائح لا فائدة فعلياً منها، فكما قال سين ربما كانت اللوحة مرشوشة أحمر، وكون السرفيس لا خط فعلياًَ له، إلا أن السفارة أضافت الجملة التالية: «في كل الأحوال إذا وقعتم ضحية هذه العصابة، الرجاء، أن تخبروا السلطات اللبنانية فوراً».