عندما تقرّر افتتاح شعبة لكلية العلوم في حلبا، قدّرت الإدارة بلوغ عدد المنتسبين حوالى مئتي طالب. مع افتتاح الشعبة نهار السبت الفائت، اتضح أن العدد لم يتخطَّ نصف ما كان متوقعاً
عكار ــ روبير عبد الله
«ليست شعبة العلوم في عكار سوى مختبر لتمرين الأساتذة الجدد على التدريس». هكذا تبرّر جمال خضر، طالبة سنة أولى بيولوجيا، إصرارها على الانتقال من حلبا إلى الحدث حيث المبنى المركزي للجامعة اللبنانية. وللسبب ذاته، ترى جمال أن العديد من زملائها يفضّلون تكبّد مشقة الانتقال إلى طرابلس، حيث الفرع الثالث للجامعة اللبنانية، بل هي تفضل بيروت على طرابلس لأن الأسئلة هناك أسهل والتعليم أفضل. ففي طرابلس، الامتحانات ظالمة والقصد منها «تطفيش الطلاب» بسبب قلّة الأمكنة. كما أن «الواسطة» أقل في امتحانات فرع بيروت.
أما الطالبة كوكب أحمد، سنة أولى كيمياء، فهي تتابع دروسها في الشعبة الجديدة في عكار بسبب عدم قدرتها على توفير كلفة الانتقال إلى طرابلس، لكنّها تخشى قلّة الخبرة لدى معظم الأساتذة. «وحدها أستاذة مادة الكيمياء تشرح شرحاً جيداً»، تضيف: «أما باقي الأساتذة، فهم يقرأون المواد مجرد قراءة، من دون أي قدرة على الشرح والتفسير. علماً أن موعد امتحانات الفصل الأول، يوم العاشر من شباط القادم، صار على الأبواب».
على عكسها، ترتاح شقيقتها غدير، طالبة سنة أولى رياضيات، للوضع، لأن عدد الطلاب الحاضرين في صفها لم يبلغ أكثر من 43 طالباً، «ما يتيح للطالب المزيد من الفهم والتركيز»، فيما في طرابلس، وتضيف: «يصل عدد طلاب السنة الأولى إلى 500 طالب. ويتوجّه الطلاب في الخامسة صباحاً لحجز أماكن لهم. ثم يرجعون إلى منازلهم المستأجرة بالقرب من الجامعة، ليعودوا من جديد مع بدء الحصص الجامعية. وكثيراً ما تحدث مشاحنات بسبب تعديات الآخرين على الأماكن المحجوزة».
تعبّر الشقيقتان عن سعادتهما بافتتاح شعبة لكلية العلوم في حلبا، وتأملان تطوير المشروع ليشمل باقي الصفوف. لكنّ الطالبتين تنظران بنوع من خيبة الأمل تجاه استهتار الشباب الجامعيين، الذين يفضّلون الانتقال إلى طرابلس لمجرد الرغبة في الابتعاد عن عيون أهاليهم، وبالتالي، فإن هؤلاء الطلاب لا يكلفون أنفسهم عناء المطالبة بافتتاح فرع يليق بأبناء عكار، ويتناسب مع أعدادهم التي تكاد تمثّل نصف عدد طلاب الفرع الثالث في طرابلس.
من جهة أخرى، يرى الأستاذ الجامعي عبد الفتاح خضر، الرئيس السابق لمكتب البحوث في مركز البحوث والإنماء، أن التعليم الرسمي بالأساس، بل كل ما يتصل بالخدمة العامة، لا يخضع لسياسة واضحة. والمؤشر الأهم على تلك الفوضى هو غياب ما يسمّى خريطة التعليم في مراحل التعليم كلّها، الجامعي والثانوي والأساسي وما قبل الابتدائي. وفي رأيه، لا يستوجب تطوير التعليم الجامعي بالضرورة افتتاح فروع وشعب للكليات في مختلف المناطق اللبنانية.
لذلك، كان افتتاح شعبة في عكار نتيجة مطالبات محلية، وهذا شرعي بحد ذاته. والأمر نفسه حصل في عمشيت وبعلبك وبنت جبيل. ولكن ما دمنا في إطار الحديث عن التنمية، «فلتتشرف الجهة المعنية وتفصح عن الدراسات التي أجريت، وفي ضوئها، ما هي المعطيات التي تحدد هذه أو تلك من الخيارات»، كما يقول خضر، مضيفاً: «لكن أن يكون العمل على خلفية كل مراحل التعليم «حد البيت»، وأن يدفعنا الحرمان إلى قبول أي شيء بصفته مكسباً كيفما اتفق وأينما كان، فذلك من شأنه أن يضعف انطلاقة التعليم الجامعي في عكار. كان من الأجدى البحث في حاجات عكار، تلك الحاجات المرتبطة بخصوصية عكار، حيث المستويات العالية في نسبة تسرب الشباب مقارنةً بتسرب البنات، وهو ما أدّى وفق معطيات إحصائية إلى وجود ثلاث بنات بين كل أربعة طلاب جامعيين. وحيث الحاجة أكبر إلى التعليم المهني وضمن اختصاصات معينة تستجيب لمتطلبات التنمية في مجال الزراعة وبالتكامل مع استحداث فروع لكلية الزراعة».
في هذا السياق، رأى النائب معين المرعبي، لمناسبة الاحتفال بافتتاح الشعبة رسميّاً نهار السبت الماضي بحضور رئيس الجامعة الدكتور زهير شكر، أن «زمن السكوت عن الإجحاف قد ولّى وأتى زمن تحقيق العدالة بالتنمية»، وأن القطار وُضع على السكة «وهي البداية لمعركة أكبر»، مشدّداً على أحقية عكار في بناء جامعي يليق بأبنائها، ويتضمّن كل الاختصاصات الجامعية، وداعياً وزيري التربية والزراعة ورئيس الجامعة اللبنانية والمعنيين كافة إلى «الإسراع في بناء فرعين لكليّتي الهندسة الزراعية والطب البيطري في سهل عكار تحديداً».

زمن السكوت عن الإجحاف ولّى وأتى زمن تحقيق التنمية
من جانبه، أكد شكر خلال الاحتفال أنّ من حق عكار أن تنال ما لها وهي المنطقة «التي ندرك تاريخياً حجم معاناتها وحجم الإجحاف بحقها، ولا سيّما أنها تستحق أن تولى العناية والاهتمام، شأنها شأن أيّ منطقة لبنانية أخرى»، أضاف: «إذا كنا اليوم نفتتح شعبة لكلية العلوم في هذه المدينة، فإننا وكخطوة أوّلية، رأينا أنّ من الضروري أن يكون في عكار نواة فرع جامعي، وفي تخصص العلوم تحديداً، لما في هذا التخصص من أهمية تكمن في توسّعه، لأن العلوم الطبيعية تحتاج إلى هذا النوع إن في مجال الطب أو طب الأسنان أو الصيدلة حيث إن السنة الأولى تعدّ السنة التحضيرية لها».
بتخطيط أو من دونه، فإن عدد الطلاب الذين يتابعون دراستهم في شعبة كلية العلوم في عكار لم يتجاوز المئة طالب. علماً بأن عكار هي من أكبر الأقضية في لبنان.


النقد محرّم كأنه تفريط بالمكتسبات

رغم أن استحداث شعبة لكلية العلوم هو الحدث الأول في عكار على مستوى التفريع، فإنّ تفريعات أخرى قد سبق أن طالت التعليم الثانوي في المدينة، من قبيل استحداث ثانويات عدة في الكواشرة والقبيّات وعيدمون، وفي قنية وفي أكثر من قرية وبلدة عكارية. إلّا أن تناول هذه التجارب بالنقد لا يزال «محرّماً» نوعاً ما على المستوى الاجتماعي، إذ ينظر بعض الأهالي إليه على أنه تفريط بالمكتسبات.