جوي سليمصعد إلى البوسطة وجلس أمامي مباشرةً. كانت رفيقتي جالسة إلى جانبي. قدّمته إليّ بصفته معرفة قديمة. سألني عن قريتي، فأجبته: «من الجنوب». لم يعجبه الأمر كثيراً. شرع يشتم ويلعن مناصري أحد أكبر الأحزاب في الجنوب. صُدمتُ للوهلة الأولى. لم يكن سياق الحديث سياسيا قطّ. كان يتكلم ويجيب نفسه. لم أفهم ما معيار الحضارة، بالنسبة إلى شخص يشتم ويلعن «طائفة» من تلقاء نفسه من دون أن يتطرق أحد إلى هذا الأمر!
أكمل حديثه «الأحادي»، ولكن هذه المرة مع الاستشهاد بآيات إنجيلية وقرآنية. كان يستعمل الحجج الدينية لدعم هجومه على تلك الطائفة، فقال: «هم الفريسيّون ونحن الكتبة»، أحسست لبرهة أنه يعاني اضطرابات نفسية أو ما شابه! لدرجة أنني اضطررت إلى التدخل مرات عدة لمقاطعة حديثه مع نفسه بهدف إسكاته أو لتصويب شيء ما، فأصبح الهجوم عليّ أنا شخصياً!
البوسطة تسير إلى الأمام أو إلى الوراء، لا يهمّ لكنها تسير. تمنيت أن نصل سريعاً. عاد واستشهد بآية من الإنجيل فصحّحتها. فوجئ. سألني عن طائفتي بوقاحة، فأجبته: مسيحية. انهال عليّ بالاعتذارات. قال إنه ظنّني من طائفة أخرى لذلك تهجّم عليّ. بعد نقاش عقيم، كمعظم نقاشاتنا كشباب في هذا البلد، توقفت البوسطة وهممت بالنزول، التفتّ إليه، فضحكت على مضض، وذكّرته: الدين أفيون الشعوب.
نزلت وعبرت الطريق، التفتّ إلى البوسطة وإذا هي «راجعة بإذن الله».