الصندوق الأسود غار في مكان ما من البحر، وحده يحمل الكلمة الفصل بشأن ما جرى، وأدّى إلى سقوط الطائرة الإثيوبية في بحر بيروت، بعد 3 دقائق من إقلاعها من المطار بعيد الثانية والنصف من فجر أمس
بيسان طي
في الطائرة الأثيوبية المكوبة صندوقان، الأول في المقدمة والثاني في الجزء الأخير منها. ويؤكّد المتخصصون «لن ينفجر أحدهما، ولن يتكسّر، بل يظل كتلة واحدة».
في انتظار انتشال الصندوق الأسود، تقوم لجنة متخصصة من مطار بيروت، ومن الأجهزة الأمنية بالتحقيق في أسباب الحادث، كما وصلت بعد ظهر أمس طائرة تقل 14 شخصاً من شركة الطيران الإثيوبية وخبراء للمشاركة في التحقيق في الحادث. اجتمع هؤلاء فور وصولهم مع لجنة التحقيق في مطار بيروت، وعملت «الأخبار» أن الاجتماع دام أكثر من ساعتين، وطرح الطرفان هواجسهما ووجهات النظر بشأن الحادث، وقد حمل الوفد الإثيوبي أسئلة إلى العاملين في مطار بيروت.
قد لا تكون الأجواء بين الجانبين شديدة التجانس في ما خص الافتراضات أو الأسئلة المطروحة، في المعلومات أن الفريق الإثيوبي لديه تساؤلات وهواجس تتمحور حول فرضية عدم قيام المعنيين في مطار بيروت بإعلام طاقم الطائرة بالأحوال الجوية الشديدة السوء، أو لماذا أُعطي هذا الطاقم الإذن بالإقلاع؟ وقال خبراء إن «الطائرة عند وقوع الحادث كانت في مرحلة الإقلاع، ما يعني أنه كان يجدر بالمعنيين عدم إعطاء الإذن بالطيران نظراً للعاصفة والأحوال الجوية السيئة».
علمت «الأخبار» أن الوفد الإثيوبي سيقيم في العاصمة بيروت لفترة غير محدّدة بعد، وذلك للمشاركة أو لمواكبة أعمال التحقيق.
من جهته، يرد الجانب اللبناني بأن ثمة طائرات أخرى أقلعت في أوقات زمنية متقاربة جداً مع توقيت إقلاع الطائرة الإثيوبية.
الطائرة المنكوبة وصلت إلى العاصمة اللبنانية آتية من أديس أبابا، واستقرت في مطار بيروت لنحو 45 دقيقة فقط، غادرها طاقمها الذي أتى بها إلينا لينام في العاصمة اللبنانية، وفق قوانين الشركة. أما أفراد الطاقم الذي قادها أمس في طريق العودة المفترض، فهم وصلوا إلى بيروت أول من أمس وباتوا ليلة في أحد فنادق الحمرا، ومنهم بالطبع القبطان، وهو وفق بعض من التقوه في المطار شاب حيوي، أورد لدى وصوله أول من أمس معلومات شديدة الدقة عن رحلته، كإعطاء التوقيت المحدد للحظة الهبوط في المطار ثم لحظة التوقف النهائي بعد مسيرة على المدرج استمرت 7 دقائق.
راجت أمس رواية «أمنية» عن أسباب الحادث، وفي تفاصيلها أن الطائرة منذ أخذت الإذن بالإقلاع، فوجئ العاملون في برج المراقبة بسرعة إقلاعها، وأنها ارتفعت بعد ثلاث دقائق لما يزيد على 8 آلاف، وطلب العاملون في برج المراقبة من طاقم الطائرة، وقائدها التوجه يميناً للابتعاد عن عين العاصفة، ولكنه اتجه شمالاً فدخل في العاصفة، وانحدر حينها ألفي قدم خلال ثوانٍ قليلة ثم انقطع الاتصال به حتى ارتطم بالبحر وانفجرت الطائرة. تضيف هذه الرواية إن الخبراء يؤكدون عدم حصول أي انفجار قبل الارتطام بمياه البحر.
إضافةً إلى الرواية «الأمنية»، شاعت روايات وتحليلات مختلفة عن الحادث، وما ساعد على ذلك هو قانون الصمت الذي التزم به المسؤولون في المطار والمتابعون لهذا الملف، وذلك عملاً بتعليمات وزير الأشغال والنقل غازي العريضي.
بعض المطلعين نقلوا لـ«الأخبار» الاحتمالات «الأكثر علمية التي يمكن أن تدور حولها التحقيقات وفرضيات البحث عن أسباب الحادث»، شدّد هؤلاء على أن بتّ السبب الحقيقي للحادث سيظل حبيس الصندوق الأسود، ونشله ضروريّ للجزم بأية «حقيقة». أما الاحتمالات «العلمية» فتتمحور حول إمكان أن تكون صاعقة رعدية قوية (Thunder storm) قد ضربت الطائرة، فأدت إلى إحداث الحريق أو الانفجار الذي تحدث عنه شهود عيان. وهذه الرواية نقلها أيضاً بعض من أسهموا في انتشال الجثث.
أما الرواية الثانية، فدارت حول سلوك قائد الطائرة، خلال عملية الإقلاع، خطاً عمودياً في محاولة منه للهروب من حاجز جوي ما كغيوم كثيفة. فاصطدم بالعائق، أو أن هذا العائق ضرب الطائرة. يضيف المتحدثون بهذه الرواية إن قائد الطائرة كان على تواصل مع العاملين في برج المراقبة خلال دقائق الإقلاع الثلاث، وانقطع الاتصال به فجأةً.
الفرضية الثالثة تحدثت عن عطل تقني طرأ على الطائرة، وعن أن أحد المحركّين تعطل أو تسرب بنزين من الأنابيب الموصولة بالخزانات فأحدث حريقاً قرب المحركات، تجدر الإشارة إلى أن بعض وسائل الإعلام نقلت أخباراً عن «عدم امتثال قائد الطائرة لتعليمات العاملين في برج المراقبة»، المعلومات التي توافرت لـ«الأخبار» تؤكد أن هاتين الفرضيتين تثيران غضب الجانب الإثيوبي، كما أنّ اللبنانيين لم يؤكّدوهما رسمياً.
متابعو الملف أجمعوا على رفض الفرضيات التي تحدثت عن عطل كهربائي أو عن عمل تخريبي ما.
العاملون في مطار بيروت الدولي كانوا يشهدون أن قادة الطائرات الإثيوبية يتمتعون بكفاءة عالية جداً، وبدقة في تأدية أعمالهم. وأنهم صارمون في رفض أية حمولة زائدة عما تنص عليه القوانين المعمول بها دولياً، كما أن الطائرة المنكوبة كانت حمولتها تقل بطن ونصف طن عما يمكن أن تحمله. ويلفت المتابعون إلى أن قبطان الطائرة الإثيوبية يشارك بنفسه في عملية تفقد الطائرة قبل إقلاعها، وعلى متن كل طائرة من طائرات الشركة مهندس متخصص، كما أن ثمة مهندس طيران آخر يعمل لمصلحة الشركة، ويتفقّد طائراتها التي تحط في لبنان. بعض المعلومات تحدثت عن عدم مشاركة مهندس من المطار في عملية الكشف على الطائرة، ولكن المتابعين للملف لم يؤكّدوا هذه المعلومة.