داني الأمينكان يوم أمس حزيناً في البلدات الجنوبية. فالطائرة الإثيوبية التي هوت في البحر فجر ذلك اليوم، قضى فيها العشرات من أبناء برعشيت وعيتا الجبل وحاريص وتبنين وعيناتا. ساعات طويلة من الانتظار قضاها الأهالي هناك أمام شاشات التلفزة يتابعون خبر انتشال الجثث التي قد تكون من بينها جثث أبنائهم. هكذا، عمّ الحزن بلدة عيناتا التي فقدت في الحادث اثنين من أبنائها، هما حسن كمال إبراهيم (35 عاماً) وباسم قاسم خزعل (31عاماً). ودّع الشابان عائلتيهما إلى غير رجعة. ويقول فؤاد إبراهيم، أحد أبناء عيناتا وابن عمّ الفقيد حسن «لقد هاجر حسن إلى كنشاسا التي يعمل فيها العدد الأكبر من مغتربي عيناتا، منذ أكثر من خمس سنوات، وعندما تحسّن وضعه المادي، ها هو يسقط ضحية». ويذكر المغترب فادي إبراهيم، الذي عاد يوم أوّل من أمس من كنشاسا على الطائرة الإثيوبية نفسها، أنه شاهد في منامه ليلة الحادثة أن الطائرة سقطت واحترقت، فأخبر أمه بذلك قبل أن يسمع الخبر الحقيقي.
وعندما وصله الخبر، اكتفى إبراهيم بالقول إن «قدر أبناء عيناتا الاغتراب والشهادة. فشبّان البلدة يولدون في الاغتراب ويموتون كالغرباء، ولم نفاجأ بفقد اثنين من شبابنا، لأن في كل كارثة لنا حصّة». في الوقت نفسه الذي كانت تستعد فيه عيناتا لاستقبال ضحيتيها، كان أهالي بلدة تبنين يتلقّون نبأ وفاة ابنتهم هيفاء وزنة (42 عاماً) وابنتها روان (20 عاماً) زوجة خزعل.
ويقول أحد المقرّبين من الفقيدتين، شكيب فواز، إن «الفقيدة هيفاء كانت قد سافرت مع ابنتها العروس روان لكيّ تجهّز لها منزلها الزوجي، إذ لم يمضِ أكثر من أسبوعين على زواج ابنتها».
رحلت هيفاء ومعها الابنة الكبرى، فيما تركت خلفها أربعة صغار لم يحسبوا أن يكون وداعهم لوالدتهم أبدياً. أما بلدة عيتا الجبل، فقد فقدت ابنها الشاب سعيد عبد الحسين زهر (25 عاماً)، ويشير ابن عمه غسان زهر إلى «أن سعيد متزوّج منذ نحو عام واحد، وقد قدم إلى مسقط رأسه في حاريص لمتابعة أحوال زوجته الحامل التي تنتظر مولوده الأول». توفي سعيد مع صهره الشاب حسين علي فرحات من بلدة برعشيت، وهو الشاب الذي نجا وزوجته وأطفاله الأربعة في حرب تموز الماضية من القذيفة التي سقطت على المنزل، ليموت وحيداً غرقاً في عرض البحر.
ويقول أحد أبناء برعشيت عنه «ينتمي حسين إلى أسرة فقيرة، وقد حاول العمل في محلّ للحلاقة داخل البلدة، لكنه قرّر أخيراً الهجرة، لكي يستطيع تحصيل الرزق لأطفاله الأربعة، وعاد منذ نحو عشرين يوماً لأن زوجته رزقت بمولود جديد». قضى بضعة أيام إلى جانب الطفل الجديد، قبل أن يقرر العودة سريعاً لمتابعة عمله في التجارة في أفريقيا، ولكنّ «الموت كان أسرع من مشاريعه، وخطفه على حين غفلة»، يختم أحد أبناء بلدته.