الكل يعرفه في بلد موليير، فشعبيّته التدريجيّة جعلته في مصافّ أشهر نجوم فرنسا. من هو هذا الكوميدي المولود في أرض الهجرة من أبوين مغربيّين؟ وكيف اكتسح الشاشتين في سنوات قليلة؟ لعلّ الجمهور تصالح من خلاله مع «ذلك الآخر القابع فينا»، يجيب نجم المهاجرين الذي ما زال يحلم بـ«هوليوود الصحراء»

سعيد خطيبي
يحتلّ المرتبة العشرين ضمن قائمة أكثر الشخصيات المحبوبة في فرنسا، والمرتبة الثالثة بين الشخصيات الأكثر تأثيراً في الفئات الشابة التي تراوح أعمارها بين 15 سنة و24... هكذا صنّفته أحدث استطلاعات الرأي التي نظّمتها صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية (بالتعاون مع معهد IFOP). أحد التقارير الصحافية التي حاولت كشف سرّ نجاح دبوز كوميدياً، أورد أنّه «يستمد نجاحه من قدرته على التأثير في فئات المهاجرين المغاربة المقيمين في فرنسا».
ننظر إلى الرجل الصغير الجالس قبالتنا، نابضاً بالحركة، ونتذكّره في زي لوسيان، بائع الخضار الخجول والممسوح الذي يتحمّل سخرية رب عمله المقيت في فيلم «اميلي بولان» (2001)، وفي دور سعيد، الجندي الجزائري المشارك في الحرب العالميّة الثانية في شريط رشيد بوشارب «بلديّون».
نسأل الممثل الفرنسي المغربي الشاب الذي يتمتّع بشعبيّة واسعة في فرنسا، إضافةً إلى دول المغرب العربي طبعاً، عن سرّ شعبيّته. صحيح أنّه محبوب في أوساط المهاجرين وأهل الضواحي، لكنّه يلفت إلى أن جمهوره بات اليوم يمتدّ إلى شريحة واسعة من الفرنسيين. «لعلّ هذا التبنّي جزء من الاعتراف بذلك الآخر القابع فينا».
خطا جمال دبوز خطواته الفنية الأولى، بمساعدة الكاتب والإعلامي الراحل جان فرانسوا بيزو، من خلال الفقرة التلفزيونية «سينما جمال»، التي كان يشرف على إعدادها على قناة محطّة + Canal الفرنسيّة المشفّرة (1998)، وهي امتداد لفقرة مماثلة كان يقدمها أسبوعياً على أثير «راديو نوفا» (1995). حققت الفقرة رواجاً شعبياً انطلاقاً من محاولتها الجادة الاقتراب من عوالم السينما، وتقديم قراءات وتحليلات عن الكثير من الأعمال المهمّة. جاء أوّل نجاحات جمال مع عالم التمثيل مع السلسلة التلفزيونية الكوميدية «أش» (H)، التي بُثت بين عامي 1998 و2002 على «كانال بلوس»... هنا، أدّى دبوز دور شخصية جمال دريدي، المسؤول عن الهاتف في أحد المستشفيات الفرنسية. لم يحقّق قفزته النوعية إلا عبر فيلم «أستيريكس و أوبيليكس: مهمة كليوباترا» (2002) مع المخرج آلان شابات، حيث جسّد دور «نوميروبيس».
بعد أربع سنوات على تلك التجربة، صعد جمال دبوز، لأول مرة، منصّة التتويج في «مهرجان «كان السينمائي» ونال جائزة أفضل ممثل (مع سامي بوعجيلة، سامي نصري، رشدي زيم وبيرنار بلانكان) عن دور البطولة في فيلم «بلديّون» (2006) لرشيد بوشارب... ذاك الفيلم دفع الحكومة الفرنسية إلى إعادة النظر في تعاملها مع قدامى المحاربين العرب من أفريقيا الشمالية، الذين قاتلوا مع جيش فرنسا الحرّة ضدّ الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية. كما دفع الفيلم جمال دبوز إلى تكرار التجربة مع المخرج نفسه في فيلم جديد بعنوان «خارجون على القانون» هو حاليّاً قيد الإنجاز. ويُتوقع أن يدخل الشريط في المسابقة الرسمية من «مهرجان كان السينمائي» المقبل.
«سأتقمّص دور سعيد، الأخ الأصغر لعبد القادر (سامي بوعجيلة) ومسعود (رشدي زيم). سأبدو أكثر الإخوة إهمالاً وأقلهم تعلّقاً بمسألة ثورة التحرير الجزائرية. مع ذلك، فإن وعي شخصية سعيد بالثورة سيتغير مع توالي الأحداث وتطور الوقائع في الشريط». تجدر الإشارة إلى أنّ سعيد هو الاسم نفسه الذي حمله في Indigènes... فهل يكون الاسم فأل خير عليه للمرة الثانية؟
تدور وقائع «خارجون على القانون» في الخمسينيات من القرن المنصرم، ويروي أحداثاً من الثورة الجزائرية وفق منظور فرنسي. إذ صُوّرت أهم اللقطات بين فرنسا، والجزائر، وتونس وتايلاندا. يأمل جمال دبوز أن يسير الفيلم الجديد على خطى «بلديّون». وبين الأمل والترقّب، يخفي الرجل كثيراً من الحسرة على واقع السينما المغاربية وعلى مشروع المدينة السينمائية المغاربية، «هوليوود الصحراء»، المعطّل بعدما بادر هو نفسه إلى طرحه قبل سنوات من دون أن يبصر النور. يقول متحسراً: «للأسف مشروع «هوليوود الصحراء» يعيش حالة ركود. أعترف بأننا فشلنا في إقناع المستثمرين الأجانب بتنفيذ المشروع. كما أنني، مع الوقت، ومع تأخر إمكان ملموس لتجسيد الطموح، بدأت أشعر بحالة إحباط».
لكنّ الفشل يبقى مسألة نسبية في مسيرة دبوز الفنية، هو الذي أسسّ قبل حوالى سنتين، مسرحاً صغيراً في باريس. هناك يقود فرقة Comedy Club ويحاول منح فرص الظهور للكثير من المواهب الشابة، وكان آخرها الكوميدي الجزائري عبد القادر سيكتور.
على رغم أنه اشتهر من خلال أعمال تلفزيونية وأخرى سينمائية ومسرحية، فإنّ دبوز يحرص، من حين إلى آخر، على التأكيد على كونه متعدد المواهب. نجده ينخرط في بعض المبادرات الموسيقية، كما هي الحال مع مشروع «مغرب متَّحد» بالتعاون مع مغني الراب الجزائري «ريمكا». إذ شارك الاثنان في كليب أغنية «احتفال» (2009). «الموسيقى عموماً جزء من حياتي اليومية» يخبرنا. «وجزء مهم أيضاً من عملي ضمن «نادي جمال الكوميدي». بين أهم المغنين الذي أثروا فيه، يذكر أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، إضافةً إلى فناني الراي طبعاً. «أثّرت موسيقى الراي في نفسيتي كثيراً. أستمع إلى مختلف مغنّي الراي من الشاب خالد حتى الهواري دوفان... أكاد أعرفهم جميعاً. لكن أكثر أسماء الراي التي تشد انتباهي هي الشابة الزهوانية صاحبة الصوت المميز. أحب أغانيها كثيراً. في الحقيقة، الموسيقى في النهاية حالة تفاعل ووسيلة تعبير، وأؤمن بأنّ صدق المغني هو سرّّ نجاحه».
عُرف دبوز الذي يجمع بين الهويتين المغربية والفرنسية، بمواقفه الوطنيّة، على غرار مبادرة الطائرة المحمّلة بالمعونات التي أرسلها السنة الماضية إلى قطاع غزة، بعد أيام قليلة على توقف العدوان الإسرائيلي. يمد يد العون إلى الكثير من الجمعيات الخيرية، وخصوصاً المهتمة بشؤون المعوّقين، هو الذي عانى إعاقة في يده اليمنى، بسبب حادث قطار تعرّض له في سن الخامسة عشرة. حادثةٌ لم تزده إلّا تعلّقاً بالحياة ورغبة في تأكيد الذات والسير على طريق النجاح.


5 تواريخ

1975
الولادة في باريس من والدين مغربيين

1998
برنامج «سينما جمال» على قناة + Canal

2002
دور البطولة في فيلم «أستيريكس وأوبيليكس: مهمة كليوباترا» لألان شابات

2006
جائزة أفضل ممثل في «مهرجان كان السينمائي» عن دوره في بلديون»

2010
دور البطولة في فيلم رشيد بوشارب «خارجون على القانون» الذي ما زال قيد الإنجاز