فوبيا الطيران بدأت تتغلغل في نفوس اللبنانيين غير المعتادين هذا النوع من الكوارث. من الشمال إلى الجنوب، يعرب الناس عن خوفهم، ويلغي بعضهم حجوزاته. وإن كان الخوف طبيعياً، فإن ما تقشعر له أبدان «الركاب» هو عدم العثور على جثث الضحايا
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
بنت جبيل ـــ داني الأمين
«لا تسافروا أو لا تعودوا الآن»، هذا هو فحوى هاجس أمّهات المغتربين أو العازمين على الهجرة. فقد بدت رقيّة إسماعيل، من بلدة حاريص، التي تشتهر بعدد مغتربيها الكبير في أفريقيا وأميركا، أكثر قلقاً اليوم على ابنَيها المغتربَين، وعلى ابنها الآخر الشاب فادي، الذي ينتظر الانتهاء من المدرسة الثانوية للّحاق بأخوَيه. «أنا لا أعرف ماذا عليّ فعله، هل أسمح له بالسفر لكسب رزقه في أفريقيا، كأخويه، لأن لا أمل له في العمل هنا، أم أتركه هنا ينتظر الموت عند أيّ حرب قد تحصل». قلق أم فادي كان موجوداً سابقاً، لكنه ازداد اليوم: «أنا أفكّر بقلبي الآن، لا بعقلي، كيف لأمّ مثل أم سعيد زهر، الذي فقدته بلدتي حاريص في حادثة الطائرة الإثيوبية، أن تضحّي ببقاء ابنها قريباً منها، من أجل التخلّص من البطالة، لتسمع نبأ غرقه أو موته في تحطّم طائرة، أو حتى في انقلاب عسكري في أفريقيا».
وفي بنت جبيل، التي يزيد فيها عدد المباني السكنية على 5000 مبنى، بينما لا يتجاوز عدد المقيمين 3500 نسمة، ما يفسّر رغبة «نحو 30 ألف نسمة في أميركا وحدها» في العودة إلى مدينتهم، كما يقول التاجر محمد سعد. «لكنّ العودة مستحيلة الآن، وعلى الشباب هنا أن يهاجروا للتخفيف مادياً عن أسرهم». وتقول بديعة فواز: «أفضّل أن يُستشهد ولدي في الدفاع عن وطنه، في مواجهة العدو الإسرائيلي، الذي كان السبب في هجرة أبنائنا، بدلاً من أن يهاجر ويتعرّض لمخاطر الموت في الغربة». لا يكاد يخلو منزل في قرى بنت جبيل وبلداتها، إلّا وقد هاجر منه شاب أو أكثر إلى بلاد الاغتراب. «الحال من بعضه» في بلدة يارون الجميلة و... الفارغة إلّا من القصور والأمهات وكبار السنّ. تنظر الحاجة زينب صالح (75 عاماً) إلى قصر ولدها المهاجر إلى أوستراليا: «أنتظر كلّ عام عودته، صيفاً، فلا يأتي إلّا أيّاماً قليلة ويعود، ولكنني اليوم أخاف أكثر من عودته هذه، لا أعلم، هو الخوف فقط من ركوب الطائرة، رغم أن ما حدث مجرّد حادثة نأمل ألّا تتكرّر». يُذكر أن معظم القرى الحدودية، تخلو شتاءً من الشباب، بسبب الهجرة، ولا سيّما بلدات عيناتا «90% من شبابها في أفريقيا، من بينهم 500 شاب في زائير»، وبنت جبيل ويارون وبليدا وحاريص وشقرا... وقد فقدت منطقة بنت جبيل 8 من أبنائها في حادثة الطائرة الإثيوبيّة، اثنين من تبنين، واثنين من عيناتا، وشاباً من حاريص، وآخر من برعشيت، واثنين آخرين من بلدتي كفرا وعيتا الشعب.
كما في الجنوب كذلك في الشمال: «لن أغادر لبنان بعد اليوم بالطائرة»، تقول مريم كمالي، بعد سماعها خبر سقوط الطائرة الإثيوبية في البحر الاثنين المنصرم، وعند سؤالها عن كيفية سفرها إلى الكويت لرؤية ابنها وأسرته كل سنة، كما جرت العادة، تردّ سريعاً: «سأذهب براً، على الأقل إذا حصل معي حادث، فإنهم سيجدون جثتي، ويعيدونها إلى لبنان!».
حال السيدة الستينية، تشبه حال الكثيرين الذين صُدموا بخبر الطائرة. ومع أن الضحايا من طرابلس أو الشمال قلة، لأن أكثرية مغتربي الشمال يتوجهون إلى الخليج وأوستراليا وأميركا الجنوبية، فإن ظل المأساة الثقيل كان أمس مهيمناً على أغلب أحاديث الناس.
محمد علم الدين، الذي يعمل موظفاً في شركة خاصة تبيع الأدوات الكهربائية، روى لـ«الأخبار» أنه اتصل بشقيقه الذي يعمل في السعودية بعد سماعه النبأ، و«قلت له أن لا يأتي إلى لبنان بالطائرة إلا عندما يكون الطقس جيداً، وأنه إذا أتى براً فسيكون ذلك أفضل».
على عكس ذلك، فإن ماجد الصمد، الذي يعمل أستاذاً في مدرسة رسمية، والذي يسافر سنوياً إلى الإمارات لزيارة شقيقتيه، لم يُثنه خبر سقوط الطائرة عن السفر. ويشرح الصمد أن المرة الأولى التي ركب فيها الطائرة كانت عام 1973، «عندما ذهبت مع والدتي وشقيقتي لرؤية والدي، الذي كان يعمل حينها في بغداد، وكان ثمن التذكرة يومها ذهاباً وإياباً 100 ليرة»، لافتاً إلى أنه «لم يشعر حينها أبداً بالخوف، فلقد كانت «شغلة» كبيرة بالنسبة لي تشبه الفرحة بهدية العيد».
في مقابل ذلك، أوضح موظفون يعملون في مكاتب سفريات في طرابلس «الأخبار»، بعد طلبهم عدم ذكر أسمائهم، أن «حجوزات كثيرة كانت موجودة في اليومين الماضيين طلب أصحابها تأجيلها بضعة أيام، لأسباب يرجّح أن لها علاقة بقلقهم وتردّدهم بعد سقوط الطائرة الإثيوبية».
لكنّ أحد هؤلاء الموظفين أشار إلى أن «الذين طلبوا تأجيل سفرهم أغلبهم متوجّه إلى أفريقيا أو أميركا الجنوبية، أما الذين سيغادرون إلى أوروبا أو أوستراليا وأميركا الشمالية، مثلاً، فلم يفعلوا ذلك»، ولدى سؤاله عن السبب قال: «أحد المسافرين فسّر ذلك بقوله إن الطائرات التي تهبط في مطارات أوروبا وأميركا تكون جديدة والركوب فيها أكثر أماناً، وليست «مهترية» كتلك التي تغادر إلى أفريقيا!».


عوارض كوتونو

أكّدت نائبة القنصل الإثيوبي في بيروت خلال استضافتها في برنامج «كلام الناس» الاثنين الماضي أن طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية، التي تحطمت، كانت جديدة عكس ما أوحى به كلام بعض المداخلات. وفي غياب المعلومات المؤكدة، يبدو أن ردّ فعل اللبنانيين الذي افترض أن مستوى الطائرة الإثيوبية سيئ، له علاقة بما يذكرونه عن تحطم طائرة كوتونو في بحر العاصمة البنينية فور إقلاعها من المدرج، بما يشبه سيناريو الطائرة الإثيوبية. ولو أن طائرة كوتونو كانت مشكلتها الحمولة الزائدة، وتزوير أوراقها، فيما الطائرة الإثيوبية نظامية.